الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا وأميركا... خلافات "تكتيكية"

روسيا وأميركا... خلافات "تكتيكية"

13.10.2013
غازي العريضي


الاتحاد
السبت 12/10/2013
تستمر عملية تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا بسرعة قياسية، النظام يسهّل عمل المفتشين، ويقدم كل المعلومات، يفتح أبواب كل المراكز أمامهم ويؤكد التزامه قرار مجلس الأمن. رئيس النظام يكرر القول: "إن الموقف السوري لم يكن بسبب التهديدات الأميركية بتوجيه ضربة له "! بل"لأن روسيا الحليف الوفي هي التي تقدمت الفكرة، وجاءت موافقتنا لتكرس الشراكة"!
روسيا تشيد بالموقف السوري، وتؤكد ضرورة الانتهاء من تدمير السلاح الكيميائي. وتدعو إلى الإسراع في عقد «جنيف 2» كل هذا طبيعي ينسجم مع السياسة الروسية المعلنة من الأساس والرؤيا المحددة المرتكزة إلى ضرورة الابتعاد عـن الحل العسكري، وعدم وضع الشروط المسبقة لناحية الإصرار على إسقاط النظام، أو إخراج الأسد قبل بدء التفاوض والتأكيد على مواجهة الإرهاب . الجديد والمفاجئ والتحول الذي أربك المعارضة السورية، ومن يدعمها هو الموقف الأميركي، الموقف الذي ابتعد عن خيار الضربة العسكرية بعد أن كان تحديداً لساعة الصفر، واستنفاراً للقوات الأميركية والفرنسية والموقف، الذي أكد الشراكة مع روسيا، فكان قرار مجلس الأمن، وكان الإصرار الأميركي على «جنيف 2» وعدم الممانعة في حضور إيران إذا وافقت على بيان جنيف 1. وقد جاء ذلك بعد التطور المفاجأة بالحوار الأميركي الإيراني المباشر حول الملف النووي الإيراني والدور الإيراني عموماً. في وقت تنظر فيه المعارضة "المدعومة" من أميركا إلى إيران أنها دولة تحتل سوريا من خلال الحرس الثوري الإيراني وقوات "حزب الله" اللبناني . وترفض مشـاركتها في جنيف 2 أو أي دور وساطة قبل انسحاب "قوات الاحتلال" من سوريا! والمفاجأة الجديدة كانت أيضاً في موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي أشاد بالأسد والسرعة القياسية التي يسير فيها لتدمير الأسلحة الكيميائية، ويؤكد على التفاهم التام مع روسيا لعقد جنيف 2 ودفع المتشددين المتطرفين من الجانبين – النظام والمعارضة – من كسب مواقع أقوى في الداخل . ودعا "كيري" إلى بذل كل الجهود لتحريك "عملية السلام"! وهذا تعبير جديد، إذ عندما كنا نسمع أحداً يتحدث عن عملية السلام يتبادر إلى ذهننا فوراً السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لم يعد أحد يتحدث عن هذا الأمر فعلياً، بل أصبحنا نتحدث عن السلام بين السوريين، والسلام بين المصريين وبين العراقيين و ....
في المقابل، صدرت مواقف روسية مهمة تؤكد التعاون الوثيق مع أميركا. فوزير الخارجية الروسي، أشاد بنتائج الاجتماع الذي عقده مع زميله الأميركي، وأكد تفاهمهما والشراكة بينهما لمواجهة التطرف والإرهاب. أما بوتين فقد أشاد بأوباما في قمة APEC في بالي بإندونيسيا، وقدّر ظروف غيابه عنها بسبب أزمة الميزانية في أميركا، مشيراً إلى أهمية الاقتصاد الأميركي كأكبر اقتصاد في العالم يعنينا "استقراره " كما قال . وأضاف: "لدينا تفاهم مشترك بشأن ما يلزم اتخاذه وكيفية القيام بإزالة الأسلحة الكيميائية، وأنا سعيد لأن أوباما يتخذ مثل هذا الموقف، وأن الخلافات مع الولايات المتحدة حول طريقة تسوية الأزمة السورية لم تكن سوى تكتيكية". أميركا لا تريد وصـول "القاعدة" إلى الحكم في سوريا، ونحن كذلك، لدينا أهداف مشتركة ".
وكأن ما سبق من مواقف لم يكن كافياً لتشعر المعارضة السورية بالخيبة، فتأكد لها اليوم، وهي تواجه حالة التفكيك أن الخلاف الروسي الأميركي كان نوعاً من التكتيك! رفضت المعارضة الموقفين الأميركي والروسي، وتباينت الآراء في صفوفها. وظهرت الخلافات الجدية وليس التكتيكية في داخلها إلى العلن. ورئيس الائتلاف الوطني أحمد الجربا طالب بضمانات عربية وإسلامية للمشاركة في جنيف 2 .
بوتين من بالي طالب بإشراك إندونيسيا الدولة الإسلامية الكبرى في جنيف 2 . فالأولوية كما قال "ليست فقط لتدمير الأسلحة الكيماوية، بل أيضاً لعودة عملية السلام بين كافة الأطراف المتنازعة "- استخدم تعبير عملية السلام أيضاً – ومن هنا انطلقت فكرة مشاركة إندونيسيا كدولة إسلامية سُنية بالتحديد في ظل اعتراض عدد من الدول العربية والإسلامية السُنية المشاركة الآن في المؤتمر.
في ظل هذه الأجواء، ، أعلن الإبراهيمي ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية المكلف بمتابعة الأزمة السورية أن جنيف 2 قد لا يعقد في وقته . والأرجح أنه لن يعقد في الموعد المقترح كما يؤكد أكثر من مسؤول عربي ودولي. وعدم انعقاده، يعني استمرار الشراكة الروسية – الأميركية، وتقدم العلاقات الأميركية- الإيرانية، والبريطانية- الإيرانية، التي اندفعت في اتجاه بداية إعادة العلاقات بين لندن وطهران واستمرار تدمير الأسلحة الكيميائية والإشادة بـ "فضل الأسد" في السرعة القياسية التي تتم فيها العملية . وكذلك استمرار الحرب على الأرض وهذا ما يستعد له النظام خصوصاً في منطقة حلب في ظل انقسامات واشتباكات ومعارك بين فصائل المعارضة في تلك المحافظة وغيرها، وفي ظل تراجع سياسي كبير للعرب الداعمين للمعارضة.
أحد المســؤولين الأميركيين السابقين المتابعين اليوم عن كثب تطورات الأزمة السورية، قال منذ أيام لمسؤول عربي كبير: "الأسد محظوظ. تقدّم حلفاؤه. وتراجعت أميركا. لعبت روسيا أفضل من أميركا، لافروف أقوى من كيري واستفاد الأسد. وثمة من يقول لنا: إن انعقاد جنيف 2 اليوم سيعدّ مكسباً إضافياً للأسد ولذلك ينبغي تأجيله، قد يحصل هذا الشيء، ولكن ماذا يفعل أصحاب هذا الرأي ؟ بصراحة : العرب غير موجودين وإيران تقوم بدور كبير"!
الرئيس الروسي اعتبر بعد عامين ونصف العام على بدء الأزمة السورية أن الخلاف مع أميركا منذ بداية الأزمة تكتيكي، وهو كلف الكثير. واحد المسؤولين الأميركيين وفي إطار تقييمه للحوار الأميركي - الإيراني ومقاربته للموقف الإيراني يقول: "كان ثمة سوء فهم بيننا "! سوء فهم. "بسيط" كلّف أيضاً الكثير الكثير في أكثر من ساحة وعلى أكثر من صعيد ثم اتفاق معلن بين الروس والأميركيين. وتأكيد مشترك على العمل معاً لتحقيق السلام في سوريا انطلاقاً من «جنيف 1» وعدم إدانة للنظام السوري لاستخدام السلام الكيميائي، بل إشادة به وتوقف عند فضله في الإسراع فـي التخلص منه!
ألا يكفي هذا "التكتيك الاستراتيجي" أو ألا تكفي استراتيجياً هذا "التكتيك "لنقرأ جيداً ما يجري؟ قد لا يعقد جنيف 2 تجنباً لإعطاء الأسد مكسباً إضافياً، وربما لأسباب موضوعية واقعية أخرى. ولكن ماذا لو حقق الأسد مكاسب جديدة على الأرض في سوريا. ألن ينعكس ذلك لاحقاً في أي اجتماع؟
لم يفت الأوان بعد ، لتحقيق تفاهم عربي- عربي ولو بالحد الأدنى على كيفية التعاطي مع الأزمة السورية في ظل المعطيات والمتغيرات الدولية السريعة التي تفرض وجود قيادة واحدة للمعارضة سياسياً وعسكرياً ومرجعية واحدة واستراتيجية واضحة تدار على أساسها المعركة المفتوحة مع النظام ، والعمل في الوقت ذاته على بلورة رؤية مشتركة ينطلق على أساسها حوار جدي مع إيران تطرح فيه كل الهواجس وعناصر القلق من الدور الإيراني للوصول إلى تفاهمات.