الرئيسة \  مشاركات  \  رسالة إلى الجنرال قاسم سليماني

رسالة إلى الجنرال قاسم سليماني

14.03.2015
عدنان زيدان



إلى الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
السلام على من اتبع الهدى .. أما بعد:
إن صفحات التاريخ دروس مستفادة، والحكيم أو السعيد هو الذي وُعِظَ بغيره، والشقي أو الأحمق هو الذي أتعظ به غيره.
من دروس التاريخ المستفادة العواقب الوخيمة التي جنتها بعض الدول الكبرى على مستقبلها ومستقبل أبنائها بعد تورطها داخل حدود دولة أخرى،ومساعدتها حاكم تلك الدولة الغاشم الذي يلوذ بها ويخدم مصالحها، ومحاولتها ترجيح كفته والانتصار له على الشعب الثائر ضد ظلمه، والقضاء على ثورته بالقوة العسكرية.
بعد أيام قليلة تجتاز الثورة الشعبية في سوريا بوابة السنة الرابعة من تاريخ  انطلاقتها، تلك الثورة التي بدأت على شكل مظاهرات شعبية سلمية لها مطالب محدودة تتلخص في طلب المزيد من الحرية، وانتهت للأسف بسبب التدخل الإيراني  المباشر وغير المباشر على أرض سوريا إلى حرب مدمرة قضت على البشر والحجر.
أيها الجنرال قاسم سليماني:
حتى لا أتهم بأنني أتجنى على بلدكم، وأحملها وزر كل القتل والدمار الذي حصل في بلدي، أذكرك بسياستكم التي اتبعتموها في سورية منذ الشرارة الأولى لثورتها على ظلم دولة ( آل الأسد) واستبدادها.
 لقد تدرج تدخلكم في سوريا وتطور، من إرسالكم مختلف الخبراء المدنيين والعسكريين لتمكين(بشار) ومساعدته على احتواء حراك الشعب السلمي والقضاء عليه بأسرع وقت ممكن،ومن ثَم إمدادكم له بالمال والسلاح بشكل غير محدود، وإصداركم بعد ذلك الأوامر للسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله في لبنان، والسيد المالكي رئيس وزراء العراق لإرسال قواتهم بمختلف مسمياتها إلى داخل سوريا لمساندة (بشار الأسد) بعد أن بدأت قواته و(شبيحته) تنهار أمام ضربات الثوار، تلك القوات التي أطلقت منذ المظاهرة الشعبية الأولى في درعا شعار (الأسد أو نحرق البلد)، ودخلت (ميليشياتكم) الطائفية بعديدها وعتادها إلى مختلف مناطق الصراع في سوريا بحجة حماية مقام السيدة زينب في دمشق.
عندما فشلت تلك القوات في تحقيق الغاية المرجوة من وجودها على الأرض السورية، أمسكت (أيها الجنرال) زمام القيادة بيدك الحديدية، وقررت أن تقود المعركة بنفسك، وكانت البداية من شمال غرب حوران الثائرة، التي بدأت طلائع قواتها تقترب بشكل خطير من ريف دمشق الجنوبي. غير أن نتائج الأيام الأولى للمعارك لم تبشر بخير بالنسبة لكل قواتك الطائفية التي حشدتها من جنسيات مختلفة من غير الإيرانيين للقتال، واليوم أرسلت في طلب المزيد من هذه القوات التي أشرفتم في معسكراتكم الإيرانية على تدريبها وتجهيزها بالعدة والعتاد، ولا أستبعد أن تستجلب غداً فيلق القدس في الحرس الثوري الذي يأتمر بأوامرك، ولكن، صدقني، لن يفيدك هذا في تحقيق ما تصبو إليه، وسوف يستنزف صمود  الثوار في سوريا وثباتهم قوتك وقوة حلفائك الذين غررت بهم للقتال تحت راية الإمام المعصوم في الظاهر, ولتجعل منهم في حقيقة الأمر حطباً لنيران حروبك الفارسية التوسعية.
مع ذلك أطمئنك (أيها الجنرال) بأنك لن تهزم في حربك، وأزيدك في القول قبل أن تذهب بخيالك بعيداً، بأنك لن تنتصر أيضاً مهما سعرت أوار القتال، وأطلت في مدته.
 (أيها الجنرال) الذي عُرف بحنكته ودهائه، لقد تحولتَ في سوريا إلى (مقامر متهور)، كلما خسرتَ في اللعب بالغت في مقامرتك أكثر لتعويض خسائرك ومحاولتك الربح، ومآل المقامر في النهاية هو الخيبة والخسران. 
سوف أعود بك (أيها الجنرال) إلى صفحات التاريخ و دروسه المستفادة، وربما كانت التجربة الأمريكية في فيتنام من أبلغ دروس التاريخ الحديث، هذه الحرب التي استمرت حوالي عقد من الزمن الدامي،وحشد لها الجيش الأمريكي نصف مليون جندي من قوات (المارينز)،ومع ذلك انتهت بخروجه مذموماً مدحوراً رغم إفراطه الوحشي فيقتل الشعب الفيتنامي،واستخدامه (النابالم) الحارق والغازات السامة المحرمة دولياً، وكانت العواقب الوخيمة التي جنتها أمريكا على نفسها من تلك الحرب: مقتل ثلاثين ألفاً من نخبة ضباطها وجنودها، وعجز كبير في موازنتها المالية،وعزلتها الدولية التي  استمرت لعدة سنوات بعد خروجها من الحرب.
لقد كان حال أمريكا البشع بعد فيتنام أقل سوءاً من حال الاتحاد السوفيتي، القطب الدولي الثاني في تلك المرحلة، الذي لم يتعظ ساسته وقادته العسكريين بالتجربة الأمريكية، فركبوا رؤوسهم، ودخلوا مغامرة  فاشلة في أفغانستان، كانت نتيجتها انهيار الاتحاد السوفيتي الذي لا تغيب عن حدوده الشمس بعد هزيمة (الجيش الأحمر)واندحاره أمام المجاهدين الأفغان بأسلحتهم البسيطة، وأصبح بعدها عبرة بليغة من عبر التاريخ.
اسمح لي (أيها الجنرال) أن أذكرك من أجل العبرة بأن القوة العسكرية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي كانت وقتها أعظم بكثير من قوة إيران الآن، وأن قوة ثوار (الفايتكونج) الفيتناميين والمجاهدين الأفغان كانت أضعف من قوة ثوار سوريا وقدراتهم الحالية .. فهل وصلت الرسالة؟
أحذرك (أيها الجنرال) وأنا لك من الناصحين رغم عدائك السافر لشعبي وبلدي؛ كما حذرت أنت الأمريكان من قبل، وسوف استبدل فقط كلمة الإيراني بالأمريكي: ((إن أي ﻱ (إيراني) ﻣﻦ ﺋﺮﺗﻪ ﺃﻭ ﻐﺎﺩﺭ ﺎﺭﺘﻪ إلى سوريا ﻋﻠﻴﻪ أن يحمل ﺑﻮﺗﻌﻪ، فـبلاد ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻫﻲ ﻨﺎ إلى ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺘﻜﻘﺒﺓ (الإيراني) ...)).
لا زال لديك القليل من الوقت لكي تتدارك الأمر، وتبلغ مجلس الخبراء في (قم) بأن ما كنّت تحسبه سهلاً وهيناً عندما أكدت لهم في صيف عام(2011) بلغة المنتصر بأن نظام الأسد باق ولن يسقط، وأنه سيصفي بمساعدة إيران «جيوب الفتنة « في غضون أشهر قليلة, غدا الآن صعب المنال، ودونه أخطار محدقة بمستقبل إيران وخططها التوسعية.
لقد أخطأت في رهانك على سلطة (بشار) لتحقيق مصالحكم،لأنه هو وقبيله من الفاسدين إلى زوال مهما طال الزمان أم قصر، أما مصلحتكم الحقيقية فهي في التصالح مع الشعب السوري، والاصطفاف إلى جانبه، لأنه هو الباقي، لقد فوت على بلدك برهانك الخاسر على (بشار) فرصة ذهبية في أن تكون صديقاً للشعب السوري، و(مستثمراً) رابحاً على أرضه، والفرصة رغم ضآلتها ما زالت قائمة، والاعتراف بالخطأ، والنجاة بالنفس من المستنقع السوري أفضل من الاستمرار فيه، والغوص يوماً بعد يوم في أوحاله الخطيرة.
أيها الجنرال قاسم سليماني:
لا زال لديك القليل من الوقت لكي تختار بين السعيد الذي وُعِظَ بغيره، أو الشقي الأحمق الذي أتعظ به غيره.
ألا هل بلغت .. اللهم اشهد
التوقيع: مواطن سوري بسيط