الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "رواية" الهجوم الكيماوي السوري

"رواية" الهجوم الكيماوي السوري

19.12.2013
إيليوت هيغنز



الحياة
الاربعاء 18/12/2013
طعن الصحافي سيمور هيرش، الفائز بجائزة بوليتزر، في إلقاء لائمة الهجوم الكيماوي على نظام بشار الأسد، وسلط الضوء على السلاح المستخدَم في ضربة غاز السارين في 21 آب (أغسطس) الماضي. وهو يرى أن الذخيرة المستخدمة مرتجلة التجهيز ومصنّعة محلياً، كما يطعن في إمكان إصابة هذه الذخيرة هدفها إذا أطلقت من قاعدة عسكرية بعيدة، ويتساءل عن مسؤولية الثوار الملتحقين بـ "القاعدة" عن الهجوم. لكن هيرش يُغفل أن ثمة أدلة تقدّم جواباً شافياً على أسئلته وظنونه وطعونه مصدرها الجيش السوري، وهي تشير إلى أن المقربين من الأسد، وليس الثوار، هم وراء هجوم 21 آب. ومنذ وقوعه أُتابع -شأنَ غيري من المراقبين والصحافيين- معلومات منشورة في مصادر مشرّعة على الشبكة، مثل مواقع "يوتيوب" و "فايسبوك" و "تويتر" التي تعرض أدلة تميط اللثام عما جرى في ضاحية دمشق في ذاك اليوم.
برز نوعان من الذخيرة استُخدما في هجوم السارين، أولهما صاروخ "أم14 140ملم" السوفياتي، وهو مزود برأس سارين (كيماوي)، وثانيهما ذخيرة رُصد استخدامها في عدد من المواقع. ومنذ هجوم السارين، ظهرت 8 نماذج من هذه الذخيرة في أفلام قصيرة وصور توثق استخدامها في جوبر وزملكة وعين ترما في ضواحي دمشق. والأدلة التي جُمعت منذ 21 آب تلقي الضوء على هذه الذخيرة والهجوم، وتشير من غير لبس إلى أن الحكومة السورية هي مَنْ يستخدم هذه الذخائر التي تُعرف بالبركان ("فولكاينو")؛ والتسمية هذه تطلقها كذلك قوات موالية للنظام على صواريخ مرتجلة أصغر حجماً. وطراز "بركان" المستخدم في هجوم 21 آب يخرج على وجه 3 أنواع معروفة: نوع كيماوي وآخر متفجر يطلق من قاذفة بفوهتين ونوع قدرته التفجيرية أضخم يطلق من قاذفة بفوهة واحدة. ودُرج على استخدام الطراز المتفجر منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، لكن الطراز الكيماوي لم يُستخدم قبل حزيران (يونيو) 2013.
وسبق أن ظهر هذا النوع من الذخائر الكيماوية في مواقع هجمات كيماوية مزعومة. ووُثِّق استخدام 3 صواريخ "بركان" في عدرا ودمشق في 5 آب، وأظهرت تسجيلات فيديو الذخيرة هذه وحيوانات ميتة إثر انفجار حمولة "البراكين". وفي تسجيلات الفيديو، يُجمع طرفا النزاع على أن مصدر هذه الصواريخ هو القوات الحكومية. والسؤال الأبرز يتناول ماهية أنظمة إطلاق هذه الذخائر. ولا يخفى أن القوات الحكومية قدّمت أخيراً جواباً عن السؤال، وتُظهر بينات في شريطي فيديو منصتي إطلاق صواريخ "بركان". وبثت صفحة قوات الدفاع الوطني الحكومية، وهي ميليشيا موالية للنظام، الشريط الأول (مرفق بالمقال بنسخته الإنكليزية) على موقع "يوتيوب". ويظهر الشريط الثاني قاذفة الصواريخ وراية قوات الدفاع الوطني ترفرف فوقها.
وقد يقال إن الشريطين حديثان، لكن ثمة أدلة أخرى على استخدام النظام القاذفة المزدوجة الفوهة في منطقة المزة التي تسيطر عليها القوات الحكومية، وذلك في كانون الأول (ديسمبر) 2012، و8 تسجيلات فيديو تظهر عمليات إطلاق "البراكين" والقاذفات. خلاصة الملاحظة أن الحكومة السورية تتوسل منذ سنة بصواريخ "بركان" في دمشق، وثمة بيّنات على استخدام الأسلحة الكيماوية قبل هجوم السارين في 21 آب، في حين لا دليل على استخدام المعارضة هذا النوع من الذخائر.
ثيودور بوستول، أستاذ في التكنولوجيا والأمن القومي في معهد ماساشوستس التكنولوجي، أبلغ هيرش أن "بركان" ينتج في ورشة آلات متواضعة القدرات، ملمحاً إلى أن في وسع الثوار إنتاج مثل هذه الأسلحة. وقال بوستول إن هيئات حلّلت مسار صواريخ "بركان" في 21 آب، ورأت أن الزعم بأن مصدر إطلاقها هو قاعدة عسكرية سورية على بعد 9 كلم من مكان انفجارها "مجنون" أو أحمق. وكتب هيرش أن تحليل بوستول قدم البيّنات على أن مدى صواريخ "بركان" يرجح ألا يزيد على كيلومترين.
وقدم هيرش مقالته على أنها قد تدحض مسؤولية الحكومة السورية عن هجوم السارين في 21 آب. ولكن إثر نقاش لم ينقطع مع زملاء بوستول، أبلغني ريتشارد أم. ليود، أن الأدلة التي جمعت تُظهر أن مدى صاروخ "بركان" هو على الأقل كيلومتران إلى 2.5 كلم. لكن النماذج الأكبر من "بركان" قد تزوَّد برأس مخروطي ويزيد مداها على كلم. لذلك، لا يُستبعد أن تكون الصواريخ انطلقت من أراضٍ يسيطر عليها النظام. فالحكومة السورية شنت "عملية القابون" في حزيران المنصرم، وسعت إلى إحكام قبضتها على المنطقة الواقعة بين ضواحي القابون وجوبر. وتظهر خرائط أعدها موقع "ستوريفول"، أن المواقع التي استُهدفت بالهجوم الكيماوي في 21 آب تقع في دائرة لا تبعد أكثر من 2.5 كلم عن منطقة عملية القابون. وقد تكون هذه المنطقة موقع إطلاق السارين، على رغم قصر مدى صواريخ "بركان".
ويعود الفضل في تحديدنا "مستوى" إحكام القوات الحكومية السورية القبضة على هذه المنطقة إلى وكالة "أنّا نيوز ANNA NEWS" الروسية التي يرافق عدد من مراسليها القوات النظامية السورية. وهؤلاء أنتجوا 22 تسجيل فيديو بين حزيران و20 آب أثناء نقل أخبار "عملية القابون". وشطر راجح من المنطقة كان في أيدي الحكومة، على رغم أنها كانت في مرمى نيران المعارضة. لكن تسجيلات الفيديو لا تظهر مصادر نيران يعتد بها غير بعض عمليات القنص. وحين ترابط القوات الحكومية في منطقة لوقت طويل، لا تستهدفها قوات المعارضة بالأسلحة الثقيلة. ولا شك في أن القوات السورية أمضت 3 اشهر قبل 21 آب في السيطرة على مناطق يسعها استخدامها لشن هجمات السارين التي يبدو أنها لم تكن عشوائية أو وليدة الساعة، فهي جزء من حملة عسكرية متواصلة.
واليوم لم يعد يرقى شك إلى حيازة القوات السورية الذخيرة المستخدمة في 21 آب وإلى نشرها، حيث من الممكن شن هجوم السارين. وثمة لقطات من 24 آب تُظهر إطلاق صواريخ "بركان" من منطقة تُعرف بأنها مقر الوحدات الخاصة في الجيش السوري. وجوبر التي استُهدفت بهجوم السارين، هي في مرمى هذا المقر وصواريخه البركانية.
ويناقش هيرش احتمال إنتاج "جبهة النصرة" غاز السارين. ورداً على سؤالي قاس الخبير في الأسلحة الكيماوية دان كازيتا، قدرة "النصرة" على إنتاج مثل هذا الغاز، بعملية إطلاق الغاز في مترو طوكيو عام 1996. وقال: "بين 1994 و1996 تظهر التجربة اليابانية أن مساعي دقيقة تتوسل ملايين الدولارات وتستخدم منشأة واسعة وعدداً كبيراً من العمال الكفء لم يسعها إنتاج أكثر من ليتر من السارين، وأخفقت في إنتاج طن منه". وعلى رغم أن هجوم 21 آب توسل 8 صواريخ "بركان" فحسب، إلا أنه يستند الى جهد صناعي مقداره ضعفا جهد منظمة "أوم شينريكيو" اليابانية التي أطلقت الغاز في مترو أنفاق طوكيو. وطعن في قدرة منظمة، ليست دولة، على صناعة هذا الكم من السارين، وسأل: ماذا عن مكان مصنع الغاز؟ وأين مصب نفاياته؟ ومَنْ هم عشرات العمال– الخبراء الذين لا غنى عنهم في إنتاج هذا الغاز؟ فعضو في "القاعدة" لا يسعه القيام بهذا العمل بمعزل عن فريق كبير. وعلى خلاف النظام الذي أقر بامتلاكه منشآت لإنتاج الأسلحة الكيماوية، يُنسب الهجوم إلى مجهولين يعملون في مصنع غامض لا مكان له ولا أثر لشبكة مزوديه بالمواد ولنفاياته ولا يُعرف عن موظفيه خبر. ويطعن هيرش في رواية الحكومة الأميركية لهجوم 21 آب، ولكن يبدو أنه أغفل أن في متناول من يشاء معلومات كثيرة من مصادر غير سرية متوافرة على الشبكة.
  * صحافي ومحلّل، عن "فورين بوليسي" الأميركية، 9/12/2013، إعداد منال نحاس عن صفحة "كاريكاتير الثورة السورية" على "فايسبوك"