الرئيسة \  تقارير  \  ريسبونسيبل ستيت كرافت:أوجه فشل المساعدات الأمريكية العسكرية.. تدعم المستبدين وتقوض حقوق الإنسان

ريسبونسيبل ستيت كرافت:أوجه فشل المساعدات الأمريكية العسكرية.. تدعم المستبدين وتقوض حقوق الإنسان

15.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 14/2/2022
قررت إدارة بايدن حجز 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية العسكرية السنوية لمصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.. ما تأثير ذلك؟
نشر موقع “ريسبونسيبل ستيت كرافت” مقالًا للدكتورة نانسي عقيل، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز السياسة الدولية والباحثة الرائدة والمحللة السياسات لأكثر من 20 عامًا من العمل في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تناقِش فيه موقف إدارة بايدن من النظام القمعي في مصر، وكيف تستهين أمريكا بمسألة حقوق الإنسان في مصر، وكيف تخلى بادين عن كل وعوده المعلنة في هذا الصدد لصالح العلاقات مع النظام الاستبدادي.
وتستهل الباحثة مقالها بالقول: “عندما زار أرفع قائد عسكري أمريكي في الشرق الأوسط، الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، مصر قبل أيام، كان يحمل معه رسالتين رئيستين. الأولى هي أن قرار إدارة بايدن بحجز 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية السنوية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار بسبب انتهاكات حقوق الإنسان لا يؤثر على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين. ورسالته الثانية هي أن هذه العلاقة ستتأثر إذا ما دخلت مصر في صفقات أسلحة كبيرة مع روسيا. وجاءت هذه الزيارة في أعقاب الإعلان، الذي كان موضع انتقاد على نطاق واسع، عن بيع أسلحة بقيمة 2.5 مليون دولار لمصر في الذكرى الحادية عشرة للانتفاضة المصرية التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك”.
تمثل رسالة الجنرال ماكنزي سياسة الرئيس بايدن الخارجية تمثيلًا دقيقًا تجاه الشرق الأوسط وطبيعة المساعدة الأمنية الأمريكية بوجه عام. كما أنها تعكس استمرار النظرة الاختزالية الطويلة الأمد للأمن من خلال العدسة الضيقة للعسكرة على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية. إنها أيضًا تتناقض مع وعود بايدن وتأطيره للقمة من أجل الديمقراطية حول القضايا الثلاث ذات الأولوية؛ أي مكافحة الفساد، ومحاربة الاستبداد، ودعم حقوق الإنسان. وتعكس رسالة ماكنزي الثانية على وجه الخصوص كيف أن هذا كله يرتكز بالأساس على سياسات بايدن بشأن الصين وروسيا.
مبيعات الأسلحة لا تمنع سقوط المستبدين
ثم تمضي الكاتبة في تقديم حججها ضد ما تَعُدُّه أمريكا صائبًا في علاقتها بمصر على النحو الآتي: أولًا، إذا كان الاستقرار هو أحد أهداف المساعدات الأمنية الأمريكية، فإن تزويد رجال الحكام المستبدين بمساعدات عسكرية عالية القيمة وصفقات أسلحة ليس هو الحل. وقبل ما يزيد بقليل عن عام من الإطاحة بمبارك، أعلنت الولايات المتحدة عن صفقة أسلحة بقيمة 3.2 مليار دولار لبيع 25 طائرة إف-16 وأسلحة أخرى مرتبطة بها إلى مصر. ولم يمنع هذا سقوطه بعد 18 يومًا فقط من احتجاجات المصريين الساخطين الثائرين ضد حكمه الاستبدادي، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وصور الظلم الاجتماعي والاقتصادي لنظامه. وتتضاءل هذه الانتهاكات وأشكال الظلم أمام تلك التي ارتكبها نظام الديكتاتورية العسكرية القمعية للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بحسب الكاتبة.
ثانيًا إذا كان الهدف هو الحصول على ميزة إستراتيجية على البلدان الأخرى بوجه عام، فإن هذا النهج سيقصر دون الوصول إلى ذلك. إن هذا النهج لا يسهم إلا في تصعيد سباق تسلُّح من شأنه أن يؤجج الصراعات الإقليمية. وبعد أيام قليلة فقط من صفقة مصر البالغة 2.5 مليار دولار مع الولايات المتحدة، وقَّعت كوريا الجنوبية صفقة بقيمة 1.7 مليار دولار لتصدير مدافع هاوتزر ذاتية الدفع من طراز كي9 ومركبات دعم أخرى إلى مصر. وعلَّق مسؤول كبير بالجيش المصري صراحةً على صفقة البيع بأن “مصر تنوع مصادر أسلحتها بانتظام”.
وبحلول نهاية العام الماضي قفزت صادرات الأسلحة الألمانية إلى 10.65 مليار دولار، بزيادة 60% عن العام السابق، ويُعزى ذلك إلى صفقة أسلحة كبيرة لمصر بقيمة 4.9 مليار دولار. وحصلت مصر أيضًا مؤخرًا على صفقات أسلحة عالية القيمة من فرنسا وإيطاليا، على الرغم من الانتقادات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات
وتضيف الكاتبة: ثالثًا، يمكن أن تؤثر صفقة الأسلحة مع روسيا بالفعل في حصول مصر على المعونة العسكرية الأمريكية بحكم القانون، في ظل قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات. غير أن علاقات مصر مع روسيا لا تقتصر على مبيعات الأسلحة، ولا يحددها التعاون الأمني ​​وحده. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي أجريت مناورة بحرية مشتركة بين مصر وروسيا تحت عنوان “جسر الصداقة 4” في البحر المتوسط ​​بهدف تبادل الخبرات، وتعزيز التعاون.
ويتمثل أحد الجوانب الأهم في العلاقات الإستراتيجية بين مصر وروسيا في واردات القمح. إذ إن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، والقمح هو أهم ركائز الاستقرار في البلاد. وروسيا هي المصدر الرئيس للقمح لمصر، حيث بلغت قيمته 2.55 مليار دولار في 2019-2020. وهذا الرقم يرتفع تبعًا لارتفاع الأسعار، وستحتاج مصر إلى دفع 1.5 مليار دولار إضافية (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي) لتغطية التكلفة.
ويُعد هذا أحد أكبر التحديات التي تواجهها مصر خاصة في ظل الاقتصاد الضعيف. وكان السيسي موضع إشادة لقدرته على اتخاذ ما يسمى بالإجراءات الاقتصادية الشجاعة لخفض الدعم عن البنزين والسلع الأخرى، لكن هذه الإجراءات لم تؤدِّ إلا إلى زيادة الضغط الاقتصادي على المصريين. وفي عام 1977 اضطر الرئيس أنور السادات إلى إلغاء قراره برفع الدعم عن القمح بسبب الاحتجاجات الكاسحة المعروفة باسم “انتفاضة الخبز”. والآن تقوم الحكومة بجس النبض بعناية من خلال تقليل الحصة الغذائية المدعومة من الخبز لكل أسرة.
خدمة الدَّين في عام 2020 خمسة أضعاف دخل قناة السويس
تشدد الكاتبة على أن هذه تحديات خطيرة بالنظر إلى سياسات مصر الاقتصادية غير المستدامة، وذلك في ظل الزيادة الحادة في الديون الخارجية والاعتماد الشديد على القروض القصيرة ذات الفائدة المرتفعة لتغطيتها. وفي عام 2020 اضطرت مصر إلى دفع خدمة دَين بقيمة 28 مليار دولار، “بما يتجاوز القيمة الإجمالية للصادرات، ويصل إلى نحو خمسة أضعاف الإيرادات من قناة السويس خلال المدة نفسها”.
كما تزيد أزمة المياه من خطورة الوضع، حيث أعلن الرئيس السيسي الشهر الماضي أن مصر تعاني من فقر مائي. يُضاف إلى ذلك الخوف من التأثير المحتمل لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه نهر النيل. وعلى هذا الصعيد تتعاون مصر مع روسيا في إقامة مشروعات لتحلية المياه باعتبار ذلك جزءًا من محاولات مصر لمعالجة أزمة المياه التي تلوح في الأفق.
رابعًا لا تبدو الحوافز العسكرية فعَّالة في اكتساب مزيد من النفوذ من الزوايا المناوئة للصين ولروسيا التي تشكِّل سياسة بايدن الخارجية. وخلال زيارة السيسي الأخيرة للصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، أدلى الرئيس شي جين بينج ببيان سلط فيه الضوء على أن الصين ومصر “تشتركان في رؤى وإستراتيجيات متشابهة في الدفاع عن مصالحهما”. وجاء هذا مباشرةً بعد أن التقى شي بفلاديمير بوتين، حيث أبرما عشرات الاتفاقيات حول التجارة والطاقة وغيرها من المجالات، وأكدا على اصطفاف بلديهما ضد الهيمنة الأمريكية.
انتهاكات حقوق الإنسان وفظائع غير مسبوقة
وأردفت الكاتبة أن كل هذا يحدث على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع غير المسبوقة التي ارتكبها نظام السيسي. لقد سُجِن آلاف المصريين لسنوات دون تهمة أو بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب، وتحتل مصر المرتبة الخامسة من حيث أعلى معدلات الإعدام. ومع تآكل استقلال القضاء تزايدت أحكام الإعدام منذ عام 2011. ويعمل نظام العدالة الجنائية على توسيع نطاق استخدامه للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
وفي الوقت نفسه تفتقر عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى المساءلة والشفافية، ولا يسمح الفساد المتزايد بإلقاء نظرة ثاقبة على الاستخدام الفعلي للمساعدات ومبيعات الأسلحة. وفي الآونة الأخيرة كشفت وثائق مسربة أن مصر استخدمت معلومات استخباراتية من الجيش الفرنسي لقتل المدنيين. ودَعَت واشنطن إلى إجراء تحقيق في مزاعم تشير إلى إساءة استخدام مماثلة للمعدات العسكرية الأمريكية، والتورط في عمليات قتل غير قانونية.
أشارت الكاتبة إلى أن نهج السياسة الخارجية المسؤول يفرض تشجيع الإصلاحات المؤسسية والشفافية والمساءلة، مشددة على أن طبيعة التهديد العالمي المشترك الذي نواجهه الآن، مثل جائحة كورونا وتغيُّر المناخ، تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومات.
وتختتم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن سقوط مبارك قبل 11 عامًا يجب أن يكون بمثابة رسالة تذكير بأن نهج الولايات المتحدة المفرط عسكريًّا كان غير فعَّال، ويأتي بنتائج عكسية. مضيفة: “لا يتوافق أي من هذا مع أولويات الرئيس بايدن المعلنة. ومن الواضح أنه لا يتماشى أيضًا على نحو واضح مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي أشار الجنرال ماكنزي إليها للأسف على أنها مسألة (بسيطة)”.