الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رفيق السبيعي والمؤتمر الوطني السوري

رفيق السبيعي والمؤتمر الوطني السوري

09.01.2017
خطيب بدلة


العربي الجديد
 الاحد 8/1/2017
وَضَعَتْني وفاةُ الفنان السوري رفيق السبيعي، مرة أخرى، أمام فكرة عقد مؤتمر وطني سوري، جامع، مانع. وقلت لنفسي: ولاك خطيب، كل الناس تكلمت عن ضرورة عقد مؤتمر وطني، إلا أنت، وهأنذا أراك راكباً رأسَك، ممسكاً بحرف (الميم)، بدليل أن كل مَنْ يقول لك مؤتمر وطني ترد عليه بقولك: ما يصير، ما يجوز، ما هو ممكن، مستحيل... إلخ.
قلتُ، محاوراً نفسي على طريقة المؤرخ خير الدين الأسدي: إن وضعك نفسَك في مقابل كل الناس فيه محاولة مكشوفة للادعاء بأنك الذكي الوحيد بين الناس. وهذا، بحد ذاته، تصرّف غبي. والأفضل لك أن تمشي، في مناقشة القضايا الخطيرة، على مبدأ "خطوة خطوة" الكيسنجري، فتسأل الداعين إلى عقد مؤتمر وطني سوري جامع مانع، مثلاً: هل تسمحون لي أن أترحم على روح الفنان رفيق السبيعي الذي كان مؤيداً لنظام المجرم ابن حافظ الأسد؟ وإذا غامرتُ وترحمتُ عليه، من دون أن أستأذنكم، هل ستُعفون والدتي وشقيقاتي من المسبّات التي تختص بما تحت الزنار، أم ستتعاملون معي على المبدأ الأسدي "لا يوجد كبير سوى البعير"، فلا تتركون علي وعليهنَّ ستراً مغطى؟
كان معنا، في إحدى المؤسسات المعارضة الثورية، رجلٌ غريب الأطوار، مولعٌ بفكرة عقد مؤتمر وطني سوري، إذ إنه لم يسبق له أن قدّم مداخلةً في أي شأن سوري، من دون أن يدعو الموجودين إلى عقد مؤتمر وطني، وأذكر أننا، مرة، كنا نناقش قضية الحصار اللاإنساني الفظيع الذي كان نظامُ ابن حافظ الأسد ومقاتلو حزب الله يفرضونه على بلدة مضايا، وحينما استلم صاحبنا الحديث سرعان ما لَفَّ ودار، حتى سنحت له الفرصة، فدعا إلى عقد مؤتمر وطني سوري، من دون أن يحدّد لنا: كيف ومتى وأين ولماذا سيعقد ذلك المؤتمر.
أعتقد أن طول أمد الثورة، وإقامتنا الطويلة، نحن الذين أجبرنا ابنُ حافظ الأسد على مغادرة أوطاننا، تملؤنا بهاجس إيجاد حل لقضيتنا، وهذا الهاجس لا بد له أن يأخذنا باتجاه عقد المؤتمر الوطني السوري، حتى إن أحد الأصدقاء الذين حاورتهم في هذا الموضوع قال لي: أنا كتبت خمسين مرة عن هذا الموضوع.
وجاءت اللحظة الحاسمة، حينما قدمت إحدى المنظمات السياسية مبادرةً تتلخص في دعوة جميع الأطراف السورية إلى عقد مؤتمر وطني. أنا لا أشك، ولا أعتقد أن أحداً يشك في صدق نيات الجهة التي أطلقت المبادرة. ولكن، ثمّة أسئلة يمكن أن تطرح على نحو تلقائي وبديهي، أولها أن مكان طرح المبادرة هو مدينة إسطنبول التركية، حيث يوجد السوريون المعارضون والثوريون، وهذا، تحصيلاً لحاصل، يعني غياب السوريين الآخرين، سواء المؤيدون لإجرام ابن حافظ الأسد، المرحبون بالاحتلالين الروسي والإيراني ووجود المليشيات الإرهابية الشيعية على الأرض السورية، وغياب الشريحة الأكثر اتساعاً من السوريين، أعني الذين لا يؤيدون الإجرام، ولا يشاركون في الثورة.
لم تقتصر المداخلات التي ألقيت في الندوة التي أقيمت من أجل إطلاق المبادرة، في الحقيقة، على هجاء جماعة النظام، والرماديين من جماعة (الله يطفيها بنوره)، بل تعدّتها إلى مستوى العمل على إلغاء مفهوم المعارضة من قاموسنا اليومي، فهو، كما أوضح أحدهم، يناسب الدول المستقرة، كبريطانيا وأميركا، وأما نظام البراميل والقتل في المعتقلات تحت التعذيب، فأنّى له المعارضة؟ نحن، باختصار، في ثورةٍ، ثورة وبس، لا بل إن أحد الحاضرين تحدّث عن ضرورة إلغاء كل أنواع المبادرات السياسية، وحل المؤسسات السياسية، والتفرّغ للدعاء إلى الله تعالى بتثبيت أقدام المجاهدين ضد العدو الأسدي وحلفائه.
أخيراً، أنفي عن نفسي أي تعاطفٍ أو ميل للتصالح مع نظام الأسد الإجرامي، ولكنني، أيضاً، أدعو إخوتنا إلى الكف عن الحديث عن عقد مؤتمر وطني سوري، في الوقت الحاضر على الأقل.