الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا بوتين عدوّة الحرية..ما يجمع الثورتين السورية والأوكرانية

روسيا بوتين عدوّة الحرية..ما يجمع الثورتين السورية والأوكرانية

02.06.2014
عمر كوش



المستقبل
الاحد 1/6/2014
أثارت أحداث أوكرانيا مقاربات، تتلمس أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين ما يحدث في سوريا، حيث لا تختلف مطامح الشعبين، السوري والأوكراني في الحرية والديموقراطية، وإقامة دولة مدنية حديثة، كما لا تختلف تطلعاتهما إلى الخلاص من براثن الاستبداد والفساد المدعومة روسياً، والتي لأجلها قامت كل من الثورة البرتقالية الأوكرانية في عام 2004، والثورة السورية في عام 2011.
وجاءت الانتفاضة الأوكرانية الأخيرة كي تستكمل الثورة البرتقالية، التي واجهت ثورة مضادة، قادها الموالون لروسيا بوتين. وأفضت هذه الانتفاضة إلى هروب فيكتور يانكوفيتش إلى حضن أسياده في موسكو، بينما لا يزال بشار الأسد، المدعوم روسياً، ماضياً في جرائمه ضد غالبية السوريين، ولا يزال يحلم بحكم سوريا سنوات أخرى، على حساب دماء السوريين ودمار أماكن سكنهم ومعيشتهم، ولسان حاله يقول: لن أقتدي بما فعله الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش.
وتبين الثورتان، السورية والأوكرانية، أن الثورات وإن اختلفت في الظروف والحيثيات، فإنها تتشابه في أمور عديدة، من حيث تفاصيلها وتكتيكاتها وأهدافها، وأيضاً من حيث تكتيكات نظم القمع والاستبداد، في سياق محاولاتها وأد الثورات، بدءاً من إغراء بعض شخصيات المعارضة، وعرض المناصب عليها، وصولاً إلى إطلاق النار وقتل المتظاهرين، وارتكاب المجازر بحق الحاضنة الشعبية للثورة.
وكشفت الثورة الأوكرانية وثورات "الربيع العربي"، وبخاصة الثورة السورية، للعالم أجمع أن النظام الروسي، في نسخته البوتينية (نسبة إلى فلاديمير بوتين)، هو النظام المعادي والمناهض بامتياز لجميع الثورات، ويجتمع معه على هذا العداء، كل من النظام الإيراني والصيني وأترابهما.
ولعل وقوف النظام الروسي ضد ثورة الشعب السوري، بدأ منذ الأيام الأولى للثورة، واستمر في تصاعد حتى يومنا هذا، والأمر نفسه ينطبق على موقف روسيا من الثورة الأوكرانية، حيث وقف الساسة الروس ضد الرغبة العارمة للشعب الأوكراني في الحرية والديموقراطية، بل، وأقدمت روسيا على تقديم 11 مليار دولار لنظام الرئيس الهارب فيكتور يانوكوفيتش، وهو موقف يذكر بسخرية لاذعة، مع النظر إلى الفارق الشاسع، بما وعدت به، بثينة شعبان، المستشارة السياسية لبشار الأسد، من زيادات في الرواتب وخفض في الأسعار، وردّ عليها المحتجون السوريون بالقول: "يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان".
والواقع هو أن قادة روسيا الاتحادية لا يفترقون كثيراً عن رصفائهم في النظام السوري، حيث ما زالت صور قمعهم للمتظاهرين السلميين في ساحات وشوارع موسكو ماثلة في الأذهان، وكذلك انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان في الشيشان وسواها. ولم يملّوا من تكرار أكاذيبهم عن "الجماعات الإرهابية" و"العصابات المسلحة" و"المؤامرة الخارجية" التي تتعرض لها أوكرانيا، وكذلك النظام السوري، بل باتوا ينظرون إلى الأزمة السورية بوصفها مسألة صراع دولي وإقليمي، تتطلب حضور روسيا القوي، كي تتمكن من سدّ ساحة الفراغ الحاصل في هذا البلد، بالنظر إلى ما يتمتع به من موقع جيوسياسي هام بالنسبة إلى روسيا في المنطقة، خصوصاً في ظل معرفتهم الجيدة بعدم رغبة واستعداد الولايات المتحدة الأميركية في التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري، وكذلك في أوكرانيا.ظهر للعالم، أن القادة الروس أرادوا أن يتخذوا من الأزمتين، الأوكرانية والسورية، مثالين لإظهار مدى قوتهم وتأثيرهم في الأزمات الدولية، فأعلنوا عودة اللاعب الروسي من جديد إلى مسرح الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الثورة الليبية، التي أحسوا من خلالها أن الغرب أبعدهم وتجاهلهم، ويريدون من الدول الغربية أن تحسب حسابهم، وتشركهم في حّل جميع القضايا والأزمات الدولية.
ومنذ اليوم الأول للثورة السورية، نظروا إلى المسألة السورية، وكأنها القضية الأهم والأكثر حساسية بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط، وراحوا يؤثرون سلباً على مسار تطور الأحداث، حيث أعلنوا وقوفهم القوي إلى جانب النظام السوري بكل إمكاناتهم الدبلوماسية والسياسية واللوجستية، وتبني وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتفاقمة. ولم يعطوا الجانب الإنساني والأخلاقي أي اهتمام يُذكر، بالرغم من سقوط مئات آلاف الضحايا المدنيين، ومن معرفتهم أن الحراك الاحتجاجي الشعبي أعلن منذ انطلاقته عن رغبة الشباب السوري في نيل الحرية واسترجاع الكرامة، والتطلع إلى دولة مدنية تعددية، تقوم على المواطنة المتساوية والعدالة للجميع.
ولعل ممارسات، الذين تسميهم موسكو، "المواطنين الروس" في مناطق شرق أوكرانيا، لا تختلف كثيراً عما ممارسات شبيحة النظام السوري وأجهزته الأمنية، حيال المحتجين السوريين وحاضنتهم الاجتماعية، ربما في درجة الإجرام التي يتفوق بها نظام الشبيحة الأسدي. كما أن الآلة الدعائية والإعلامية لكل من النظامين السوري والروسي، تتلاقى في الاتهامات الكاذبة والافتراءات، حيث لا تختلف اتهامات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأعوانه عن تلك التي ساقها أركان النظام الأسدي ضد المحتجين والثائرين.
إن من ينظر في تصرف بوتين حيال الأزمة الأوكرانية، يتلمس بوضوح النزعة الثأرية لديه، ربما من إهانات الغرب لبلاده، لذلك يتحرك وكأنها حصنه الأخير، بالنظر إلى موقعها وحجم كميات النفط والغاز التي تستخرجها. وبناء على ذلك، لم يُظهر أي تراجع أمام الضغوط الأميركية والأوروبية التي تمارس عليه للجم أحلامه التوسعية، بل قابل العقوبات بعقوبات مضادة والتهديدات بمثلها، ورد على العرض الاميركي للقوة في دول البلطيق بمناورات على الحدود الأوكرانية.
ولا شك في أن تعامل الولايات المتحدة الأميركية والغرب الرخو مع الأزمة الأوكرانية، هو الذي أفسح المجال لروسيا كي تضم إقليم القرم، بما يعني أن عدم تدخل الغرب عسكرياً في أوكرانيا مثلما لم يتدخل في سوريا، هو الذي شجع بوتين على التصلب في مواقفه حيال الأزمتين، حيث لا يخفي العديد من السياسيين والمراقبين أن تراجع الرئيس الأميركي، بارك أوباما، عن توجيه ضربات إلى النظام السوري، الصيف الماضي، هو الذي فتح طريق بوتين الى القرم. ولا يحجب ذلك حقيقة أن بوتين يريد تجيير موقفه من الأزمتين السورية والأوكرانية، كي يصرف انتباه قوى الشعب الروسي الحيّة عن إخفاق نظامه اقتصاديا، وفشله في التخفيف من مذلة مشاهدة متظاهرين موالين للغرب، وهم يطيحون الحكومة الأوكرانية التي دعمها نظامه.
غير أن ما هو مخاتل في التعامل الدولي مع الأزمة السورية، وكذلك الأوكرانية، أن فلاديمير بوتين بات يعرف تماماً معالم وحدود اللعبة، وراح يتصلب في مواقفه حيال الأزمتين، بناء على معرفته الحدود التي وضعها الغرب، حيث اختارت إدارة أوباما، صاحبة القوة العسكرية الأكبر، والأكثر مرونة في العالم، اللجوء إلى الحلول السياسية، عبر التفاوض بيدين مقيدتين إلى الخلف طيلة أكثر من ثلاث سنوات من عمر الأزمة السورية، فيما أوغل نظام بوتين في دعم وصيفه السوري في القمع والإجرام، وراح يمدّه بالأسلحة التي يدفع ثمنها نظام الملالي الإيراني، بالنظر إلى الالتحاق الكلي للنظام الأسدي بنظام الولي الفقيه، المطمئن إلى عدائه التاريخي لأبناء المنطقة وشعوبها.
وبناء على رخاوة مواقف الغرب وعدم اكتراثه بالدماء السورية، نُسجت خيوط شبكة، تمتد من موسكو إلى طهران ودمشق، مروراً بميليشيات حزب الله وميليشيات عراقية وسواها، حيث توزعت أدوارها، ما بين الحماية الروسية للنظام الأسدي في مجلس الأمن وسواه من المحافل الدولية، وتزويده بشحنات أسلحة فاقت كل التصورات، وبين تدفق الأموال الطائلة من إيران والعراق. والنتيجة وقوع الشعب السوري رهينة مواقف وتصرفات أصحاب هذه الشبكة الدموية.
وأمام كل ذلك، فإن من الممكن أن يطوق بوتين أوكرانيا، ويحاصرها، ويقسمها، لكن سياسته الثأرية لن تمكنه من استعادة امبراطورية غابرة، كما أن النظام الأسدي يمكنه إعادة إنتاج الأسد الابن رئيساً في حزيران/ يونيو المقبل، بمساعدة بوتين والولي الفقيه الايراني، وتابعه حزب الله اللبناني، أو يمكنه كذلك أن يدمر سوريا، ويهجر غالبية شعبها، لكنه في مطلق الأحوال مآله الزوال والسقوط، ولو بعد سنين.