الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رفع الحصار الاقتصادي عن إيران سيمدد طموحها الإقليمي

رفع الحصار الاقتصادي عن إيران سيمدد طموحها الإقليمي

11.04.2015
علي بشار بكر أغوان



القدس العربي
الخميس 9-4-2015
بعد مفاوضات ماراثونية طويلة الأمد، تم توقيع اتفاق سياسي مبدئي نووي إيراني سلمي بتاريخ 2/4/2015 مع قوى ال5زائد 1 وهم أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمينالخميس 9-4-2015ألمانيا.
تمت من خلال هذا الاتفاق تسوية الخطوط العريضة الرئيسة المختلف عليها، التي ستمهد لتوقيع اتفاق استراتيجي نهائي متوسط الأمد، يدوم لغاية عشرة أعوام خلال مدة لا تتجاوز التسعين يوما المقبلة، أي في نهاية يونيو 2015. حمل هذا الاتفاق في ثناياه ضمانات إيرانية بعدم إنشاء محطات نووية إيرانية أخرى، بدون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى عدم السماح للإيرانيين بعبور الحد السلمي لتخصيب اليورانيوم، واستيراد أو صناعة أجهزة الطرد المركزي، وتخفيض عددها الحالي والقبول بإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتعلق بالرقابة المستمرة والفحص الدوري والمفاجئ، الذي تجريه الوكالة في أي وقت تراه مناسبا. كل ذلك أتى نتيجة لتقديم ضمانات أمريكية أوروبية بتقليل العقوبات الاقتصادية تجاه إيران تدريجياً.
إن أهم ما سيحمله التسعين يوما المقبلة من متغيرات، سيثبت نوايا الطرف الإيراني تجاه القضايا والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، لذلك فإن الغرض من توقيع هذا الاتفاق المبدئي، الذي يمهد، في ما بعد لتوقيع اتفاق متوسط الأمد، هو مراقبة السلوك السياسي الإيراني الخارجي، وتتبع مسارات التوجه الإيراني والتعاطي مع القضايا والمتغيرات في الشرق الأوسط.
ان الإدارة الإيرانية تعي تماما ان التوقيع الذي حدث بين الإيرانيين و5الخميس 9-4-20151 ليس اتفاقاً نووياً عسكرياً كاملاً، بل هو اتفاق سياسي مبدئي يمهد لاتفاق متوسط الأمد، حيث سيؤدي هذا الاتفاق،إلى متابعة مستويات تخصيب اليورانيوم بما لا يزيد أو يقترب من النسبة التي تمكن من إنتاج القنبلة النووية. ان إدارة اللحظة الحالية الإيرانية أصبحت على المحك، فإما ان تستمر إيران في التخصيب والوصول إلى عتبة النادي النووي العسكرية مع تضييق اقتصادي دولي، قد يؤدي بها إلى نتائج كارثية غير محسوبة، أو ترضى بالبرنامج السلمي النووي لأكثر من عشر سنوات، حتى تستعيد عافيتها الاقتصادية وتراكم قوتها، لكي تبدأ من جديد أشواطا أخرى للذهاب نحو القوة النووية العسكرية. فكسب الوقت لعبة الإيرانيين وقد اثبتوا براعة كبيرة في ذلك.
أصبح من المسلم به ان بيئة الشرق الأوسط الإستراتيجية تعد بيئة متداخلة مترابطة معقدة للغاية، ترتبط أزماتها ببعضها ارتباطاً وثيقاً، حيث لا يمكن تحقيق انفراج في أي اتجاه، بدون تسوية جملة المتغيرات التابعة للازمة المراد تسويتها. وبقدر تعلق الأمر بقضية التوقيع النووي الإيراني، فأمام القوى الإقليمية والقوى الدولية الكبرى أعمال شاقة لربط إرادات الفواعل الأضداد مع بعضها، والخروج بتسوية ترضي الجميع. على ذلك يمكن بحث أهم التداعيات الجيوسياسية الإقليمية نتيجة الوصول الإيراني إلى المرتبة النووية السلمية:
محور السعودية ومجلس التعاون الخليجي: كما هو معروف ان السعودية ومجلس التعاون الخليجي معها، عدا سلطنة عمان، في حالة صراع تاريخي قديم على مختلف القضايا الجيوسياسية، التي تؤثر بشكل كبير على التوازن الإقليمي الشرق أوسطي. والمؤكد ان الاتفاق النووي سيؤثر كثيراً على طبيعة التعاطي السعودي- الخليجي من ناحية مع التوجه الإيراني في ما بعد التوقيع النهائي تجاه قضايا النزاع في بيئة الشرق الأوسط الإستراتيجية. إن ضبط العلاقة الخليجية الإيرانية في الاتجاهات السلبية أو الايجابية تعتمد بشكل كبير على تفاصيل الاتفاق الأمريكي الإيراني، فإيران اليوم غير إيران الأمس (نظرياً) التي كانت تعلن العداء العلني لأمريكا وإسرائيل.
بيد ان الحديث عن تحسن سيطرأ على العلاقات الإيرانية الخليجية أمر متسرع نوعا ما الآن، بسبب ان هذه القضية تحتاج لمراقبة السلوك السياسي الخارجي الإيراني، ما بعد التوقيع النهائي، بالإضافة إلى ان السعودية والقوى الخليجية الأخرى تحتاج لوقت مناسب لتقبل إيران دولة لديها برنامج نووي سلمي برعاية أمريكية دولية، وهي لا تمتلك تلك التقنية.
إن التواصل الذي حصل بين القوى الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية قبل التوقيع النووي، يحوي إشارات ورسائل تطمينية نسبياً ووعودا للجلوس الأمريكي الخليجي خلال الأشهر المقبلة لزيادة التعزيز الأمني الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وقوى الخليج العربي.
لذا فإن وجود الولايات المتحدة كطرف حامل لميزان التوازن في الخليج، قد يؤدي إلى بلورة نوع جديد من العلاقات بين إيران والخليج، القائمة على التهدئة. فاقتراب إيران من الولايات المتحدة سيؤدي إلى إعادة صياغة العلاقات الخليجية العربية – الإيرانية، بما يتفق مع حجم المصالح الأمريكية في الخليج. لهذا فإن احتمالات حدوث تقارب عربي خليجي إيراني واردة نسبياً، في ظل رعاية أمريكية للطرفين، لكن السؤال الأهم كم سيدوم هذا الاتفاق، ان حدث، وماذا سيقدم الأمريكان للخليج لتحقيق توازن القوى غير التقليدي في هذه المنطقة.
محور العراق: من المعروف ان العراق ومنذ عام 2003 دولة تدور بشكل كبير في الفلك الإقليمي الإيراني، حيث اتخذت الحكومات العراقية المتعاقبة نسبياً – عدا حكومة أياد علاوي الانتقالية عام 2005- من إيران حليفاً استراتيجياً عميقاً. بيد ان إيران لم تكن تنظر للعراق من هذا المنظار، بقدر ما كان العراق ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية، لتحقيق المصالح الإيرانية، ومن بينها الضغط على القوى الكبرى، عبر بوابة العراق لاستحصال اكبر قدر ممكن من المكاسب الجيوسياسية، وتعضيد الموقف الإيراني تجاه القوى الدولية الكبرى. لذا فإن حدوث الاتفاق النووي قد يؤدي إلى تسوية الكثير من الخلافات الإقليمية الدائرة على أرض العراق وتحقق الانفراج في العديد من قضايا الصراع.
بيد انه من المهم القول ان العراق كان البوابة الرئيسية التي جعلت إيران تقف على العتبة النووية. العراق كجغرافية وسياسة كان ساحة إستراتيجية عملاقة لتحقيق الطموحات الإيرانية النووية، للضغط عبر هذه الساحة تجاه القوى الكبرى. بيد ان حدوث استقرار نسبي في العراق، ليس أمرا حتميا بقدر ما يتطلب هذا الأمر تتبع السلوك الإيراني السياسي الخارجي تجاه العراق والتزاماتها مع الولايات المتحدة، لكي نستطيع صياغة رؤية لما يمكن ان يكون عليه الوضع مستقبلاً، على هذا الأساس فإن مرحلة التسعين يوما المقبلة ستوضح ملامح السلوك المستقبلي الإيراني تجاه العراق وتجاه التزامات إيران مع الغرب.
محور سوريا: لا يرتبط التأثير الإيراني المباشر في سوريا بإيران رسميا، بقدر ما يرتبط الوضع في سوريا بالروس والصينيين، حيث تلعب إيران في سوريا دور الضاغط على الغرب، من خلال الوظيفة الروسية الصينية. فما تقوم به إيران في سوريا لا يمكن اعتباره إستراتيجية إيرانية خالصة نابعة من تصور إيراني إقليمي حر لتحقيق المكاسب، بقدر ما تتصادم المصالح الروسية – الصينية من جهة مع طموحات الغرب لتحقيق التفوق على الجغرافية الروسية، لذلك فعنوان الأداء الاستراتيجي الصيني الروسي يمكن رؤية ملامحه عبر المعطى الإيراني تجاه الجغرافية السورية.
فلا يتعدى الدور الوظيفي الإيراني في سوريا مصالح واستراتيجيات كل من روسيا والصين، تمت ترجمة هذه المصالح بشكل انتشار إيراني جيواقليمي، لذا فإن الحالة السورية لا ترتبط بشكل مباشر وعميق بإيران واتفاقها النووي لوحدها، بقدر ما ترتبط بموقف روسيا والصين. فالتغيير على الساحة السورية عنوانه روسيا والصين، بالإضافة إلى القوى الكبرى الأخرى.
بيد أن هذا الحديث لا يعني عدم وجود تصورات إيرانية ضمنية لما تريد ان يكون عليه الوضع في سوريا بالاتساق مع الرؤية الروسية الصينية، حيث ان لإيران مشروعا إقليميا شرق أوسطيا، يتفق هذا المشروع مع المشاريع الروسية الصينية، لهذا نجد ان إيران هي صاحبة التأثير الأكبر في سوريا نتيجة قربها الجغرافي وامتداداتها الإيديولوجية.
محور إسرائيل: تشكل الهواجس الإسرائيلية تجاه الوصول الإيراني إلى العتبة النووية، أحد أهم المتغيرات التي يمكن أن تسيطر على طبيعة التفاعل داخل الإدارة الأمريكية نفسها، وبين القوى الكبرى التي وقعت الاتفاق المبدئي مع إيران، حيث رفضت إسرائيل الاتفاق النووي مع الإيرانيين بشكل مطلق، بدون أي وجود لأي مرونة تجاه هذا الموضوع. ان إسرائيل واحدة من أهم القوى الإقليمية التي تصادمت مع الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر، وعارضت أي اتفاق نووي إيراني يسمح لها بالوصول إلى مستويات متقدمة من التحفيز النووي. من ثم تهديد الأمن الإقليمي والإسرائيلي على وجه الخصوص. لذا يعمل الإسرائيليون على زيادة الضغط على الرئيس الأمريكي عبر الكونغرس، وتحاول إسرائيل ان تستخدم نفوذها داخل الحزب الجمهوري لإعاقة المصادقة على الاتفاق النووي، لكن سياسة الأمر الواقع التي يتبعها الرئيس اوباما مع الإسرائيليين أوصلت الحال إلى مرحلة القول ان أي اتفاق نووي يوقع مع إيران سيلغى مع قدوم الرئيس الجديد. ويجب الإشارة إلى ان التوازن الاستراتيجي يحوي على درجات تتمحور حول:
التوازن التقليدي العسكري غير النووي.
التوازن التقليدي العسكري مع برنامج نووي سلمي.
التوازن غير التقليدي العسكري النووي.
إسرائيل مستنفدة للمراحل الثلاث بينما تعلن نفسها أنها في المرتبة الثانية. إيران بعد التوقيع وصلت للمرتبة الثانية، الأمر الذي يجبر إسرائيل على كسر التوازن وتحقيق الردع والانتقال إلى المرحلة الثالثة وإعلان أنها قوة نووية.
محور تركيا: لا يمكن تتبع تحليل العلاقات التركية الإيرانية ككلية كاملة بقدر ما يمكن تحليل هذه العلاقات وفق التصادم والتلاقي، فتركيا تصطدم بشكل كبير مع المصالح الإيرانية في سوريا، ذلك بسبب وجود مشروعين يتصارعان على مد النفوذ الجيوسياسي تجاه الجغرافية السورية، بينما إذا أردنا تتبع طبيعة العلاقات التركية الإيرانية تجاه العراق نلاحظ أن هذه العلاقة تتسم بالتوازن النسبي، عبر تقسيم مساحات الوجود الواضح جغرافياً بين المصالح الإيرانية من ناحية والمصالح التركية من ناحية ثانية. أما قضية الاتفاق النووي الإيراني، فتشكل هذه الحالة متغيرا جديدا في مسار العلاقات بين البلدين، فإيران النووية السلمية ستؤثر بشكل كبير على الأداء الاستراتيجي التركي في الشرق الأوسط، وستكون الإرادة الإيرانية اكثر قدرة على ضبط الأمور، بفعل الحصانة النووية، حتى إن كانت سلمية، بسبب ان رفع الحصار الاقتصادي عن إيران سيمدد الطموح الإيراني الجيوسياسي والاقتصادي وسيساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية والاندماج الإقليمي، اكثر مما يخرج الأداء الاستراتيجي الإيراني بصورة مختلفة عما كانت عليه في كثير من مناطق الصدام التركي الإيراني في سوريا والعراق وبحر قزوين.
وفي حال خروج إيران بصفقة نووية سلمية خلال مدة الاختبار التي وضعت، سيتحدث الكثيرون عن عالم ما قبل الاتفاق النووي الإيراني وعالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني، بيد ان طبيعة هذا العالم وشكله وآليات تعاونه وصراعه لا يمكن لأحد التنبؤ بها بسهولة، لأننا بحاجة إلى متابعة السلوك السياسي الخارجي الإيراني، بالإضافة إلى إعادة صياغة التوجه الإيراني تجاه المتغيرات الإقليمية والتغيير المزمع إجراؤه في الإستراتيجية الإيرانية، فضلاً عن التزامات القوى الكبرى في وعودها تجاه إيران.
٭ كاتب عراقي