الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا لا تنسحب حقاً من سوريا

روسيا لا تنسحب حقاً من سوريا

28.03.2016
الستير كروك


البيان
الاحد 27/3/2016
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجميع تقريباً بإعلانه الانسحاب من سوريا، وذلك ليس مدعاة للعجب، فالتحالف الذي تقوده القوات السورية كان مدعوماً بقوة دفع، وانطلق أحياناً على طريق تحصيل بعض المنجزات من دون قتال.
بات لانغ، مسؤول استخبارات الدفاع الأميركي السابق قال، إن ما يطلق عليه اسم تنظيم "داعش" يبدو أنه "ينهار في سوريا والعراق، فالتنظيم يتضور جوعاً، بينما تنقص أمواله إضافة إلى خسارته أمام التحالف الدولي والقصف الجوي الأميركي لشحنات النفط عبر تركيا.
وفي الوقت عينه، الرجال والمعدات لا يتدفقون عبر خط النقل المقابل الذي يمر في تركيا". وعند هذه النقطة، وبالنظر إلى أن الرياح تواتيه، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدعو إلى الانسحاب.
الأمر ليس كما لو أن كل شيء تمت تسويته عسكرياً، فحلب تبقى في طي الغموض، محاصرة جزئياً من قبل المقاتلين المتشددين، الذين هم أنفسهم محاصرون من قبل تحالف تقوده القوات الحكومية الورية، فضلاً عن قطع خطوط إمدادهم.
الجزء الخصيب من سوريا الواقع إلى غرب الخط المرسوم من حلب شمالاً إلى درعا في الجنوب لم يتم تأمينه. شرق سوريا الصحراوي غالباً، الذي يعتبر أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية، لا يزال بأيدي تنظيم "داعش" إلى حد كبير. لماذا تبدأ روسيا الانسحاب الآن، مع أنه لا يزال أمامها الكثير كي تنجزه؟ ماذا قد يعني ذلك بالنسبة إلى مستقبل سوريا السياسي؟
أولاً، هذا انسحاب، ولكنه أيضاً ليس انسحاباً، بحسب طريقة نظرك للأمر. الطائرات الروسية التي قصد بها أن تبقى في سوريا (وليست جزءاً من الانسحاب) لا تزال تدعم قوات التحالف على الأرض بشكل كبير، وتهاجم المقاتلين غير المشمولين في وقف إطلاق النار (وهم من حيث المبدأ جبهة النصرة وتنظيم داعش).
وبحسب ما قال أحد الصحافيين الروس المتخصصين في الشؤون العسكرية لراديو "أوروبا الحرة" فإن "الأسطول لا يزال موجوداً، ولا تزال الأنظمة المضادة للطائرات موجودة أيضاً، والدبابات كذلك، ولا يزال جميع جنود البحرية، وستظل بعض طائرات الهليكوبتر موجودة وكذلك بعض الطائرات. وستؤخذ بعض الطائرات وأفراد خدمتها، ويمكن أن يعودوا مجدداً، بالطبع في غضون ثلاث أو أربع ساعات فقط".
في الحقيقة، يبدو أن الانسحاب يتزامن مع تناوب مخطط للطائرات والعتاد ضروري من أجل الصيانة عقب فترة الطلعات الجوية المكثفة، لذلك يمكنك تسمية سحب بوتين للقوات في حال أرادت ذلك تحولاً في وتيرة الأمور السياسية. ويبدو أن الرئيس الروسي نجح في ما يلي: أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في طريقه إلى موسكو للقاء بوتين.
وفي الواقع قد يتبين أن هدف بوتين لم يكن أبداً بدء المفاوضات بين مختلف الأطراف السورية، ولكن محاصرة واشنطن، لإجبار إدارة أوباما على التعاون فعلياً مع روسيا، بدلاً من جعلها تقف على الهامش، وتردد أنشودة روسيا التي يجري التنبؤ بسقوطها في المستنقع.
إن تحفيز العملية السياسية السورية في شكل أو آخر هو هدف فرعي بالتأكيد، فبوتين قال منذ البداية إن التدخل العسكري الروسي له أهداف محدودة ومصمم لـ"إيجاد ظروف لحل وسط سياسي". وسحب بوتين للقوات العسكرية تدريجياً أو تدويرها صقل بلا شك بالإطار السياسي بطرق مختلفة.
ويضع ذلك ضغطاً على كل من دمشق والمجموعات المعارضة المشاركة في محادثات جنيف خشية إجبار الطائرات الروسية كلها على العودة. وأكثر من أي شيء، فإن ذلك يضع عبئاً على الولايات المتحدة لحملها على جعل حلفائها يوقفون تسليح وتمويل وكلائهم في هذه الحرب، ولكن هل يمكن للولايات المتحدة أن تفرض ذلك على حلفائها.
وباختصار فإن أحد التأثيرات الملموسة للانسحاب قد تكون أن المفاوضات السياسية بدأت تتسبب بالمشكلات، بدءاً من المشاركين في جنيف وصولاً إلى اللاعبين الخارجيين، الذين يمولونهم ويدعمونهم. وهذه ليست أول مرة يستخدم فيها بوتين الانسحاب العسكري من أجل أن يحاول التألق في المشهد السياسي، الذي يتجه إلى طريق مسدود.
استعادة ذلك يقود إلى اتفاقات مينسك بشأن أوكرانيا، وتحولت روسيا بشكل مؤقت من العرض العسكري إلى مليشيات "دونباس"، من أجل تركيز العقلية العسكرية، وربما من أجل وقف الطموحات العسكرية للعمل أمامهم. القاسم المشترك في كل من صراعي أوكرانيا وسوريا هو حرص القيادة الروسية على تجنب أي مواجهة بين حلف "ناتو" وروسيا.
وإحدى أهم أولويات بوتين المتعلقة بإطلاقه الحرب على الإرهاب هي التوصل إلى التعاون الندي مع الولايات المتحدة الأميركية، تمهيداً لإعادة العلاقة بين القوتين. الانسحاب من سوريا يصنف روسيا من الناحية السياسية بالدولة الجادة في البحث عن حل سياسي.
وقد يلين ذلك إرادة الأوروبيين في ما يتعلق بإبقاء العقوبات ضد روسيا. وقد يساعد أيضاً في تحقيق موقع روسي أفضل بالنسبة لأي شخص يلي أوباما في البيت الأبيض: أميركا التي تعتبر نفسها تعرضت للإذلال في سوريا بسبب روسيا وجرأة حلفائها العسكرية هي أقل احتمالاً لأن تشارك في أي إعادة تهدئة، وقد تفعل العكس على الأرجح.
وبعيداً عن السؤال عما، إذا كانت الولايات المتحدة سترد فإن سؤالاً سيترك بلا إجابة: ماذا يتوقع بوتين من الأسد؟ في أوكرانيا، سعت روسيا إلى تحقيق فيدرالية واسعة، ولكن يبدو أنها غير قابلة للتحقق في سوريا. الذين يسمون أقليات لم يكونوا يوماً ما ضحايا في سوريا، بل هم أبعد ما يكونون عن ذلك.
هل ستأمل روسيا أن ترى حكومة مركزية ضعيفة؟ ربما لا، ومن غير المرجح يتم كسب الحرب ضد المقاتلين ضد المتعصبين من خلال أي اتفاق يتم التوصل إليه في جنيف.