الرئيسة \  تقارير  \  ريمونتادا محتملة.. هل تقلب روسيا الطاولة على الغرب في الشرق الأوسط؟

ريمونتادا محتملة.. هل تقلب روسيا الطاولة على الغرب في الشرق الأوسط؟

13.03.2022
محمد محمود السيد


محمد محمود السيد
ساسة بوست
السبت 12/3/2022
عندما بدأت الأزمة الروسية-الأوكرانية عام 2014، والتي أسفرت عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتحريك آلاتها العسكرية إلى شرق أوكرانيا لدعم انفصاليّ “الدونباس”، لم يكن هناك حديث متواتر عن تأثير هذه الأزمة على الشرق الأوسط، من جهة بسبب أمدها القصير، ومن جهة أخرى، لأن التأثير الروسي على قضايا المنطقة كان محدودًا.
أمّا اليوم فقد صارت روسيا مكوّنًا مهمًا في البيئة السياسية العربية، سواء من خلال تواجدها العسكري في سوريا وليبيا، أو تأثيرها السياسي في السودان واليمن، أو علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع سائر الدول العربية.
لذا لا عجب أن تُفرِد مراكز الأبحاث الغربية صفحاتها لدراسة تأثير الحرب الروسية الدائرة حاليًا في أوكرانيا، على أزمات وقضايا الشرق الأوسط، في ضوء احتمال انتقال الصراع الروسي-الغربي إلى المنطقة، وحديث البعض عن أن الساحة السورية هي ما هيأت الجيش الروسي للإقدام على مغامرة أوكرانيا.
احتمالات واقعية.. هل تعاقب روسيا الغرب في سوريا؟
يرى السفير الأمريكي، ويليام رويبوك، والذي شغل منصب المستشار الأول للمبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، أن سوريا هي من أعطت روسيا موطئ قدم إستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال قاعدة “طرطوس” البحرية، وقاعدة “حميميم” الجوية، حيث أتاحت الساحة السورية لموسكو اختبار أنظمة أسلحتها الحديثة في ظروف قتالية حقيقية، وأعطتها الثقة في إمكانية تحدي الإرادة الغربية.
ويؤكد العديد من المحللين الغربيين على نفس المعنى، بأن سوريا كانت ساحة تدريب للرجال والمعدات الروسية، والعديد من التكتيكات المنتشرة في أوكرانيا مُستمَدة من المعارك الروسية في سوريا، ففي سوريا كان الهدف الأول لروسيا استعادة المدن الكبرى، بما في ذلك المركز الاقتصادي في حلب، والمناطق التي كان يسيطر عليها الثوّار حول دمشق، وحاليًا تندفع روسيا نحو المدن الكبرى في أوكرانيا، بما في ذلك كييف، وخاركيف، وأوديسا، وتتبع في ذلك نمطًا مُشابهًا لما حدث في سوريا، لكنها تهدف إلى نزع الشرعية عن السلطات الأوكرانية في المدن الثلاث، ولكن كيف ستنعكس آثار حرب أوكرانيا على سوريا؟
يجري الحديث الآن عن مسارين محتملين؛ الأول، وهو الأقل احتمالًا، أن تعقد مسار الحرب في أوكرانيا يجعل روسيا تركز معظم مواردها العسكرية والاقتصادية في الساحة الأوكرانية، وبالتالي تفتقر إلى الموارد اللازمة للحفاظ على دورها في سوريا؛ مما يترك فراغًا ستملأه القوات الإيرانية، خاصةً إذا جرى إحياء الاتفاق النووي في الفترة القادمة، وما سيتبع ذلك من انتعاش في الخزانة الإيرانية، بفعل أموال النفط (مرتفع السعر حاليًا).
وفي إطار المسار نفسه طرحت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية سيناريو افتراضيًا، يشير إلى استغلال أردوغان للحرب الأوكرانية في سبيل توسيع نفوذه في شرق سوريا، بما يشمل ذلك تقليم القوة العسكرية للأكراد، وربما التحرك إلى أبعد من ذلك، وإطلاق عملية عسكرية في منطقتي “سنجار” و”مخمور” بالعراق، حيث يعيش الأيزيديون والأكراد، وكثيرًا ما كانت تركيا تقصف هذه المناطق في السابق.
هذا التوسع التركي، وفق “جيروزاليم بوست”، سيكون عن طريق ابتزاز أردوغان لأحد الطرفين: الأمريكي أو الروسي، فقد يقنع الأمريكان بضرورة توسيع نفوذه في مناطق الأكراد مقابل دعم سياسات الناتو تجاه روسيا، أو سيضغط على الروس للسماح له بتنفيذ مغامرته العسكرية مقابل التوقف عن دعم أوكرانيا عسكريًا.
المسار الثاني أن تستخدم روسيا الساحة السورية للتصعيد تجاه الغرب أو حلفائه، صحيح أن موسكو لم تستخدم هذه الورقة إلى الآن، لكن بوتين قد لوّح بها من قبل، حينما هدّد البلدان التي تتدخل في عمليات روسيا في أوكرانيا بـ”عواقب لم ترها من قبل”.
والأمر اللافت، والذي يُرجِّح هذا المسار، قيام روسيا في 17 فبراير (شباط) 2022، أي قبل أسبوع من بداية عملياتها العسكرية في أوكرانيا، بإجراء مناورات عسكرية ضخمة في البحر المتوسط غرب سوريا، بحضور وتحت إشراف مباشر من وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو،
جرت هذه المناورات بمشاركة مقاتلات ميج K-31 المُحمَّلة بصواريخ “كينجال” الفرط صوتية، وقاذفات TU22-M3 المُحمَّلة بصواريخ مضادة للسفن من نوع KH22 الفرط صوتية، بالإضافة إلى 150 قطعة بحرية، و60 طائرة حربية، و15 سفينة حربية، و10 آلاف جندي.
أولى خطوات التصعيد الروسي في سوريا ربما تكون ضد إسرائيل، وذلك بغض النظر عمّا ستؤول إليه العلاقات بينهما، لأن استهداف موسكو لإسرائيل سيكون المقصود به معاقبة واشنطن، واستهداف إسرائيل يعني تقويضًا نسبيًا أو كليًا للتفاهمات الروسية-الإسرائيلية بخصوص حرية الأخيرة في قصف مواقع إيرانية داخل سوريا، وهو ما يضع إسرائيل رهينة للقوة العسكرية الإيرانية، وتحت رحمة “حزب الله”.
وأيضًا قد تتجه روسيا للتصعيد ضد تركيا؛ مما يعني اشتعال جبهة إدلب، وتعريض القوات التركية الموجودة هناك للخطر، والدفع بمئات السوريين نحو الحدود التركية كوسيلةً ضغط ضد أنقرة.
وعلى صعيد آخر فقد حذّر القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، من أن روسيا قد انتهكت بشكل متزايد بروتوكولات عدم التضارب مع الولايات المتحدة في شرق سوريا في الأشهر الأخيرة، وإذا تدهورت العلاقات بشكل أكبر، سيرتفع خطر المواجهة، ليصبح أكثر جدية.
وستتاح لروسيا فرصة إضافية للضغط على الغرب، وذلك عندما يُصوِّت مجلس الأمن في يوليو (تموز) 2022، على تجديد عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، وهنا فإن “الفيتو” الروسي سيُعرِّض 4 ملايين سوري للخطر، أولئك الذين يعتمدون على المساعدات الأممية؛ الأمر الذي قد يُولِّد موجة كبيرة من الهجرة القسرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لتمثل عامل ضغط على تركيا وأوروبا.
التمهيد للحرب في ليبيا وإغراق أوروبا بالمهاجرين
تمتلك روسيا نفوذًا سياسيًا وعسكريًا واضحًا في ليبيا: نفوذ سياسي من خلال تبعية معسكر الشرق لها، وآخر عسكري من خلال تواجد قوات “فاجنر” الداعمة لحفتر، والتي مثّلت رأس حربة للتواجد العسكري الروسي في إفريقيا بشكل عام، ولكن كيف تؤثر الحرب الروسية على مجريات الوضع في ليبيا؟
ربما لا تملك روسيا الكثير من أوراق الضغط على الغرب من خلال الملف الليبي، إلا من خلال قيامها بفتح المجال أمام الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر الشواطئ الليبية؛ الأمر الذي سيضع ضغوط أمنية قصوى على الأمن الأوروبي.
الجنرال الليبي خليفة حفتر
لكن التأثير المحتمل، والذي في غير صالح روسيا، ربما ينتُج عن سحب قوات “فاجنر” من ليبيا، فقبل يومين من بداية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتحديدًا في 22 فبراير 2022، أكدت تقارير إعلامية أن مجموعة “فاجنر” سحبت قواتها المتمركزة في مدينة سوكنة جنوب غرب ليبيا باتجاه قاعدة الجفرة، وذلك بعد إخلاء غرفة عملياتها هناك، ثم توجهوا إلى قاعدة الجفرة بكل أسلحتهم ومعداتهم، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي “بانتسير” التي رافقتهم في جميع تحركاتهم.
وقد أشارت التقارير إلى أن هذه القوات قد سافرت إلى روسيا للمشاركة في العمليات العسكرية الجارية في أوكرانيا، وأنها ربما تُكلف بمهام نوعية، وربما تكون جزءًا من مخطط لاغتيال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ومسئولين أوكرانيين كبار آخرين، في ضوء أن هذه القوات قد شاركت في التحركات العسكرية الروسية بأوكرانيا عام 2014.
وهناك من قلّل من تأثير سحب قوات “فاجنر” على الوضع العسكري في ليبيا، نظرًا إلى أن التقارير تتحدث عن سحب بضع مئات منهم، بينما يتواجد في البلاد أكثر من 7 آلاف جندي، ولكن في حال تعقد الأمور وسحب المزيد من قوات فاجنر، ربما تتعقد الأمور في معسكر حفتر، والذي يعاني حاليًا من أزمات تتعلق بتزايد حالة الغضب داخل قواته، نتيجة تأخر الرواتب والفساد وسيطرة نجله صدام على عملية صنع القرار. ناهيك عن تراجع الدعم الإقليمي لحفتر (بمستوييه السياسي والمالي)، كل ذلك يشير إلى أنه في حال تعقد الوضع السياسي، واشتعال المعارك العسكرية بين الشرق والغرب الليبي مُجددًا، ربما يكون وضع حفتر أكثر ضعفًا.
هكذا رفع التقارب مع روسيا من أسهم السعودية
بعد الهجوم الذي تعرّضت له منشأة معالجة النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية في بقيق في سبتمبر (أيلول) 2019، أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ما يقرب من 3000 جندي أمريكي وسربين مقاتلين وبطاريات دفاع جوي، لطمأنة السعودية، وهو ما مثل انعكاسًا للعلاقات السعودية-الأمريكية الوطيدة حينذاك، ولكن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإعادة فتح ملف مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، بات واضحًا أن الهوة بين واشنطن والرياض آخذة في الاتساع.
ليس هذا فحسب، بل بدا أن السعودية تحاول التحرر من قيود التسليح الأمريكية، من خلال شراء صاروخين باليستيين من الصين، واتجاهها إلى تصنيع صواريخ باليستية محلية بمساعدة بكين، وفقًا لتقييم استخباراتي أمريكي نشرته شبكة CNN في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2021.
لذلك فعندما بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا، لم يكن من المُستغرب أن يكون موقف الأمير السعودي، محمد بن سلمان، منحازًا نسبيًا للجانب الروسي، إذ أفادت التقارير أن الرياض طلبات إدارة بايدن لزيادة إنتاج النفط للمساعدة في تخفيف الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية الذي تفاقم بسبب حرب روسيا، وأكدت السعودية التزامها بالحصص المُتفق عليها – مع روسيا – في إطار منظمة “أوبك”.
بل ذكر مسئولون أمريكيون أن الإدارة الأمريكية حاولت ترتيب محادثات هاتفية بين بايدن وابن سلمان (وكذلك ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد)، ولكن دون جدوى، وبحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فقد رفض ابن سلمان التحدث إلى بايدن، وقال أحد المستشارين السعوديين: “حقيقة أن بايدن يرفض الاعتراف بمحمد بن سلمان زعيمًا فعليًا للمملكة العربية السعودية يجعل القرار أسهل على ابن سلمان للانحياز إلى جانب بوتين، الذي – على الرغم من بعض العوائق – كان أقرب إليه”.
وتشير التحليلات الغربية أن الحرب الروسية على أوكرانيا رفعت من أسهم بين سلمان، ووضعت في يده المزيد من أوراق الضغط على واشنطن، فبغض النظر عمّا ستؤول إليه الحرب الدائرة حاليًا، بدا واضحًا أن واشنطن تحتاج إلى الرياض بجانبها لمواجهة نفوذ موسكو الإقليمي والعالمي.
وأدرك ابن سلمان ذلك جيدًا، وتعامل وفق ذلك، ويبدو أنه يرغب في انتزاع امتيازات جديدة من الرئيس بايدن، تُعيد إليه اعتباره في مراكز صنع القرار بواشنطن، وتجعل من قضية خاشقجي ماضيًا غير مُعترَف به، وهو ما تجلّى في الحوار المُطوَّل الذي أجراه ابن سلمان مع مجلة “The Atlantic” الأمريكية في مارس (آذار) الحالي، وكأنه يُعيد رسم صورته الخارجية، ولكن من موقع أكثر قوة.