الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رهانات إيران: الانتصار في الحرب الطائفية في العراق

رهانات إيران: الانتصار في الحرب الطائفية في العراق

03.07.2014
محسن ميلاني



الحياة
الاربعاء 2/7/2014
رغم ان السجال الإيراني حول ما ينبغي فعله في العراق ليس صاخباً على غرار ذاك الدائر في الولايات المتحدة، الا انه بالمقدار ذاته من العمق والحدة. وليس في ذلك ما يفاجئ. فبالنسبة الى ايران، تشكل الحرب الأهلية في العراق المجاور او حتى تقسيمه خطراً على الأمن القومي اكثر مما هي فرصة لتصفية الحسابات (على ما يجري في واشنطن هذه الأيام).
ويدرك صناع السياسة الإيرانيون هذا، وتتيح تصريحاتهم الأخيرة فهم الخطوط العريضة للاستراتيجية الإيرانية. من جهة، ستساند طهران حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فيما تعيد تنظيم القوات المسلحة التي يهيمن عليها الشيعة والميليشيات غير النظامية التي تقاتل المتمردين السنة ممن سيطروا على شمال غربي العراق. ومن جهة ثانية، ستحاول طهران صوغ الصراع في عبارات غير طائفية، وتقديمه بدلاً من ذلك بوصفه حرباً على الإرهاب. وتأمل طهران، عبر الرطانة هذه بإقناع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، بتقديم دعم سياسي وعسكري.
ثمة توترات جلية بين الرطانة والأبعاد العملانية لهذه الاستراتيجية، وقد يكون صناع السياسة الإيرانيون اقل قدرة على ضبط هذه التوترات مما يودون هم الاعتقاد به. ومنذ نهاية الحرب بين العراق وإيران عام 1988 حتى الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، كانت الأولوية الإيرانية ضمانَ ألاّ يتمكن العراق ابداً من اجتياح إيران مجدداً. لذلك ركزت على انشاء حكومة يغلب الشيعة عليها في بغداد وتكنّ الود لطهران. ونمت كذلك الشبكات الشيعية السياسية في العراق وأنشأت عدداً من الميليشيات الشيعية القوية. اسفر ذلك عن جعل العراق حليفاً صريحاً لإيران، وشريكاً رئيساً في التجارة. غيّر ذلك توازن القوى الاستراتيجي في المنطقة لمصلحة ايران ضد خصم خليجي. ومن غير المتوقع ان تنبذ ايران كل التقدم الذي حققته وتتخلى عن حليفها؛ فالتضامن ركن في الخطاب السياسي للزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي. وعندما سقطت الموصل في أيدي المتمردين السنّة وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، كان رد الفعل الغريزي الإيراني عرض تقديم المساعدة العسكرية السريعة للمالكي الذي تدعمه طهران منذ زمن بعيد.
بيد أنها ليست مسألة ولاء شخصي فحسب. فالأولوية الاستراتيجية الإيرانية في العراق تقوم على ضمان بقاء الحكومة تحت السيطرة الشيعية، سواء بقي المالكي في قمرة القيادة أم رحل. ومنذ أعلن الرئيس حسن روحاني عزمه على إرسال المساعدة الى المالكي، اذا طلب العراق منه ذلك، تقدم "الحرس الثوري" لتولي قيادة التنسيق في عمليات القوات العراقية (ثمة تقارير عن ارسال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني الى بغداد لمساندة المالكي). والتدخل الناجح لـ "الحرس الثوري" في سورية - حيث درّب القوات الحكومية السورية وقاتل الى جانبها - منحه التجربة العملية في قتال "داعش" وغيرها من المجموعات السنية المتطرفة. ويعرف "الحرس" ايضاً طبيعة الأرض العراقية معرفة ممتازة فقد درّب هناك آلاف المقاتلين العراقيين واكتسب خبرة مهمة في معرفة خيوط السياسات العراقية.
يمكن إيران المساعدة ايضاً في حشد الميليشيات الشيعية في العراق التي ابتعدت عن الساحة في الأعوام القليلة الماضية، والأكيد انها ستسعى الى اعادة تجميع فيلق بدر وتسليحه (رغم ان كثراً من اعضائه انضموا الى قوات الأمن). ومن المرجح انها ستتخذ الخطوة الأكثر اثارة للجدال بتشجيع جيش المهدي التابع لرجل الدين مقتدى الصدر على الانخراط في القتال. وكان الصدر اعلن بعد رحلة الى طهران انه سيصدر تعليماته الى الميليشيا التي تتبعه بحماية المقامات الشيعية من خطر "داعش". وقد تطلب ايران من مجموعات شيعية اصغر مثل "عصائب اهل الحق" و"كتائب حزب الله" التي أسسها "الحرس" ودربها ان تشارك في القتال.
وتعتقد طهران بأن لا وسيلة لإلحاق الهزيمة بالتمرد السني سوى باتفاق الميليشيات الشيعية المقسّمة على التعاون. ولحسن حظ إيران، شجّع آية الله علي السيستاني الميليشيات على فعل ذلك في خطوة تعتبر سابقة بإصداره فتوى بالانضمام الى القوات الحكومية لمحاربة "داعش". وظهر ان الفتوى شكلت نقطة تحول اذ كانت "داعش" على وشك الوصول الى بغداد لكنها توقفت بعد صدور الفتوى التي ادت الى تدفق أعداد كبيرة من المتطوعين للالتحاق بالقوى الأمنية العراقية وبالميليشيات الشيعية، وفرضت الضغط على خصوم المالكي لتقديم دعم له.
ومستبعد جداً ان تعترف ايران علناً بأن استراتيجيتها طائفية صريحة. ويحرص مسؤولوها على عدم تعريف "داعش" كمنظمة سنّية او حتى كمجموعة عراقية اصيلة بل يفضلون وصفها كمجموعة تكفيرية او كافرة تعتمد على دعمٍ من دول اجنبية.
وبوضعها تدخلها في إطار الجهود المناهضة للإرهاب، تستطيع ايران الضغط على الولايات المتحدة والغرب سراً وعلناً لمساندة جهودها أو على الأقل عدم عرقلتها. ويعتقد بعض السياسيين الإيرانيين بأن ثمة سبباً جيداً للتعامل مع الولايات المتحدة في قتال "داعش"، تماماً مثلما حصل اثناء إطاحة "طالبان" في افغانستان عام 2001. ويريد الإيرانيون العمل مع واشنطن للحيلولة دون تقسيم العراق ويعتقدون بأن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإيران غير ضروري في العراق، ولكن لا مفر من تعاونهما السياسي لاستعادة الاستقرار الى العراق، رغم ان ايران تبدو مترددة في الاعتراف بأن لأميركا رؤية مختلفة الى حد ما لكيفية فرض السلام في العراق. فهو لن يظل مستقراً ما دام الشيعة يحتكرون الحكومة المركزية، وما كان لـ "داعش" ان تحقق ذاك التقدم السريع لو لم يشعر السكان في المناطق العراقية ذات الأكثرية السنية بالإقصاء الكامل عن العملية السياسية في بغداد وبأن "داعش" تقدم لهم فرصة افضل. وإذا لم تقتنع ايران بأن إلحاق الهزيمة بـ "داعش" يتم فقط بإشراك السنّة في صناعة القرار، ما يضمن لإيران موقعاً مميزاً في العراق، فسيظل هذا مصدر تهديد للأمن القومي الإيراني على الحدود الغربية.
* أستاذ السياسات في جامعة جنوب فلوريدا، عن "فورين أفيرز" الأميركية، 22/6/2014، إعداد حسام عيتاني