الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا تنسحب.. والقادم أصعب!

روسيا تنسحب.. والقادم أصعب!

17.03.2016
د. أحمد الجميعة


الرياض
الاربعاء 16/3/2016
    تعددت أسباب تفسير قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب الجزء الأكبر من قواته في سورية، بعد حوالي ستة أشهر من القتال بجانب النظام، ومزيد من الدمار والقتل والحصار لما تبقى من الشعب السوري هناك، حيث كان القرار مفاجئاً في توقيته قبل بدء مفاوضات (جنيف 3)، ولكنه متوقع في تطورات أحداثه، ومتفق عليه مع أميركا.
أسباب الانسحاب تباينت بين تخوف روسي من تصعيد عسكري في أوكرانيا، وتمدد الجماعات الإرهابية في آسيا الوسطى، متزامناً مع تردي الوضع الاقتصادي الروسي واستنزاف جزء كبير من ميزانيته على الحرب في سورية، إلى جانب تصاعد الخلاف السياسي بين روسيا وإيران مؤخراً حول عمليات التنسيق وتنفيذ الأولويات على الأرض بين مهمات عسكرية روسية وأجندات طائفية إيرانية، وهو ما جعل الروس يصلون إلى قناعة متأخرة من أن مستقبل الأسد هو الرحيل عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي لا يمكن المضي في الوحل أو المستنقع مع رجل خاسر تلتف حوله عمائم الولي الفقيه؛ للبحث عن مصالحها الفئوية والطائفية على حساب الشعب السوري، وهناك مَنْ برّر الانسحاب الروسي بفسح المجال أمام قوات التحالف الإسلامي للدخول إلى سورية (الخطة ب) في حال فشلت المفاوضات السياسية في جنيف، خاصة أن المدة الزمنية بين تمرين "رعد الشمال" والقرار الروسي أيام معدودة، وهذا يبقى احتمالاً وله حساباته وتداعياته على المنطقة.
ومهما تعددت أسباب الانسحاب إلا أن الروس باقون في "قاعدة حميميم" والقاعدة البحرية في طرطوس وسيواصلون قصف أهداف عسكرية محددة، كما أن خارطة التقسيم مازالت الورقة المتبقية في يد الأميركان وربما تكون حلاً متفقاً عليه مع الروس في إحدى مراحل الأزمة، أما المجرم بشار الأسد سيحسم أمره تحت الطاولة وليس على "طاولة جنيف"، والجماعات المسلحة -التي تصل إلى 1200 جماعة في سورية- سوف تصل إلى خط النهاية وتفرز ذاتها بنفسها، إما قوى معارضة تلتحق بالجيش الحر في مهمة المواجهة والتطهير، أو تصطف مع قوى إرهاب "داعش" و"النصرة" وتلقى مصيرها المحتوم.
الوضع السوري لن ينتهي بمجرد إعلان روسيا الانسحاب، ولكنه بداية رفع اليد عن النظام ليواجه مصيره، إما الالتزام ببنود المرحلة الانتقالية وسيناريو الخروج وتسليم السلطة، أو المواجهة العسكرية الحاسمة لإنهاء الأزمة، وهذه إشارة مهمة تجاه ضرورة الحل السياسي في هذا التوقيت وتوحيد صفوف المعارضة، رغم العقبات الكبيرة في الوصول إلى ذلك من قبل النظام وأتباعه، حيث لا يزال هناك أمل في إطالة أمد الأزمة أكثر من ذلك، ومنح إيران و"حزب الله" فرصة لتحقيق مشروعهما على الأرض واستنساخ عراق جديدة في سورية، وحشد طائفي في مناطق النفوذ.
سورية بعد الانسحاب الروسي ستشهد توازناً في القوى على الأرض، وستميل حتماً لصالح المعارضة إذا هي توحدت، ومضت في مشروع الوحدة والمصير، وستعود إيران وحزبها الإرهابي إلى جحر الذل والإذعان، وتخرج "داعش" من المشهد تدريجياً بعد أن انتهى دورها في تشويه صورة الإسلام السني، وخلط الأوراق، ونشر الفوضى، والطائفية، والإرهاب، كما أن المبالغة في أهمية وتوقيت الانسحاب الروسي لا تعني أن المهمة أصبحت سهلة ومتاحة، بل على العكس ما هو قادم أصعب، وأكثر سخونة في المواجهة؛ لأن النهاية ستكون سورية المستقبل.. بلا بشار ولا وصاية الولي الفقيه.