الرئيسة \  تقارير  \  رسالة غير منشورة إلى المثقفين الأميركيين اليهود ‏(4-3)

رسالة غير منشورة إلى المثقفين الأميركيين اليهود ‏(4-3)

15.12.2022
إدوارد سعيد

رسالة غير منشورة إلى المثقفين الأميركيين اليهود ‏(4-3)
إدوارد سعيد* – (تيارات يهودية) 21/9/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاربعاء 14/12/2022
في رسالة غير منشورة من العام 1989، يدعو المفكر الفلسطيني-الأميركي إدوارد سعيد نظراءه اليهود إلى اتخاذ موقف ضد انتهاكات إسرائيل لحقوق لفلسطينيين.‏
كتب إدوارد سعيد هذه الرسالة المفتوحة في العام 1989، لكنه قرر أنها ستكون أكثر حدة من أن يمكن نشرها. وهي تُنشر هنا لأول مرة، مع تعليقين للكاتبين نوبار هوفسبيان وبيتر بينارت.‏
* *
أن يكون ما فعلته إسرائيل ومؤيدوها بالفلسطينيين معاقبة لأمة بأكملها هو شيء لا يمكن إنكاره من الأساس. كما لا يمكن قول إن الخوف و”الشعور بعدم الأمان” قد أمليا في الواقع سياسة حرمان مئات الآلاف من تلاميذ المدارس الفلسطينيين من التعليم عن طريق إغلاق المدارس والجامعات لأشهر عدة متتالية.
إن مراجعة متزنة لفئات مختلفة من السلوك الإسرائيلي الرسمي في الأشهر الثمانية عشر الماضية تستحق انتباهكم: وسوف أقتبس من قائمة محتويات ‏‏كتاب “معاقبة أمة”‏‏، الذي نشرته منظمة “القانون في خدمة الإنسان”، المنظمة الفلسطينية التابعة للجنة الحقوقيين الدولية (وهي ليست جبهة سوفياتية ولا تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية)‏[24]‏.
اسألوا أنفسكم وأنتم تقرأون عما إذا كان “الخوف” و”الشعور بعدم الأمان” يبرران هذه الأشياء. تحت عنوان “استخدام القوة” لدينا ما يلي:
إحصائيات عن الوفيات والإصابات؛ استخدام القوة ردًا على المظاهرات؛ الذخيرة الحية؛ الرصاص البلاستيكي؛ سياسة الضرب؛ ممارسة الضرب؛ وحشية الجيش -استخدام الرصاص المطاطي؛ استخدام الغاز المسيل للدموع كوسيلة للترهيب؛ المضايقة وتدمير الممتلكات؛ غارات الجيش على القرى ومخيمات اللاجئين؛ أشكال أخرى من الوحشية؛ فرق الموت.
وتحت عنوان “عرقلة المعالجة الطبية” هناك: عرقلة الحصول على الرعاية الصحية؛ الحرمان من الخدمات الطبية للسكان الخاضعين لحظر التجول لفترات طويلة؛ الهجمات على العاملين في المجال الطبي في الميدان؛ الغارات العسكرية على المستشفيات، إلخ. ولا تنسوا للحظة أن هذه الأعمال البغيضة تقوم بها واحدة من القوى العسكرية الكبرى في العالم ضد سكان مدنيين عزل.
هذه القائمة المؤسفة من العناصر التي تم تسجيلها بدقة، والتحقق منها، وتوثيقها في الصفحات الـ475 التالية تستمر لست صفحات. وهي تهيئ لقراءة غير سارة، بل وربما مؤنِّبة.
هل تثير هذه المخالفات التي ارتُكبت باسم الشعب اليهودي أي احتجاج شعبي؟ لا، ليس إذا لم يتعامل معها المثقفون ذوو الشعبية على أنها شعبية في نظر الجمهور.
وليس إذا قيل أن الفلسطينيين، كما هو شائع الآن، يستحقون، لأنهم تمتعوا بالجسارة لمقاومة الممارسات الإسرائيلية، ما يحصل لهم حقًا ويُلامون حصرًا على جُلجُلتهم المستمرة منذ نصف قرن.
وهكذا مر كل ذلك، في حين أن حرب إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين تحت احتلالها العسكري (تذكروا أيضًا أن شريحة كبيرة من جنوب لبنان تقع أيضًا تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي حقيقة ‏‏لم تُذكر أبدًا ‏‏في الضجة التي أثيرت حول اختطاف الشيخ عبيد) ‏[25]‏،‏ تكلف 500.000 دولار في اليوم، وتتلقى المساعدة والدعم من الولايات المتحدة، ويتم الإبقاء عليها مستمرة بلا ردع بقسوتها التي لا تلين، والتي يجري التخطيط لها وتنفيذها، منطقيًا، لأن المثقفين اليهود الأميركيين لا يعترضون؛ لا يرفعون أصواتهم، ولا يرفضون سياسة منحطة ووقحة بشكل غير مشرف يتم تنفيذها، في الواقع، باسمهم. ‏
صحيح أنه تم الإعلان عن لوبي يهودي أميركي جديد مؤيد للسلام؛ صحيح أنها كانت هناك أيضا التماسات، ومقالات، واحتجاجات -بشكل متقطع. ولكن أين هي ردة الفعل، على سبيل المثال، عندما يحدث في فرق بضعة أيام بينهما أن يدعو أرييل شارون ‏[26]‏ وحاخام لوبافيتشر** إلى اختطاف ياسر عرفات وقتله؟
لا أحد يتوقع منكم أن تحبوا عرفات (“لا يمكن وصفه بالكلمات” قال أحد نجومكم قبل بضع سنوات)، ولكن على الأقل تذكروا أنه بالنسبة للفلسطينيين وللعالم رمز وطني، تم استقباله كزائر دولة في كل مكان تقريبًا.
إن الدعوة إلى موته ليست عملاً من أعمال التبجح أو الغطرسة المخيفة: إنها نتيجة مباشرة للإذن الذي منحتموه، ومولتموه، للسياسيين الإسرائيليين بشكل أو بآخر للقيام بأي شيء يريدونه بالفلسطينيين مع الإفلات من العقاب.
إنني أعتقد أن شارون مجرم حرب، ولكن، قبل بضعة أسابيع أخذه العمدة كوخ في جولة مشي حماسية في بروكلين.
‏حتى لا تنقلبوا على شخصي بدلاً من الانقلاب على ما أقوله وعلى الحقائق التي لا يمكن دحضها، سوف أعترف لكم بأن وضعنا كعرب وكمثقفين فلسطينيين أميركيين ليس شيئا نتباهى به.
الدول العربية وحكامها في حالة يُرثى لها. العراق يذبح الأكراد؛ اللبنانيون يصفون بعضهم بعضا؛ سورية تقصف كل شيء تستطيعه؛ ليبيا تمول الإرهاب: تحدث هذه الفظائع وأشباهها في مجتمعات محرومة من الحريات الديمقراطية، حيث الفساد وعدم الكفاءة والافتقار الجماعي إلى الجدية تحكم إلى حد كبير بلا رادع أو تحد.
وقد جلب إحياء الإسلام، بما لا يقل عن أولئك في المسيحية واليهودية، موكبًا مروعًا من رجال الدين غير المتزنين والمتحمسين المُزبدين.
إن بديلنا ليس أكثر جاذبية من بديلكم بأكثر مما يكون بديل ثيوقراطي أفضل من الآخر.
وإضافة إلى ذلك، يمكنني أن أقيم قضية ضد القيادة الفلسطينية التي نعترف جميعًا بأنها لا ترقى إلى مستوى إرادة الشعب العنيدة والمبدعة للمقاومة.
إنني أعترف بكل هذا وأكثر، لكنّ هذا لا يعفيكم بأي حال من‏‏ مسؤولياتكم ومواقفكم. إن الاحتفال بإنجازات إسرائيل الكبيرة، والانغماس في النزعة الانتصارية، وغض الطرف عن أعمال القمع البلطجة اليومية في الضفة الغربية وغزة، ليست أعمالًا جيدة.
ولهذا أعتقد أن ما نحن بحاجة إلى البدء به هو اعتراف مشترك بعدم التماثل في القوة بين إسرائيل والفلسطينيين، وثانيًا، اعتراف بأن إسرائيل ومؤيديها يتحملون مسؤولية كبيرة عن الحالة الراهنة للشعب الفلسطيني.
لا ‏‏أستطيع أن‏‏ أقيس بالضبط حجم المسؤولية، ولكن هناك مسؤولية -ليس فقط عن الماضي، وإنما عن الحاضر، وضمنيًا المستقبل- التي يلعب فيها كلها المثقفون اليهود دورًا مهمًا والتي لا ينبغي الاستمرار في الالتفاف عليها بعد الآن.
على الرغم من كل الخطاب الذي يعرضها كضحية للفلسطينيين، فإن إسرائيل قوة هائلة اليوم: كما قال أبا إيبان ‏[27]‏، فإن التهديد العسكري الذي قد تشكله دولة فلسطينية على إسرائيل يشبه تهديد لوكسمبورغ للاتحاد السوفياتي.
والسؤال الأساسي هو كيف يرتبط المثقفون اليهود الأميركيون بتلك القوة: قوة الدولة، واللوبي، والوضع الراهن، والمنظمات اليهودية الكبرى التي سمعتُ الكثير منكم يقولون في الأحاديث الخاصة إنها لا تمثلكم على الإطلاق.
لا أعتقد أنه من الظلم قول إن المثقفين اليهود الأميركيين الرئيسيين يخدمون، ولا ينشقون عن، أو يعارضون، هذه المجموعة من القوى.
وإذا قبلتم بموقف الحكومة الإسرائيلية (الذي يعبر عنه المدافعون غير الإسرائيليين عنه بشكل غير لائق، مثل كونور كروز أوبراين) ‏[28]‏ فإنكم في الواقع تقبلون بحالة عداء طويلة الأمد وبلا نهاية، ليس فقط بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن بين إسرائيل وجميع جيرانها تقريبًا.
ما يعنيه مثل هذا المستقبل حقًا هو صفقة أقل سعادة بكثير مما يمكن أن يتم حشده تحت عبارات (للمثقفين باعتبارهم متمايزين عن جماعات الضغط) مثل “أمن إسرائيل”. إنه يعني استمرار قمع الفلسطينيين.
إنه يعني الإبقاء على النسبة المرتفعة بطريقة مشوهة من الميزانية الإسرائيلية التي تذهب إلى “الدفاع”: قبل الانتفاضة، كي آخذ بندًا صغيرًا واحدًا فقط، قام أقل من 10.000 جندي إسرائيلي بالمهمة التي يقوم بها الآن أكثر من 100.000.
أضيفوا إلى ذلك تكاليف الطائرات الجديدة، والدبابات، والغواصات، وستكون لديكم حوالي 40 في المائة من نفقات الدولة التي تذهب إلى الجيش.
سوف تستمر احتياجات إسرائيل العسكرية في المطالبة بالمزيد من الدعم الأميركي، ولا يحتاج المرء إلى ذكاء أرسطي لتخمين أنه في الوقت المناسب، وبالنظر إلى التغيرات في الرأي العام هنا التي حدثت بالفعل، فإن المساعدات الأميركية لإسرائيل سيتم تخفيضها.
وفي الشرق الأوسط نفسه، فإن بدايات الصراعات الدموية المهلكة (التي يكمن في جذورها الدين والهوية العرقية) تُجهِد بالفعل هياكل الدولة التي لم تكن مستجيبة لمطالب الأقليات؛ ويمكن تمييز هذا النمط بسهولة في إسرائيل اليوم، وسوف يزداد سوءًا فقط.
لطالما كانت الصهيونية في الممارسة العملية وفي الشرق الأوسط أكثر صدقًا في التعبير عن نفسها مما كانت عليه في الولايات المتحدة.
لم يجعل بن غوريون سرًا أبدًا تفضيله إسرائيل في حالة حرب على إسرائيل في سلام مع العرب.
وإذا بدت مثل هذه السياسة ضرورية خلال السنوات الأولى من عمر الدولة، فقد استمرت حتى الوقت الحاضر مع تداعيات خطيرة بشكل مذهل، بل وحتى مدمرة للذات بغباء.
إن الفكرة القائلة إن إسرائيل تستطيع، إذا كانت في ورطة في الداخل أو مع الولايات المتحدة، أن توجه فجأة ضربة “وقائية” تحويلية في مكان ما، هي فكرة سيئة بما فيه الكفاية؛ إن قيامها بذلك مع وهم أن الولايات المتحدة ستغطي دائمًا (كما حدث في العام 1982) الأفعال الإسرائيلية بأموالها وقوتها، بفضل اللوبي وخدمه، هو تفكير انتحاري.
وهكذا، يجري تبرير منطق التصعيد العسكري بالحديث عن عالم عربي مسلح الآن بالكامل بـ”رادع” يوقف القدرة النووية الإسرائيلية: اسم هذا الردع هو الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
وبتفعيل هذا المنطق، فإن العواقب الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للعسكرة الشاملة ستكون مروعة. وإذن، تبدو قساوة، وتعصب، وتهور الإجراءات الإسرائيلية اليوم سيئة بما يكفي من دون مزيد من تكثيف العداء في البيئة العامة.
إن تشجيع إسرائيل على مواصلة سياستها الحالية المتمثلة في رفع حذاء في الوجوه العربية والإسلامية هو عمل مجنون؛ ألا تدركون كيف يجري زرع الاستياء والكراهية والرغبة في الانتقام في قلوب العرب والمسلمين، المليئة مسبقًا إلى حد خطير بالعاطفة غير المستنيرة، والكراهية العشوائية، والغضب غير المركز؟
ألستم حساسين تجاه الحقائق التي يغلب أن لا يغفر أو ينساها أحد لسنوات من الإهانات والغطرسة والحقد الإسرائيلي؟
إن القول إن إسرائيل ليست وحدها هي التي يجب أن تلام، أو إن هناك الكثير من الاهتمام الإعلامي الذي أولي لمعاملتها للفلسطينيين، لا يعرض مبررات جدية لسياسات إسرائيل المؤسفة.
مرة أخرى، الحقائق هي أن إسرائيل فريدة من نوعها في طلبها لِـ -واستحواذها على- كل من المال والاهتمام من الولايات المتحدة.
كما لا يمكن أن تطالب إسرائيل ومؤيدوها في يوم بتدقيق مبدئي وشامل للماضي اليهودي المفجع، وكذلك للمخاطر التي يتعرض لها اليهود في الوقت الحاضر، ثم في اليوم التالي، عندما يطالب الفلسطينيون بالحق نفسه، يقولون إن اليهود لا يحتاجون إلى النظر عن كثب في الماضي أو الحاضر الفلسطيني.
إن التاريخين؛ الفلسطيني واليهودي، للقرن العشرين على الأقل، منقوشان كلٌّ في الآخر. لا يمكن الفصل بينهما، ويجب تقييمهما والاعتراف بهما من الناحية الأخلاقية، في إطار السعي إلى مستقبل يتمتع فيه كلا الشعبين بحقوق البقاء والوجود الكريم في فلسطين مشتركة، مقسمة إلى دولتين.
لقد حقق الفلسطينيون، بما لا يقل عن اليهود، درجة لا يمكن إنكارها ولا رجعة فيها من الوعي الذاتي الوطني الذي كانت معارضته (وما تزال) شكلاً من التدمير العرقي.
إذا كنت على حق، فإن على المثقفين اليهود الأميركيين أن يعلنوا عن أنفسهم بوضوح وفي ضوء النهار الكامل إما أنهم مع البقاء المشترك والمتساوي سياسيًا لشعبين، أو أنهم يجب أن يقولوا صراحة إنهم يشعرون بأن الفلسطينيين هم، ويجب أن يظلوا، أقل مساواة من اليهود.
وإذا ما اختير الخيار الثاني، فيمكن للمرء أن يحاربه مباشرة كما حارب الكثيرون الحاخام كاهانا. أما إذا اختير الأول، فيمكننا -فلسطينيين ويهودًا في أميركا- أن نقاتل معًا، على الجانب نفسه.
والحتميات هي جلب نهاية للاحتلال، والأهم من ذلك، ممارسة نوع من الضغط الفعال على الحكومة الأميركية من أجل تعديل وتنوير السياسة الإسرائيلية.
لديكم الموارد، ويمكنكم الحصول على مواردنا نحن أيضًا لتحقيق مثل هذا الهدف.
ولكن، مهما فعلتم، أرجوكم ألا يديروا وجوهكم إلى الناحية الأخرى أو تتلعثموا، أو أن تتحدثوا عن كل شيء ما عدا الشرق الأوسط، أو أن تطعنوا في شخصي وتقولوا إن المشكلة هي الإرهاب والإسلام والثقافة العربية أو التعنت.
بينما يُقتل الفلسطينيون كل يوم على أيدي الجنود الإسرائيليين، وبينما تُعاقب الأمة الفلسطينية بلا رحمة على يد دولة الشعب اليهودي، فإن دوركم كمثقفين، كما أعتقد، هو أن تقفوا شهودًا على تلك الجرائم، وأن تدلوا بشهادتكم بشأنها.
وهو أيضًا تزويد الإسرائيليين المحاصرين ومؤيديهم بنموذج بديل عن الإكراه أو التشدد الكاسح الذي لا ينتهي والموجه ضد منطقة يتعين على إسرائيل، للأفضل أو الأسوأ، أن تحاول فيها البقاء على قيد الحياة بشكل إنساني ولائق. في وقت كهذا، لن يكون الجدال السياسي مناسبًا، ولو انعكست مواقفنا فسوف ترفضوني إذا حاولت ذلك.
يبدو لي إذن أن الطريق أمامنا واضح تمامًا. إننا إما أن نناضل من أجل العدالة والحقيقة والحق في النقد الصادق، أو أن علينا ببساطة التخلي عن لقب مثقف.
*إدوارد وديع سعيد Edward W. Said (1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1935 القدس – 25 أيلول (سبتمبر) 2003 نيويورك) مُنظر أدبي فلسطيني-أميركي.
يعد أحد أهم المثقفين الفلسطينيين، وحتى العرب، في القرن العشرين سواء من حيث عمق تأثيره أو من حيث تنوع نشاطاته، بل إن هناك من يعتبرونه واحداً من أهم عشرة مفكرين تأثيراً في القرن العشرين.
كان أستاذاً جامعياً للنقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمارية (ما بعد الكولونيالية)، ومدافعاً بارزًا عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وقد وصفه الصحفي البريطاني، روبرت فيسك، بأنه أكثر صوتٍ فعالٍ في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
إدوارد سعيد من الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب.
ونال شهرة واسعة خصوصاً بكتابه “الاستشراق” المنشور في العام 1978، وفيه قدّم أفكاره واسعة التأثير عن دراسات الاستشراق الغربية المختصة بدراسة الشرق والشرقيين.
قامت أفكاره على تبيان وتأكيد ارتباط الدراسات الاستشراقية وثيقاً بالمجتمعات الإمبريالية، معتبراً إياها منتجاً لتلك المجتمعات بطريقة جعلت للاستشراق أبعاداً وأهدافاً سياسيةً في صميمه، وجعلته خاضعاً للسلطة، ولذلك شكك سعيد في أدبياته ونتائجه.
أسس سعيد أطروحاته من خلال معرفته الواسعة بالأدب الاستعماري، وفلسفة البنيوية وما بعد البنيوية، خاصة أعمال روادهما مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا.
أثبت كتاب “الاستشراق” ومؤلفات سعيد اللاحقة تأثيرها في الأدب والنقد الأدبي فضلاً عن تأثيرها في العلوم الإنسانية، وقد أثرت في دراسة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في تحول طرق وصف الشرق الأوسط.
جادل إدوارد سعيد في نظريته في “الاستشراق” متخصصين في التاريخ. ولكون دراساته شكلت منعطفاً في تاريخ الاستشراق، فقد اختلف معه الكثيرون، وخاصة المستشرقون التقليديون من أمثال برنارد لويس ومونتغمري واط.
عُرف إدوارد سعيد كمفكرٍ عام، فضمت مجالات اهتمامه بشكلٍ دائمٍ شؤوناً ثقافية وسياسية وفنية وأدبية في المحاضرات والصحف والمجلات والكتب، ونافح -من واقع دراساته النظرية، وكذلك تجربته الشخصية كمقدسي ترعرع في فلسطين وقت إنشاء دولة إسرائيل- عن إنشاء دولة فلسطين، فضلاً عن حق العودة الفلسطيني، وطالب بزيادة الضغط على إسرائيل خاصةً من قبل الولايات المتحدة، كما انتقد العديد من الأنظمة العربية والإسلامية.
حاز كتاب مذكراته “خارج المكان” الصادر في العام 1999 العديد من الجوائز، مثل “جائزة نيويورك لفئة غير الروايات”، كما حاز في العام 2000 على “جائزة كتب أنيسفيلد-ولف” لفئة غير الروايات وغيرها.
كان إدوارد سعيد عضواً مستقلاً في المجلس الوطني الفلسطيني في الفترة (77-1991) واستقال منه احتجاجاً على اتفاقية أوسلو.
كما كان عازف بيانو بارعاً، وقام مع صديقه الموسيقي أرجنتيني الأصل، دانييل بارينبويم، بتأسيس “أوركسترا الديوان الغربي الشرقي” في العام 1999.
وهي مكونة من أطفالٍ فلسطينيين وإسرائيليين وعربٍ من دول الجوار.
كما نشر، بالتشارك مع بارينبويم أيضاً، كتابًا في العام 2002 عن حواراتهما الموسيقية المبكرة بعنوان “المتشابهات والمتناقضات: استكشافات في الموسيقا والمجتمع”. بقي إدوارد سعيد نشطاً في مجالات اهتمامه حتى آخر حياته،
وتوفي بعد نحو عشرة أعوامٍ من الصراع المرير مع مرض اللوكيميا في العام 2003.
*نشر هذا المقال بعنوان: An Open Letter to American-Jewish Intellectuals
هوامش:
في 28 تموز (يوليو) 1989، اختطف الجيش الإسرائيلي رجل الدين اللبناني عبد الكريم عبيد، واحتجزه رهينة كورقة مساومة لتأمين المعلومات حول ملاح مفقود من سلاح الجو الإسرائيلي.‏
‏في وقت كتابة سعيد لهذه الرسالة، كان آرئيل شارون وزيرًا للصناعة والتجارة والعمل الإسرائيلي. ثم أصبح رئيس الوزراء الحادي عشر لإسرائيل في العام 2001.‏
كان أبا إيبان Abba Eban سياسيًا ودبلوماسيًا إسرائيليًا خدم في مناصب وزارية مختلفة في الكنيست من الستينيات إلى الثمانينيات.‏
‏كان أوبراين O’Brien سياسيًا ودبلوماسيًا أيرلنديًا، ومؤلف كتاب “‏‏الحصار: ملحمة إسرائيل والصهيونية” The Siege: The Saga of Israel and Zionism الصادر في العام ‏‏ 1986.‏
هامش المترجم:
‏** مناحيم مندل شنيرسون‏‏ Menachem Mendel Schneerson: (5 نيسان (أبريل) 1902 ‏- 12 حزيران (يونيو) 1994) المعروف للكثيرين باسم الحاخام لوبافيتشر، أو ببساطة “الحاخام”. كان ‏‏حاخامًا أرثوذكسيًا‏‏ أميركيًا مولودًا في ‏‏الإمبراطورية الروسية‏‏، وأحدث ‏‏حاخام‏‏ من سلالة ‏‏لوبافيتش‏‏ ‏‏الحسيدية‏‏ ‏‏ومهندس كهربائي‏‏.
يعد واحدا من القادة اليهود الأكثر نفوذا في القرن العشرين. ‏كزعيم لحركة ‏‏”حاباد لوبافيتش”‏‏، أخذ مجموعة حسيدية معزولة كادت أن تنتهي مع ‏‏الهولوكوست‏‏ وحولها إلى واحدة من أكثر الحركات تأثيرا في اليهود المتدينين،‏ مع شبكة دولية تضم أكثر من 5.000 مركز تعليمي واجتماعي.
تشمل المؤسسات التي أنشأها رياض الأطفال والمدارس ومراكز إعادة تأهيل مدمني المخدرات ودور رعاية المعاقين ‏‏والمعابد اليهودية‏‏.‏‏