الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا وتركيا.. و"غصن الزيتون"

روسيا وتركيا.. و"غصن الزيتون"

04.02.2018
محمد نور الدين


الخليج
السبت 3/2/2018
هل يمكن أن تنطلق عملية "غصن الزيتون" التركية ضد قوات الحماية الكردية في عفرين من دون ضوء أخضر روسي؟
المفارقة أن العداء الشديد بين البلدين، بعد إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 من قبل تركيا، تحوّل بعد سبعة أشهر فقط إلى تحالف قوي عندما اعتذرت تركيا من روسيا على الحادثة، ووافقت موسكو على طي الصفحة والدخول في رزمة كبيرة من التفاهمات.
العلاقات التركية - الروسية تاريخياً حافلة بالخصومة والحروب. وعلى الأقل اندلعت بين البلدين إحدى عشرة حرباً انهزمت الدولة العثمانية فيها جميعاً. ولم تتغير طبيعة العلاقات بتغير طبيعة النظام فيهما. إذ بقيت حساسة ومتوترة وعدائية في عهد القياصرة والشيوعية والليبرالية في روسيا، كذلك في عهد العثمانيين والعلمانيين والإسلاميين في تركيا. لذلك فإن محو أو تخفيف العداء بين الطرفين أمر ليس بالسهولة التي يمكن أن يحكى عنها.
ومع أن البلدين قد دخلا في علاقات مصالح كبيرة بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وارتفع كثيراً حجم التبادل التجاري ليقارب الثلاثين مليار دولار، لكن العلاقات لم تدخل في إطار هيكلية استراتيجية تضع تركيا في موقع جديد في التوازنات الدولية.
فقد بقيت تركيا استراتيجياً جزءاً من حلف شمال الأطلسي، وفي مفاوضات لتكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وليس مثلاً جزءاً من منظمة شنغهاي أو أية منظمة فيها روسيا. واستمرت تركيا ملتزمة بالخطط الغربية في سياسات الطاقة التي كانت ولاتزال تستهدف الدور الروسي في مجال الطاقة.
حتى الأزمة السورية لم تؤثر في العلاقات الجيدة بين البلدين، إلى أن تدخلت روسيا عسكرياً في نهاية صيف 2015 لحماية النظام السوري من ضغوط المعارضة، ولا سيما من الدور العسكري التركي في سوريا.
التقارب التركي- الروسي ما كان ممكناً لو لم تدخل الولايات المتحدة في علاقات تحالفية مع قوات الحماية الكردية في سوريا، ولا سيما في منطقة شمال شرق الفرات إضافة إلى عفرين، وسعي أمريكا والأكراد إلى وصل منطقة الفرات مع عفرين، وهو ما رأت فيه تركيا محاولة لإنشاء "كوريدور" كردي من حدود العراق إلى البحر المتوسط يهدد أمن ووحدة تركيا.
ومن ثم جاءت محاولة الانقلاب العسكري في 15 تموز/يوليو 2016، واتهام الولايات المتحدة بأنها تقف وراءه ليرفع سدّاً عالياً بين أنقرة وواشنطن.
في هذه اللحظة كانت الضرورات تبيح المحظورات. واتفق الرئيسان فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان على سياسة تكتيكية بامتياز، أساسها المقايضات في الميدان والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية.
أرادت روسيا أن تخرج من ضغوط الغرب في أوكرانيا، ومواجهة اقتراب حلف الأطلسي من حدودها، وأرادت تغيير المعادلات الميدانية في سوريا بما يريح النظام وحلفاءه، وأن تتحول إلى اللاعب الأول الناظم في الشرق الأوسط وتعزيز الدور الروسي في العالم.
وهذا كله ما كان ممكناً وفقاً لموسكو سوى بتفاهمات وصفقات أساسها المقايضة مع تركيا، وصولاً إلى مرحلة تأمل روسيا فيها أن تخرج تركيا من المعسكر الغربي، وتكون إلى جانب روسيا.
وفي المقابل أعطت روسيا تركيا من المكاسب ما يعوّم دور أنقرة الذي كان وصل ذروة تراجعه بعد إسقاط الطائرة الروسية، والخلاف مع أمريكا حول الأكراد والانقلاب العسكري. فكانت عملية درع الفرات التي كسرت "الكوريدور" الكردي، ومن ثم السيطرة ولو الجزئية على إدلب، ومن ثم إعطاء الضوء الأخضر لعملية عفرين، وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمكن توسيعه باتجاه منبج وغير منبج بحسب مناسبة الظروف.
وبذلك تكسب تركيا وجوداً عسكرياً مباشراً في الميدان يخولها أن تكون لاعباً أساسياً على طاولة المفاوضات، وشريكاً في تقرير مستقبل سوريا، ومبعدة للخطر الكردي عليها، وأيضاً مستفيدة من هذا كله لتعود لاعباً إقليمياً بوجه خصومها الكثر على امتداد الساحة العربية والإسلامية، وورقة ضغط بوجه أمريكا وأوروبا. كذلك يستفيد أردوغان من هذه المكاسب لتعزيز فرص فوزه، ومن الدورة الأولى في الانتخابات الرئاسية المصيرية في خريف 2019.
هل من مبالغة في رسم هذا المشهد؟ بالطبع لا. لكن، مادامت تركيا جزءاً من الأطلسي، ومادامت لم تغادر بعد المربع الغربي الأمريكي - الأوروبي، ومادامت الأزمة السورية لم تعرف نهاياتها وكل مفاجآتها بعد، ومادام الخطاب التركي لم يغادر مفرداته، فإن المشهد قابل للتغير.