الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا في سوريا: مكافحة الإرهاب… آخر همنا!

روسيا في سوريا: مكافحة الإرهاب… آخر همنا!

17.08.2016
هشام منوّر


القدس العربي
الثلاثاء 16/8/2016
مثّل التدخل العسكري المباشر لروسيا في سوريا أواخر العام 2015 ومطلع العام الحالي نموذجاً فريداً في العلاقات الدولية بالنسبة للدول الإقليمية، للتعبير أن بمستطاع قوة عسكرية أن تحدث فرقاً سياسياً في وقت معقول في ظل الانكفاء الأمريكي عن مشاكل المنطقة.
لقد أنقذت الحملة العسكرية الروسية في سوريا نظام الأسد من الهزيمة وغيرت ميزان القوى، وأوجدت روافع لوقف إطلاق النار ولمحادثات دبلوماسية. بيد أن تدخل روسيا في سوريا لم يبدأ في الأيام الأخيرة من أيلول/سبتمبر الماضي، عندما أعلن رئيس روسيا فلاديمير بوتين تكثيف الوجود العسكري في سوريا تلبية لدعوة الأسد، ولم ينته في آذار/مارس الماضي، عندما أعلن بوتين انتهاء التدخل وسحب قسم من القوات الروسية من سوريا. فقد استمر التدخل على مدى عقود، منذ بداية عهد حافظ الأسد، مروراً بفترة انهيار الاتحاد السوفييتي وتبدل الحكام في الدولتين. وحافظت روسيا على مكانتها في سوريا بفضل صفقات أسلحة وتوسيع القواعد الروسية في سوريا ووجود خبراء عسكريين وممثلي أجهزة مخابرات، وأيضاً بفضل التنازل الروسي عن ديون الدولة السورية المستحقة للاتحاد السوفييتي. فقد وجدت روسيا في سوريا الموقع الاستراتيجي الأكثر ثباتاً وموثوقية، والأخير في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن خسرت حلفاءها التقليديين: مصر، وفي وقت لاحق أيضاً العراق وليبيا.
دوافع التدخل العسكري الروسي في سوريا تجلت بعد أن عاينت روسيا بقيادة بوتين علامات ضعف الولايات المتحدة عالمياً في العقد الأخير، وتصرفت بشكل استباقي فاعل من خلال إدارة مخاطر محسوبة بهدف تعزيز مصالح حيوية بالنسبة لها في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، وبهدف توطيد مكانتها مجدداً كقوة عظمى عالمية.
قبل نحو أسبوع من إعلان روسيا تكثيف تدخلها في سوريا نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، كشفت مجلة "جينز انتيليجنس ريفيو" المختصة في الشؤون الدفاعية، أن قبل شهرين من الإعلان قامت روسيا بإدخال وحدات خاصة إلى داخل الأراضي السورية، وهي من أجهزة استخبارات "SVR" للمحافظة على أرصدة استراتيجية روسية في حال انهيار نظام الأسد، ونقلت جواً وحدات من الاستخبارات العسكرية "GRU" من أجل العمل مع أجهزة الأمن السورية.
وفي مطلع شهر أيلول/سبتمبر الماضي، اعترفت روسيا بأن مطار اللاذقية وقاعدة "حميميم" العسكرية القريبة منه جرى توسيعهما لخدمة قواتها. وبعد مرور نحو أسبوع هبطت طائرات نقل عملاقة روسية في المطار، كما وصل مئات الجنود من أجل ضمان أمن القاعدة وإعدادها لوصول طائرات من طراز Su 30، وSu 25، وSu 24، إضافة إلى عدد من مروحيات هجومية من طراز Ka 52. وفي المحادثة الهاتفية التي دارت بين وزيري دفاع الولايات المتحدة وروسيا في 18 أيلول/سبتمبر (قبل الإعلان المذكور بأقل من أسبوعين) أكد الوزير الروسي سيرغي شويغو لنظيره الأمريكي أن خطوات روسيا هي محض دفاعية – وهذا الكلام بالطبع لم يكن دقيقاً.
على الرغم من إعلان الرئيس الروسي بشكل لا لبس فيه أن تدخله يستهدف محاربة ما سماه "الإرهاب الإسلامي" المتطرف، وبصرف النظر عن التصور الشائع أن الروس جاؤوا لإنقاذ نظام الأسد، يبدو بحسب خريطة الهجمات الروسية أن محاربة تنظيم "الدولة" كان في أسفل سلم الأولويات، ولا سيما في المراحل الأولى للحملة، وأنه توجد لانخراطهم في القتال أهداف أكثر أهمية. يبدو أن الهدف الأول والرئيسي لتعزيز التدخل الروسي في سوريا هو تموضع روسيا كقوة عظمى عالمية. في نظر بوتين، فقد تضرر مكان روسيا "على طاولة الكبار" في اللعبة الدولية في الغرب عقب تفكك الاتحاد السوفييتي- وهذا ما يعتبر في محيط بوتين أكبر كارثة شهدها القرن العشرين. ومن ناحية القيادة الروسية، يستهدف تدخل روسيا في الساحة الشرق أوسطية أولاً وقبل كل شيء إعادة روسيا إلى مكانتها المستحقة في العالم، بحيث تظهر أنها لاعب رئيسي يصعب من دون تدخله حل مشاكل مستعصية في أنحاء العالم، وعلى الغرب الذي عجز عن إيجاد حل لمشكلة متفاقمة على مدى أكثر من خمسة أعوام.
لقد حاولت روسيا استخدام الأزمة السورية كرافعة لحل مشاكل في ساحات أخرى مهمة بالنسبة لها، وعلى رأسها أوروبا بعامة وأوكرانيا بخاصة. ويشكل التدخل الروسي في سوريا رافعة للضغط على الغرب توصلا إلى إلغاء "عقوبات أوكرانيا" التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا في أعقاب النشاط الروسي في أوكرانيا. وفي هذا السياق، يجوز الافتراض، من جهة، أن روسيا منفتحة على تفاهمات مع الغرب تضمن استمرار النفوذ الروسي في أوكرانيا ومنح شرعية لضم شبه جزيرة القرم، ومن جهة أخرى، يساعد الروس في دفع مطالب الغرب قدماً في إطار اتفاق مستقبلي في سوريا. ومن بين تفاهمات من هذا القبيل: مساعدة روسية على إقامة إطار حكم في سوريا يجمع بين مصالح مجمل اللاعبين المعنيين.
لا يمكن في هذا السياق إنكار دور الاعتبارات الداخلية لبوتين والمتعلقة بجمهوره في روسيا. فالحرب تسمح بتحويل أنظار الرأي العام عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تنهال على روسيا (ركود اقتصادي في أعقاب انخفاض أسعار النفط والعقوبات الدولية، توترات بين مواطنين روس ومن أقليات إثنية، توتر بين الطبقة الوسطى وذات الدخل المنخفض وسكان الريف الروسي). فعندما يذهب الجيش إلى القتال تستيقظ لدى الجمهور مشاعر وطنية تساعد في تعزيز الكبرياء القومي. وفي هذا السياق يظهر استقصاء نشر في مطلع نيسان/أبريل الماضي استطلع مواقف المواطنين في روسيا حيال تدخل بلادهم في الحرب الدائرة في سوريا، أن 58٪ من المستطلَعين يؤمنون بأن عمليات سلاح الجو الروسي تستهدف الدفاع عن روسيا في مواجهة الإرهاب الإسلامي.
إنقاذ نظام صديق كان على وشك السقوط، من خلال عملية مركبة عسكرية ودبلوماسية هو أحد أهداف الاستماتة الروسية في الملف السوري. فلروسيا مصالح استراتيجية في سوريا: مرافئ على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، ونفوذ في العالم العربي، وسوق لتوريد أسلحة، وقرب جغرافي من حدود دول مهمة أخرى في منطقة الشرق الأوسط منها تركيا، والعراق وإسرائيل. ويبدو أن استراتيجية إنقاذ نظام الأسد ركزّت على إلحاق الأذى الشديد بالمعارضة المعتدلة نسبياً، من أجل أن تبقي للمجتمع الدولي الاختيار غير السار بين نظام الأسد وتنظيم "الدولة".
كما لم يغب عن بال قيصر روسيا أهمية إظهار أن روسيا "حليفة" موثوقة ووفية. والعملية في سوريا كانت رسالة واضحة لحلفاء آخرين لروسيا، ولسائر دول العالم، فحواها أن على عكس الأمريكيين فإن الروس يساندون حلفاءهم ويدعمونهم حتى النهاية!
٭ كاتب فلسطيني