الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا في الحرب الخاطئة في سوريا

روسيا في الحرب الخاطئة في سوريا

06.08.2016
محمد زاهد جول


الشرق القطرية
الخميس 4/8/2016
إعلان روسيا تدخلها العسكري في سوريا بتاريخ 30/9/2015، ثم إعلان الانسحاب العسكري بتاريخ 25/3/2016، ثم مواصلة غاراتها الحربية على الشعب السوري بعد الانسحاب العسكري، وقتل المدنيين بالمئات والألوف من الأطفال والنساء، ونسيان الإعلام الروسي الحديث عن نتائج حرب روسيا ضد داعش، كل ذلك مؤشرات على تناقض في المواقف الروسية، واضطراب في القيادة العسكرية الروسية مما يجري في سوريا، وهذه التناقضات العسكرية ليست أقل من تناقضاتها في ادعاء البحث عن حل سياسي في فيينا ثم في جنيف3 دون نتائج ملموسة، أي أن القيادة الروسية قد تورطت في حرب قاسية لم تكن تتوقعها، كما أنها لم تكن تتوقع نتائجها وخسائرها، وهي بازدياد مطرد يوما بعد يوم.
ويوم الاثنين 1/8/2016 أكدت روسيا مصرع خمسة من عسكرييها كانوا على متن مروحية أسقطتها المعارضة السورية المسلحة في ريف إدلب شمال غربي سوريا، وهي خامس مروحية روسية يتم إسقاطها منذ بدء التدخل العسكري الروسي منذ 30 سبتمبر 2015، وقد اعترفت الرئاسة الروسية إن العسكريين الخمسة، وهم طاقم من ثلاثة أفراد وضابطين، قتلوا يوم الاثنين عقب إسقاط المروحية من طراز "Mi 8" شمال شرق بلدة سراقب بمحافظة إدلب على مقربة من الحدود الإدارية مع محافظة حلب، وفي نظر المراقبين فإن روسيا قد تكبدت أكبر خسائرها منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا.
ورغم أن رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات الروسية الجنرال "سيرغي رودسكوي" قد أقر بإسقاط المعارضة السورية المسلحة بريف إدلب للمروحية الروسية، إلا أنه لم يقدم معلومات عن طبيعة المعارك التي كانت تقوم بها الطائرة الحربية، علما بأن هذه الطائرة هي خامس مروحية روسية يتم إسقاطها منذ بدء التدخل العسكري الروسي، إضافة إلى تسعة عشر قتيلا من العسكريين الروس.
مما يؤكد خطأ الخطة الروسية في سوريا هو أن روسيا لا تبرر للشعب السوري والعربي لماذا هي تخوض هذه الحرب ضد الشعب السوري، فمهما مكثت روسيا في سوريا فهي راحلة أو مهزومة ولو بعد حين، ومهما قتلت فلن تستطيع قتل ملايين الشعب السوري، فهذا المحور الطائفي الإيراني قاتل عسكريا لثلاث سنوات متوالية من بداية 2013 وحتى الآن دون أن يحقق نتائج تذكر، سوى قتل الشعب السوري بمئات الألوف وتشريد الملايين وتدمير المدن السورية، مما يؤكد خطأ الخطة الروسية أن مثل هذه الخسائر في سوريا ينبغي أن تدفعها لإعادة التفكير بصحة وجودها العسكري في سوريا ضد إرادة الشعب السوري، وبدل ذلك تواصل قصفها للمدن والقرى السورية، فقد قامت الطائرات الروسية بقصف المناطق التي سقطت فيها الطائرة الروسية في منطقة تل السلطان بين بلدتي سراقب وأبو الظهور، وقد أسفر هذا القصف الروسي عن مقتل 15 سوريا مدنيا وإصابة العشرات بجروح دون أن يكون لهم ذنب بذلك.
إن تأكيد وزارة الدفاع الروسية أن الطائرة أسقطت بنيران من الأرض، هو دليل على أن هذه الطائرة بنظر الشعب السوري هي طائرة معادية، وليست طائرة صديقة ولا حليفة، وحتى لو كانت هذه الطائرة الحربية تقوم بنقل مساعدات إنسانية، فإن القصف الذي تبع سقوط الطائرة دليل على أن الذهنية الروسية التي تعالج مشاكلها في سوريا هي ذهنية استعمارية، كما فعلت دول الاحتلال الفرنسي والبريطاني في مستعمراتها عندما تتعرض للهجوم، بالانتقام من المواطنين الأبرياء، وهو نفس أسلوب الجيش الإسرائيلي الذي يرد بقصف مواقع إطلاق النار عليها، دون أن تفكر بأنها تقتل مدنيين، ومع ذلك فإن الطائرة قد سقطت على بعد 35 كيلومترا من مسرح المعارك العنيفة الجارية جنوب وجنوب غرب مدينة حلب بعد الهجوم الذي بدأته فصائل معارضة سعيا لفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية الخاضعة للمعارضة، أي أنها لم تكن تقوم بنقل مساعدات إنسانية.
قد لا يكون هدف الطائرات الروسية التي قصفت موقع سقوط المروحية الروسية قتل مزيد من السوريين، وإنما عدم إبقاء أشلاء الجثث للجنود الروس الخمسة الذين كانوا على متن الطائرة، لأن روسيا لا تريد أن تدخل بمفاوضات تبادل أسرى أو جثث أسرى مع جبهة فتح الشام، وحركة أحرار الشام، وهما من أبرز الفصائل السوري المتواجدة في تلك المنطقة، ولكن المدنيين تمكنوا من نقل الجثث من داخل حطام المروحية إلى أماكن غير معروفة بحسب إفادة شهود عيان، ومع ذلك وعلى فرض ذلك فإن المعالجة الروسية لم تكن حكيمة أيضًا، لأن بقاء الجثث والتفاوض عليها أكثر رحمة بأهالي القتلى الروس.
إن انتشار صور المروحيات الروسية المتساقطة، أو صور الجنود الروس وهم يهبطون بالمظلات من سقوط طائرات ترفع العلم السوري، يؤكد أن الجنود الروس في معركة غير معركتهم الصحيحة، وأنهم في معركة خاطئة، فلا يوجد عداء بين الشعبين السوري والروسي، قبل التدخل الروسي لحماية بشار الأسد، وهذا التدخل العسكري الروسي لحماية نظام عجزت جيوش إيران الحربية عن حمايته هو دليل على أن الروس أخطأوا بهذا التورط العسكري، فإيران أرسلت كتائب من جيشها النظامي، وكتائب من حرسها الثوري، ولم تبق كتائب عسكرية متدربة إلا وأرسلتها إلى سوريا بما فيها مقاتلو حزب الله اللبناني، ولكنها لم تستطع هزيمة إرادة الشعب السوري، ولا هزيمة الفصائل العسكرية التي تدافع عنه، فهل تدرك القيادة الروسية أن معركتها في سوريا خاسرة، وهل تدرك أن سوريا سوف تبتلع الكثير من جنودها طالما هم يقومون بدور عدواني وغير شريف، فحماية الأنظمة الاستبدادية التي تقتل شعبها لا تشرف جيشا في الدفاع عنه.