الرئيسة \  مشاركات  \  رولان بارت ومركزيّته الغربيّة

رولان بارت ومركزيّته الغربيّة

27.07.2016
إبراهيم العجلوني


قرأت منذ زمن كتاب «رولان بارت» المترجم عن الفرنسية «علم الدلالة» ووجدت ان ما قد يُعتبر فيه سبقا معرفيا في الوان الدلالات، كان قد ذكره الجاحظ في «البيان والتبين» في سياق ثقافي عربي اصيل. ثم اني قرأت مؤخرا مقالة الدكتور فريد الزاهي من المغرب الشقيق عن الصداقة (والأستذة) التي كانت تربط بين رولان بارت هذا وبين المغربي «عبدالكبير الخطيبي»، وهي المقالة المنشورة في العدد (327) من مجلة «افكار»، فتبين لي ان مقالة الدكتور الزاهي قد اظهرتنا – الى جانب المختلف والمؤتلف في الرجلين – على الهوة التي لا يمكن عبورها بين عالمين مختلفين متباعدي الجذور والآفاق. هما عالم العروبة والاسلام الذي قد يعتبر للمثقف الفرانكفوني «مجالا سوسيولوجياً صارماً» وبين عالم الغرب المترف – على حساب امم الارض وشعوبها – والذي يؤرقه «التحاب المثلي» او الشذوذ الجنسي اضعاف ما تؤرقه المحبة الانسانية.
وعلى ان هذه النزعة (المِثلية) موصومة بالتدني الاخلاقي في حضارتنا العربية الاسلامية، الا ان بعض «الحداثيين العرب» قد اصيبوا بنثير من اوضارها. فرأينا ادونيس – مثلا – يتحدث عن «حرية الجسد» ورأينا «الجسد» بما هو رمز وبما هو واقع يحتل عنوانات عدد من الروايات – النسوية والذكورية – لعل اكثرها انتشارا «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، ورأينا كتابات تريد تجاوز الفطرة الانسانية في الذكورة والانوثة الى ما يمكن اعتباره التواء في البنية الشعورية وابتذالا للجسد الانساني نفسه بعد تدسيتهما (وقد خاب من دسّاها) بألوان التسفّل والشذوذ ولعل مما تلفتنا المقالة المذكورة آنفاً اليه هذا التدله والانبهار من جانب حيث نجد الاهتمام العميق من «الخطيبي» بالفرنسية وعشقه لها، في مقابل تجاهل «بارت» للعربية وجمالياتها على الرغم من مقامه الطويل في المغرب العربي. وثمة اشارة في خاتمة المقالة الى ما يسميه الدكتور الزاهي بالمركزية الغربية التي يعترف رولان بارت في رسالة منه الى تلميذه (بل مريده بالغ الاعجاب) عبدالكبير الخطيبي بانه لم يستطع التخلي عنها ولا مقاومتها.على حين نجد عشرات اللاهثين وراء امثال بارت من ابناء العرب والمسلمين وقد تحفّفوا من كل ملامحهم وصفاتهم وتخلوا بالجملة عن مذخورهم القيمي والاخلاقي، وأُشربوا في قلوبهم «ثقافة الجسد» الجديدة التي لا تعدو كونها ارتكاسا وانتكاسا و»حيوانية» عصرية تؤكد افلاس الغرب اخلاقياً، واقتران التقدم التقني لديه بالتخلف الشعوري، كما تؤكد في الوقت نفسه فهاهة وسفاهة المضاهئين الذين يستبدلون الذي هو ادنى من هذه الحضارة المتدهورة (أنظر اعمال شبنجلر ونيتشه وكولن ولسن في ذلك) بالذي هو خير من ميراث العروبة والاسلام.
 
ان كل قراءة لهذا المفكر او ذاك من الغرب، تكون ذاهلة لا ناقدة، هي – في غياب التأصيل والتأثيل – قراءة غير ذات جدوى ان لم تكن ذات ضرر مؤكد. وذلك ما افدناه من مقالة الدكتور «فريد الزاهي» في عدد «افكار» الاخير.