الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا.. قدرات متراجعة في مقابل عدوانية متزايدة

روسيا.. قدرات متراجعة في مقابل عدوانية متزايدة

15.09.2015
د. علي بن حمد الخشيبان



الرياض
الاثنين 14/9/2015
    روسيا من الداخل ليست على مايرام من الناحية الديموغرافية فعدد السكان البالغ (144) مليونا ثلثهم تقريبا من المسلمين، اكثر من تسعين بالمائة منهم من المسلمين السنة، ويتزايد المسلمون هناك بطريقة اكبر من غيرهم من الأقليات الأخرى
انفرط عقد الاتحاد السوفياتي قبل عقدين من الزمان تقريبا، ووجدت روسيا نفسها امام إرث كبير من المخلفات التاريخية والاجتماعية والعسكرية، كل هذا يحدث في وسط مجتمع يعاني من الضعف والهجرة والتراجع الاقتصادي الهائل الذي يؤثر وبشكل كبير في صحة الدب الروسي في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا، روسيا من الداخل اهم في قراءتها من تصرفاتها في الخارج، روسيا تعاني الكثير من التشتت في العالم وخاصة محاولاتها المستميته للإبقاء على وجودها في بعض دول الاتحاد السوفياتي المنحل ونشرها الكثير من الوحدات العسكرية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
ووفقاً لتقرير مجلة "نيوزويك" من ديسمبر 2014 "بلغ عدد القوات المرابطة في أرمينيا (3200 جندي)، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (7000)، وترانسنيستريا (1500)، وقيرغيزستان (500)، وطاجيكستان (5000). ولكي نضع هذه الأرقام في سياقها، يبلغ عدد القوات المسلحة الروسية من 700 إلى 800 ألف عنصر، بينما يبلغ عدد أفراد الجيش أقل من 300 ألف عنصر. وعلاوة على ذلك، ما زال الجيش يعتمد بشكل أساسي على المجندين الذين يتلقون تدريباً محدوداً"(معهد واشنطن).
روسيا من الداخل ليست على مايرام من الناحية الديموغرافية فعدد السكان البالغ (144) مليونا ثلثهم تقريبا من المسلمين، اكثر من تسعين بالمائة منهم من المسلمين السنة، ويتزايد المسلمون هناك بطريقة اكبر من غيرهم من الأقليات الأخرى وخاصة انهم ينجبون بشكل اكبر، وينتمون الى الاعمال المهمة في روسيا وخاصة الجيش حيث من المتوقع كما تقول التقارير ان يشكل المسلمون نصف عدد الجيش الروسي مستقبلا.
تقول التقارير الدولية إن روسيا بدأت تضاعف من مساعداتها لسورية منذ شهر ابريل هذا العام فقد أرسلت روسيا جنودا ومعدات متطورة الى سورية، وبدا ان روسيا تستعد للمشاركة السريعة التي نراها اليوم في سورية في وسط غضبة من جميع الدول العربية التي كانت تعول على روسيا بأن تكون مفتاح حل محتمل للأزمة السورية، السؤال المهم هنا يقول لماذا هذا الاندفاع المفاجئ لروسيا في سورية مع انها موجودة في اطار مستقر منذ انطلاقة الثورة، ما الذي يمكن أن يحصل مستقبلا حتى تغير روسيا من استراتيجيتها بهذه السرعة لحماية الأسد..؟
القضية معقدة جدا بحجم تعقيدات المنطقة فالاسرار والخفايا في منطقة الشرق الأوسط اكبر من استيعابها، وذلك كنتيجة طبيعية لعدم استقرار المنطقة وكثرة اللاعبين فيها وتداخل المصالح وتناقضاتها، لذلك فالاحتمالات متعددة ولايمكن الجزم بأن تحليلا او سببا بعينه سيكون هو الدافع الحقيقي لهذه السرعة والتدافع في تحقيق الأهداف الروسية، وقد يكون من المناسب وضع الاحتمالات التي يمكن أن تكون قابلة للنقاش في هذه التغيرات السريعة على الأرض السورية.
من المحتمل أن يشكل تدخل روسيا المتسارع ونشر الجنود والمعدات والسفن، محاولة للتغطية على الوجود الإيراني في سورية بحيث تحل روسيا محل ايران في الواجهة السياسية وخاصة مع إحساس ايران أن العرب يمكن أن يقدموا مستقبلا على عملية عسكرية تشبه عاصفة الحزم يكون هدفها الرئيس مواجهة ايران التي تتهرب دائما من المواجهة المباشرة مع العرب، وهنا سوف تتجه جميع الطوائف المتحاربة في سورية المتطرفة منها والمعتدلة للمشاركة في حرب ايران وجنودها في سورية، وخاصة مع حجم الضعف الذي يعاني منه الجيش السوري، من جانب آخر قد يشكل التدخل الروسي حماية متفقا عليها مع دول الغرب من اجل ضمان أمن إسرائيل فتسليم سورية لإيران لا ينطوي على ثقة بإيران فقد تستخدم سورية وسلية للضغط على الغرب من خلال اتاحة الفرصة لحزب الله اللبناني بأن يمتد الى العمق السوري وعلى الحدود الاسرائيلية - السورية.
هذه الفرضية محتملة وتنطوي على ضغط الدول العربية تحديدا على أميركا بالإضافة الى موقف أميركا نفسها من السلوك الإيراني في المنطقة، ولن تضع الولايات المتحدة نفسها مؤيدة للتدخلات الإيرانية في مقابل خسارتها لحلفائها في المنطقة، وقد يكون تقدم روسيا بهذه السرعة في سوريةة جزءا خفيا من الاتفاق النووي الإيراني - الغربي، من خلال تبديل المواقع في المقدمة حيث سوف يشكل الوجود الروسي فيها صعوبة بالغة للدول العربية فيما لو فكرت الدول العربية الدخول الى سورية من خلال عملية مشتركة لتحريرها من المحتل الإيراني.
تصاعد العمل العسكري الروسي في سورية اليوم يعكس تسأولات كبرى حول مواقف بعض الدول العربية غير الواضح من الازمة السورية، وهذا ما قد يبرر اندفاع روسيا بهذه الطريقة في دولة تعاني من أزمات كبرى، وخاصة أن التحدي الأكبر الذي يمكن أن توجهه روسيا هو تكرار التجربة الأفغانية، وتكاد تكون الأرضية في سورية متماثلة تماما مع أفغانستان فهناك جماعات إسلامية متصارعة: بعضها مع النظام بشكل خفي مثل (داعش) وبعضها ضد النظام مثل القاعدة والنصرة ومجموعة هائلة من الجماعات الإسلامية التي سوف تتغير خططها وتكتيكاتها بمجر تغيير الوجه الأول للأزمة السورية.
تبدو في الأفق مواجهة ناعمة بين أميركا وروسيا ولكنها لاتصل الى درجة المواجهة سوى في الاعلام وهذا ما يبقي السؤال مفتوحا حول حقيقة الموقف الأميركي من الوجود الروسي، فيما يبدو أنه لايمكن أن تأمن الدول الغربية على احد بأن يحتل سورية سوى روسيا او أميركا أو إسرائيل مستقبلا اذا ما استمرت الأوضاع بهذه الطريقة المروعة للتعاطي مع الازمة السورية.
المواطن السوري اليوم يغرق في بحرين احدهما من الدماء في الداخل السوري، والآخر غرق في البحر الأبيض المتوسط بحثا عن النجاة واللجوء الى بلدان اوروبا التي تستقبل اليوم الطبقات المتوسطة والغنية من أبناء الشعب السوري لأن هذه الطبقات هي الوحيدة القادرة على دفع المال لعصابات التهريب وهذا يعني أن هناك خططا مدروسة وخطيرة لتفريغ سورية من اهم طبقاتها ومن اهم مواطنيها وهنا ستكون الفرصة الأكبر لإيران لتغيير ديموغرافي خطير يحدث في سورية وخاصة مع مؤشرات الاستيعاب والتجنيس التي يعد بها الغرب للاجئين السورين، وهنا يبدو الامر خطيرا بحجم خطورة مخططٍ لاحتلال مباشر من قبل ايران لسورية.