الرئيسة \  واحة اللقاء  \  زمن ما بعد الفصائل

زمن ما بعد الفصائل

08.09.2016
أسامة مصالحة


الحياة
الاربعاء 7/9/2016
تذهب حركة فتح الى الانتخابات البلدية منزوعة القوة وبلا حيلة، حالها حال كل الفصائل الفلسطينية الأخرى، بدءاً بـ "حماس" وانتهاءً بفصائل لا يزيد عدد أتباعها عدد أصابع اليد الواحدة أو أقل.
أنه زمن ما بعد-الفصائل، حيث بات "الفلسطيني العادي"، المُعدم والمضطهد والمشرد والمقهور، في الشتات والمنفى والوطن، ينظر الى تلك التركيبات السياسية المهترئة نظرة ارتياب وسخرية، متسائلاً عن جدوى وجودها ومعنى بقائها، بخاصة بعدما بات لتلك التركيبات خطاب ايديولوجي يذهب في اتجاه وأداء سياسي يذهب في اتجاه مضاد، مخلفاً وراءه حالة من الشيزوفرينيا السياسية والوطنية الحادة.
الواقع أن الفصائل الفلسطينية لم تحدّث برامجها، وهي لهذا لم تعد قادرة على التقدم بـ "الفلسطيني العادي" متراً واحداً الى الأمام: فها هو المخيم الفلسطيني في سورية يتعرض للاقتلاع والتشريد والنفي من جديد. والمخيم الفلسطيني في لبنان ليس في حال أحسن حتى لو بدا للناظر من بعيد غير ذلك. أما قطاع غزة فمسكون بالفجيعة والألم والفقر، ومسيج بحصار أبدي لا ينتهي. أما الضفة فأشبه ما تكون بسفينة مثقوبة تخوض لجاج البحر بلا أشرعة ولا آفق ولا قبطان.
يقول الشارع الفلسطيني في الداخل المحتل- وهو ما لا تنفيه المصادر المطلعة في الغرف المغلقة- أن الدول المانحة أجبرت الفلسطينيين على الذهاب الى انتخابات بلدية طُبخت بسرعة وعلى عجل.
الغرابة في الأمر أن هناك حماسة ميتافيزيقية فصائلياً غير مفهوم وغير مبرر يقف خلف الحملات الانتخابية، علماً أن الإعتقاد السائد، لدى الجميع، يقول إن انتخابات بلدية تحت الاحتلال لا يمكنها أن تسفر إلا عن كيان فلسطيني صوري هش لا قيمة فعلية له.
البعض يعتقد أن الأرض صارت ممهدة لإعادة إحياء "روابط القرى" في صيغة جديدة، وأن الانتخابات البلدية ستفضي الى إنشاء مجالس بلديات تقوم الدول المانحة بتمويلها مباشرة من دون المرور بقنوات وزارية رسمية فلسطينية أو غيرها، الوضع الذي سيُفهم على أن السلطة الوطنية الفلسطينية قد تُحال الى التقاعد قريباً. الأخطر من ذلك كله هو الحديث الدائر حول "المناطق الخضراء" وتلك "الرمادية"، بمعنى أن البلديات التي ستنزع الى قبول "الأمر الواقع" سيتم منحها جوائز مالية مجزية، أما تلك التي ترفض سياسات "الأمر الواقع" فستكابد شظف العيش وقد يصل الأمر بها لاحقاً الى أن تعاقب في شكل جماعي على اختياراتها "غير البرغماتية". قد يعني هذا استيراد، أو بالأحرى استنساخ، تجربة غزة في بعض مدن وقرى الضفة بطريقة أو بأخرى.
يعتقد التوراتيون من الإسرائيليين أن الضفة الغربية "مهد الحضارة اليهودية". من يقرأ خرائط المستوطنات في الضفة بطريقة علمية يعرف أن البنية التحتية التي أنشأها الاحتلال هناك هي بنية دائمة ولن تكون معروضة للتفاوض أو التفكيك: البنية التحتية تأسست لقيادة مشروع يمتد الى كل الشرق العربي.
الضفة في خطر حقيقي داهم. ومن سيربح الانتخابات سيكون الخاسر الأكبر.
لقد نجح الاحتلال الإسرائيلي في تحويل غزة الى سجن كبير غير ذي صلة. إذا ما خسرنا الضفة الغربية نكون خسرنا آخر "موطئ قدم" وجودي لنا في الشرق. ولن تكون السفن بانتظارنا عند الشواطئ. حتى المنافي الباردة بدأت تغلق أبوابها. تُرى ماذا نحن فاعلون!؟
 
* كاتب وباحث فلسطيني