الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روليت روسي في سوريا

روليت روسي في سوريا

05.12.2015
عثمان ميرغني



الشرق الاوسط
الخميس 3/12/2015
ليس من المبالغة القول إن ما يحدث الآن في سوريا، سواء على صعيد التوتر بين روسيا وتركيا بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية، أو على صعيد الازدحام الشديد في أجوائها بين قوات تحمل أجندات مختلفة ومتباينة، بات أشبه بالروليت الروسي. فهناك لاعبون كثيرون على الأرض وفي الأجواء، وأصابع كثيرة على الزناد، ولا أحد يعرف متى تنطلق رصاصة قاتلة تؤجج صراعًا أكبر.
واقعة إسقاط طائرة سوخوي الروسية كانت دليلاً ساطعًا على أن الحرب في سوريا وحول مستقبلها يمكن أن تتطور إلى نزاع أكبر وأخطر. فالحرب لم تعد حربًا أهلية كما يسميها البعض، بل أصبحت حربًا إقليمية بأبعاد دولية. عودة أجواء الحرب الباردة بين الغرب وروسيا انعكست أيضًا على الوضع السوري وزادت تعقيداته. كذلك امتدت تداعيات الحرب الأوكرانية والمواجهة الغربية مع روسيا إلى حدود سوريا. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اتهم الغرب بتهديد أمن ومصالح روسيا على حدودها، واعتبرها مسؤولة عن "تحريض" أوكرانيا، لم يكتفِ بإرسال قواته ودعم المنشقين على كييف، وانتزاع السيطرة على أراضٍ مهمة، بل قرر نقل المواجهة مع الغرب إلى سوريا.
المواجهة الروسية - الغربية ليست التعقيد الوحيد في الأزمة السورية، فهناك تباين في الدوافع والأهداف والاستراتيجيات حتى بين الأطراف المتحالفة. تركيا على سبيل المثال، إن بدت متعاونة مع أميركا بعد "التفاهم" الذي توصلت إليه حكومة رجب طيب إردوغان مع إدارة باراك أوباما، إلا أنها تتحرك وفق أهدافها الخاصة التي تتقاطع وتتضارب مع سياسات واشنطن المعلنة. من هنا، خصها وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بالنقد قبل يومين وطالبها بأن تفعل المزيد في محاربة "داعش"، وأن تسيطر على حدودها.. "وهو ما لم تقم به بفاعلية منذ ظهور (داعش)"، على حد قوله.
هذا الكلام إذا جرد من لغته الدبلوماسية، يعني اتهامًا صريحًا لتركيا بأنها تفتح حدودها لـ"داعش". المفارقة أن واشنطن تلتقي في هذا الموقف مع روسيا التي اتهمت أنقرة بأنها تفتح حدودها للنفط المهرب من "داعش"، وهو أحد مصادر التمويل الأساسية للدولة الإسلامية المزعومة. بوتين لم يستخدم لهجة دبلوماسية مثل كارتر في هجومه على الحكومة التركية، إذ وصفها بأنها "شريك الإرهابيين"، وقال إنها أسقطت الطائرة الروسية لحماية خطوط تهريب النفط الذي تتمول منه "داعش" وتستفيد منه تركيا.
الحقيقة أن الحرب على "داعش" التي يقال إنها عامل مشترك بين الأطراف المختلفة التي تقوم بعمليات جوية في سوريا، تخفي تحت طياتها سياسات واستراتيجيات وأهدافًا متباينة. فروسيا لا تركز في غاراتها على "داعش"، بل تهاجم فصائل تصنفها الأطراف الأخرى وفي مقدمتها واشنطن بأنها معارضة وليست إرهابية. في الجانب المقابل، تشن واشنطن غارات على مواقع "داعش"، بينما تستثني أو لا تضرب بقوة مواقع تنظيمات متطرفة أخرى. أما تركيا فإن معظم عملياتها موجهة على مواقع حزب العمال الكردستاني لا على "داعش". هناك اختلاف واضح في تعريف من هو المتطرف ومن هو المعتدل في الساحة السورية، مثلما أن هناك تباينًا في دوافع وأهداف العمليات العسكرية الحالية في الجو وعلى الأرض.
هذه التباينات مع أجواء الشحن والتوتر، تثير القلق من احتمال انفلات الأمور نحو مواجهة أوسع. فروسيا عززت قواتها في سوريا وتبدو متحفزة للرد على إسقاط طائرتها ومقتل اثنين من طياريها، وهناك قناعة في كثير من الأوساط بأن بوتين لن يكتفي بالعقوبات والمقاطعة لتركيا، بل سينتهز أول فرصة للرد عسكريًا على أنقرة. وقتها سيعتمد مسار الأحداث على نوعية العمل الذي قد تقوم به روسيا، وما إذا كانت حكومة إردوغان ستبتلع الأمر، أم أنها ستصعد مرة أخرى فتجر حلفاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى مواجهة بالغة الخطورة مع موسكو.
الدول الغربية التي استيقظت متأخرة على خطر "داعش"، تسارع الآن إلى إرسال طائرات للمشاركة في الغارات الجوية، أو للقيام بعمليات محدودة للقوات الخاصة على الأرض، لأنه لا أحد يرغب أصلاً في إرسال قوات برية كبيرة والمخاطرة بالتورط في حرب قد تكون طويلة ومكلفة، كما أن الأمر ازداد تعقيدًا مع زيادة روسيا وجودها العسكري هناك. هناك أيضًا قناعة بأن إرسال قوات برية إلى سوريا سيزيد التطرف ويكون وقودًا لآلة التجنيد للمنظمات الإرهابية.
السؤال: هل يكفي القصف الجوي وحده لهزيمة "داعش"؟
قد ينجح القصف في إضعاف "داعش"، لكنه بالتأكيد لن يقضي عليها تمامًا، ما دامت الظروف توفر بيئة للمتطرفين ولاستمرار الحرب. فتجارب العراق وأفغانستان تثبت أنه حتى مع إرسال قوات غربية برية، فإن الإرهاب لم يندحر. سوريا تحتاج بالتأكيد إلى عملية سلمية توقف الحرب التي تقترب من عامها الخامس. المحزن أنه حتى لو تحققت العملية السلمية، فإن ذلك لن يعني عودة الهدوء أو الاستقرار، فسوريا وضعت على سكة العراق.