الرئيسة \  تقارير  \  روجر بويز يكتب: لماذا لايزال القادة الغربيون يبحثون عن مشورة كيسنجر؟

روجر بويز يكتب: لماذا لايزال القادة الغربيون يبحثون عن مشورة كيسنجر؟

05.02.2022
المصري اليوم


المصري اليوم
الخميس 3/2/2022
لقد بات فى الـ98 من عمره، ولديه كتابان جديدان فى الأسواق ولا يزال رأيه مطلوبًا باعتباره المخطط الاستراتيجى الذى لا غنى عنه على ما يبدو فى العصر الحالى، الشخص المقصود هنا هو هنرى كيسنجر، الرجل الذى شغل منصب وزير الخارجية الأمريكى السابق.
وينظر البعض إلى كيسنجر باعتباره مجرم حرب وذلك بسبب دوره فى قصف الهند الصينية، فيما يراه آخرون، بمن فيهم مجموعة من الرؤساء الأمريكيين السابقين، مشرفًا حكيمًا على السياسات الخارجية والأمنية للولايات المتحدة.
ولطالما كان سؤال: “ما رأى هنرى فى ذلك؟” مطروحًا فى واشنطن منذ أن عُرض على كيسنجر تقديم المشورة للرئيس الأمريكى السابق جون كينيدى فى عام 1961، وغالبًا ما كان يتم الإجابة على هذا السؤال من خلال الاتصال به لسؤاله عن رأيه، إذ عمل كيسنجر مع ليندون جونسون، كما كان مستشارًا للأمن القومى، ثم وزيرًا للخارجية فى عهد ريتشارد نيكسون، وكان جزءًا من المجلس الاستشارى للاستخبارات الخارجية للرئيس رونالد ريجان، وكان يلتقى الرئيس جورج دبليو بوش بانتظام لمناقشة الوضع فى العراق، فيما تعتبره هيلارى كلينتون صديقًا مقربًا.
ومع انتقال الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تواصل صهره جاريد كوشنر مع كيسنجر، ولم يكتف الأخير بتقديم النصيحة لكوشنر فحسب، بل ساعده على التعرف على بعض الشخصيات ذات الوزن الثقيل، إذ ساعده على مقابلة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس الصينى شى جين بينج عدة مرات، وذلك لأن اسم كيسنجر يفتح الأبواب المغلقة، لا سيما فى الصين، إذ يقول الصينيون إن نظام شى كان ممتنًا لأنهم وجدوا فى كوشنر شكلًا من أشكال الوصول المباشر إلى الرئيس الأمريكى.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان سيتم استدعاء كيسنجر لتقديم المشورة فى البيت الأبيض ومساعدة الرئيس جو بايدن الذى يبدو من الواضح أنه يحتاج إلى المساعدة فى صياغة سياسة خارجية متماسكة لا تصور أمريكا على أنها فى حالة انحدار حاد، وذلك لأن الخروج الفاشل من أفغانستان، والمزيج الأخرق من التهديد والحوار الحذر مع بوتين فى الوقت الذى تمارس فيه دباباته التصعيد حول أوكرانيا، وتصميم شى على جعل الصين القوة العظمى الأولى فى العالم وواضعة القواعد والأعراف العالمية، كلها أشياء تشير إلى أنه بحاجة للمشورة.
ويعتبر بايدن أن سنواته الطويلة فى مجلس الشيوخ قد منحته مصداقية دولية، ووفقًا لتقديره فإنه يرى أنه الأفضل تأهيلًا فى الشؤون الخارجية بين جميع الرؤساء المعاصرين، ومع ذلك، فإن الحقيقة هى أن فهمه الاستراتيجى مشوشًا، كما تبدو لغته متخبطة فى الأزمات التى تحتاج إلى الوضوح.
وفى حال اتبع بايدن إرشادات كيسنجر، فإنه سيتعين عليه التفكير خارج الصندوق، وإذا انتهت الأزمة الأوكرانية دون شن حرب أو توغل روسى فى أراضى كييف، فقد يكون من الممكن معالجة استياء روسيا من كونها الخاسر المتصور فى الحرب الباردة، إذ أنه لطالما كتب كيسنجر بلا تردد عن الحاجة إلى دمج الأعداء السابقين فى النظام الجديد.
وتكمن المعضلة الأساسية فى أن العديد من الأمريكيين ينظرون إلى أوكرانيا على أنها ليست ذات أهمية استراتيجية وأنها لا تستحق القتال من أجلها، فى حين أن روسيا تعمل على خلق أزمة فى كييف ستجعل موسكو أكثر ارتباطًا من الناحية الاستراتيجية بإدارة بايدن، إذ يقاتل بوتين أو يهدد بالقتال من أجل استعادة أوكرانيا كـ”منطقة نفوذ”، وهو يفعل ذلك لأنه يشعر بأنه قد تمت إزاحته بسبب تركيز بايدن الأحادى على التحدى العالمى للصين.
وصحيح أن بايدن لا يحب كيسنجر كثيرًا، ولكن من شبه المؤكد أنهما متفقان على أنه يتعين على أوكرانيا قبول خسارة شبه جزيرة القرم مقابل الوعود الروسية (المشكوك فيها) باحترام وحدة أراضيها، وسيكون هذا هو العرض المنطقى للسياسة الواقعية فى رأى كيسنجر والذى ربما يعتمده بوتين، وصحيح أن تبنى هذا النهج سيجعل أوكرانيا تشعر بالخيانة، ولكن كل أزمة عالجها كيسنجر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تركت وراءها خاسرين.
وبالنظر لأن شى وبوتين يتصرفان كما لو أنهما أصبحا صديقين حميمين، إذ دعم الأول طلب الثانى بألا تنضم أوكرانيا إلى الناتو أبدًا، كما سيحضر الرئيس الروسى حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين يوم 4 فبراير الجارى، ووفقًا لبعض التقارير، فإنه وعد بعدم القيام بعمل عسكرى حتى تنتهى دورة الألعاب.
وربما ينصح كيسنجر بايدن بإيجاد طرق لدق إسفين بين روسيا والصين اللتين، رغم تقربهما من بعضهما البعض، تتنافسان على النفوذ فى آسيا الوسطى، وهو الأمر الذى لن يكون سهلًا، وسيتطلب اهتمامًا أكبر مما قد يرغب بايدن فى إيلاءه لهذه المسألة.
كما أنه يتعين على إدارته أن تكون أكثر وضوحًا فى تحليلاتها، إذ أنها تعتقد أن الصين تطمح فى إخراج أمريكا من سياسات المحيط الهادئ، كما تعتقد أن الهدف الروسى هو إخراج أمريكا من أوروبا الشرقية، وفى حال كان هذا صحيحًا، فإنه سيجمع بين مصير تايوان المدعومة من الولايات المتحدة والدعم الأمريكى (الفاتر) لأوكرانيا، وإذا كان هناك أى مؤشر على أن موسكو وبكين تتصرفان بشكل منسق بشأن هاتين المسألتين، فالغزوان يهدفان إلى إضعاف مكانة أمريكا، وهو ما ينذر بوجود مشكلة فى المستقبل.
إذن ماذا كان سيفعل كيسنجر فى هذه المسألة؟ أعتقد أنه كان سيحث المحللين على التركيز على الفرق بين بكين وموسكو، حيث إن الصين لن تستفيد شيئًا من خلال تعريض الولايات المتحدة لخطر صراع عسكرى على جبهتين.
نقلاً عن صحيفة “ذا تايمز” البريطانية