الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا في العراق

روسيا في العراق

01.10.2015
حيدر سعيد



الغد الاردنية
الاربعاء 30/9/2015
شهدت الأيام القليلة الماضية الإعلان عن إنشاء مركز تعاون أمني عسكري استخباري لمواجهة تهديد تنظيم "داعش"، مقره بغداد، ويضم أربع دول، هي العراق وروسيا وإيران وسورية.
وبالتأكيد أن وراء هذا الإعلان سياقات، وأهدافا، وخططا، أبعد من هذا التجمع، الذي يبدو -بحد ذاته- خيالا محضا، أو قصة غرائبية. فهذه الأطراف الأربعة أضعف قدرة وأبعد ما تكون عن جمع معلومات استخبارية من المناطق السُنّية التي يسيطر عليها "داعش"، ليس فقط لأن هذه الأطراف لا تملك أدوات الوصول أو الاقتراب من هذا المجتمع، بل لأن هناك فقدان ثقة كاملا بين المجتمع السُنّي وهذه الأطراف.
أولا، لو صح هذا الخبر، أو المشروع، فإنه يعني انتصارا لأحد طرفي الانقسام الشيعي في العراق (وقد خصصتُ جزءا كبيرا من السنة الأخيرة لشرح هذا الانقسام)، هو الطرف القريب من إيران، ويتشكل عماده من "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والفصائل الأساسية في "الحشد الشعبي". وهذا الطرف يتحفظ (أو يعارض) على مشاركة الولايات المتحدة في الحرب على "داعش". ولذلك، ليس غريبا أن يأتي هذا الخبر مع تصاعد الحديث عن نشر آلاف المستشارين العسكريين الأميركيين في الأنبار، وعن قرب معركة واسعة هناك، وهو الأمر الذي عارضته صراحة قيادات "الحشد الشعبي"، وعدته احتلالا جديدا للعراق.
وفي الحقيقة، يغيِّب هذا الخبرُ الطرفَ الأساسي في الحرب على "داعش"، وهو الولايات المتحدة، قائدة التحالف الدولي. والمفارقة المقصودة أن اسم "الولايات المتحدة" هو الاسم الحاضر، ضمنياً، في هذا الخبر، بل لكأن الخبر صيغ بالسلب من الولايات المتحدة. وبالأحرى، كان الخبر الفعلي هو غياب الولايات المتحدة، لكأن من صاغ الخبر أراد أن يقول: تعاون استخباري من دون الولايات المتحدة، و4 دول تتعاون لمواجهة "داعش" من دون الولايات المتحدة، والعراق يتعاون مع 3 دول لمواجهة "داعش" غير الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة هي أساس هذا الخبر، بالحضور السالب. فهي الطرف الموجود فعليا في ساحة المعركة، والتي استطاعت إيقاف تمدد "داعش" في سهل نينوى وتحرير بعض الأراضي منه بمساعدة البيشمركة؛ وهي التي ساعدت القوات العراقية في معركة تكريت، وهي التي تنفذ بانتظام غارات على مواقع "داعش" في العراق وسورية؛ وهي التي استطاعت التغلغل داخل الدائرة القريبة من قيادات "داعش". وقد كان مقتل فاضل الحيالي، الضابط السابق في الجيش العراقي والرجل الثاني في "داعش"، بغارة لطائرة أميركية من دون طيار، أواسط آب (أغسطس) الماضي، مؤشرا على ارتفاع الجهد الاستخباري الأميركي.
وتغييب الولايات المتحدة في هذا الخبر يعني، ضمنا أيضا، تغييبا لكل الرؤية الأميركية لمواجهة "داعش"، والتي تفترض أنه ينبغي لهذه المواجهة أن تقوم على مسارين: عسكري، يعتمد على قوات مقاتلة من المجتمع المحلي؛ وسياسي، يقتضي إصلاحات سياسية جذرية تعيد دمج السُنّة بالعملية السياسية. وبالتالي، يكون الأهم -وفق هذه الرؤية- ليس المواجهة العسكرية مع "داعش"، بل تفكيك قبول الحاضنة الاجتماعية به.
الخبر، الذي يبطن ابتعاداً عن الولايات المتحدة ورؤيتها، يختزل مواجهة "داعش" بجهود استخبارية، بحاجة الى تنسيق.
والأخطر من كل هذا، في تصوري (وهو الذي يجعل من هذا الخبر أمرا يستحق الكتابة عنه)، أن هذا المسعى الروسي، وما سبقه من تدخل عسكري روسي مباشر في سورية لحماية نظام الاسد، يشير إلى محاولة روسية لإعادة تعريف المحاور في المنطقة، ولاسيما المحوران المتنافسان: الإيراني/ العراقي/ السوري والسعودي/ التركي/ القطري، بأنها خطوط انقسام صراع عالمي، بينها وبين الولايات المتحدة.
لأذكّر، هنا، أن الخبر -في الأساس- يستند الى مصادر عسكرية روسية، ذكرت أن تشكيل هذا المركز يتزامن مع تزايد القلق الروسي من وجود آلاف الإرهابيين قدموا من روسيا إلى العراق للانضمام الى "داعش". ولم تؤكد هذا الخبر، في الدول الثلاث الأخرى، إلا مصادر منخفضة المستوى.
إن هذا يعني أن روسيا تخطط لجعل الشرق الأوسط صورة عن أوكرانيا، في حين أن الولايات المتحدة لم تنخرط في أحد المحورين المتنافسين في المنطقة على حساب الآخر؛ ففي الوقت الذي تملك فيه علاقات خاصة بدول الخليج، تملك علاقة خاصة بالعراق، وهي التي مضت في مشروع الاتفاق النووي مع إيران.
الانقسام في المنطقة لا يتراكب مع الرؤية الروسية للانقسام العالمي، ولا يمكن أن يندرج في أجواء الحرب الباردة التي تريد روسيا استعادتها، لتستعيد وضعها الامبراطوري. وفي حال نجحت في ذلك، ستكون قد دفعت المنطقة إلى حافة نار جديدة، إلى جانب ما هي فيه من ابتلاءات.