الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "زلة اللسان" التي قتلت أطفال سورية!!

"زلة اللسان" التي قتلت أطفال سورية!!

16.09.2013
محمد الطميحي


الرياض
15/9/2013
    بعد شهر واحد على انطلاقة الثورة الليبية عام 2011 أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بفرض حظر جوي فوق ليبيا وشن هجمات مسلحة ضد قوات القذافي، الأمر الذي ساهم في إسقاط هذا النظام خلال أشهر فقط.
واليوم وبعد مرور ثلاثين شهراً بالتحديد على الأزمة السورية يقف مجلس الأمن عاجزاً عن إصدار قرار واحد يضمن حماية المدنيين من بطش قوات النظام وآلته العسكرية.
وحتى بعد أن استبشر السوريون ببوادر ضربة تعجل بإسقاط الأسد خرج علينا الروس بمبادرة لنزع السلاح الكيماوي سرعان ما قبلتها دمشق في خطوة مستغربة من نظام ظل يماطل طويلاً في التعامل مع أي مبادرة للخروج من الأزمة.
من تابع تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة التي تحدث فيها عن إمكانية العدول عن الضربة العسكرية إذا ما وافق النظام السوري على نزع أسلحته الكيماوية يدرك بأن المبادرة لم تكن روسية خالصة ولا حتى زلة لسان من الوزير كيري أو تصريحات افتراضية – كما قالت الخارجية الأميركية - بل هي وبكل تأكيد إحدى الخيارات التي جرى الحديث عنها " تحت الطاولة " بين موسكو وواشنطن خلال الأشهر الماضية، وإلا ما الذي يبرر سرعة التجاوب مع هذه "الزلة" المفترضة ؟ فخلال أربعة أيام فقط كان هناك مبادرة روسية، واستجابة سورية، ومشروع قرار فرنسي، وانضمام سوري لمعاهدة حظر انتشار السلاح الكيماوي، واجتماع بين وزير الخارجية الروسي ونظيره الأميركي في جنيف، مع الأخذ في الاعتبار دعوة الرئيس الأميركي للكونجرس بتأجيل التصويت على الضربة العسكرية التي "كانت" محتملة ووشيكة على معاقل النظام السوري لدراسة المبادرة الروسية.
لاشك بأن هناك زلة لسان حدثت ولكنها ليست من الوزير كيري بل من أوباما الذي استعجل الإعلان عن تدخل عسكري في سورية عندما تجاوز النظام السوري الخطوط الحمراء باستخدامه السلاح الكيماوي، فالرئيس الأميركي عندما قام بذلك نسي أن سورية ليست العراق ولا حتى ليبيا فحدودها الغربية لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن تل أبيب، وبالتالي فإن انهيار النظام في دمشق سيؤدي إلى فتح جبهة مقاومة حقيقية ضد إسرائيل في الجولان الذي ظل هادئاً منذ احتلاله عام 1967.
تدرك الولايات المتحدة جيداً بأن نظام الأسد هو مجرد خط عبور للإمدادات الإيرانية إلى حزب الله الذي دمر لبنان بمغامراته غير المسؤولة، وأن ردّه على أي هجمة أو طلعة جوية إسرائيلية حتى لو كانت فوق رأس الأسد ذاته كما حصل في اللاذقية عام 2006 ستكون "نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين " الجملة الشهيرة التي رددها النظام لأكثر من أربعين عاماً.
ربما كان الرئيس الأميركي يخشى من القيام بعمل منفرد ضد سورية دون الحصول على قرار أممي ولكن ذلك لم يمنع من سبقه من شن حرب على العراق ولأسباب أقل أهمية من تلك التي تدفع للتدخل في سورية الآن.
أو ربما استجاب الرئيس الأميركي للأصوات التي تحذر من اتساع نفوذ الجماعات المتشددة التي تعادي الولايات المتحدة في سورية بعد سقوط نظام الأسد بينما لم يلتفت إليها حين حذرته تلك الأصوات من المشاركة في عمل عسكري ضد القذاقي.
ولكن الأكيد بأن أعضاء الكونجرس يدركون جيداً بأن النظام الجريح لن يتوانى في لحظاته الأخيرة عن نقل مخزونه الكيماوي إلى حلفائه في العراق وإيران ولبنان وبالتالي تهديد أمن إسرائيل.
والآن يتنافس ما تبقى من المعسكر الشرقي، والغربي على تحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب مصالحنا العربية، ففيما عاد الوهج إلى موسكو بعد المبادرة الأخيرة، تسعى واشنطن إلى إقناع المجتمع الدولي بأنها لا تسعى إلى الحرب، وأنها ستستجيب لجميع المبادرات الدبلوماسية، وخلال ذلك ستقوم من خلال مفتشي الأمم المتحدة بالقضاء أو التقليل من خطر السلاح الكيماوي، وستجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية عن المواقع العسكرية السورية تمهيداً لأي ضربة مقبلة في حال فشل النظام السوري مرة أخرى في الوفاء بتعهداته الدولية.
في الأخير .. لماذا حصْر الأزمة السورية في السلاح الكيماوي؟ فكم عدد الذين قتلوا به مقارنة بأولئك الذين قتلوا بغيره من الأسلحة الفتاكة؟ وهل سيؤدي نزع السلاح الكيماوي إلى حماية المدنيين أو إنهاء الصراع؟ والسؤال الأهم عما إذا كانت المبادرة الروسية تتضمن وقفا لإطلاق النار في سورية، أو حتى إيجاد مناطق آمنة لمساعدة المتضررين من الحرب؟ إذا كانت الإجابة لا فما الفائدة الحقيقية من هذه المبادرة إذاً ؟