الرئيسة \  برق الشرق  \  زهير سالم :هناك مخطط لإعادة تأهيل نظام الأسد

زهير سالم :هناك مخطط لإعادة تأهيل نظام الأسد

08.09.2015
الوطن القطرية


الوطن القطرية
حوار- أمين بركة
وضعت التطورات الأخيرة التي طرأت على معطيات الأزمة السورية، لاسيما على صعيد إيجاد حل سياسي ينهي المأساة الإنسانية التي خلفتها وحشية السلطة القائمة، علامات استفهام كثيرة حول طبيعة الصراع في سوريا؟ وكيف يمكن أن تفضي أي مفاوضات قادمة إلى نتيجة تنهي هذه المأساة، في وقت تستميت فيه إيران وروسيا في دعم الأسد والعمل من أجل بقائه.
نتحدث في هذا الحوار عن السياسة والأمن والمصير، في ضوء التحركات الدولية الراهنة لحل الأزمة السورية، مع مدير مركز الشرق العربي للدراسات الاستراتيجية والحضارية والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين بسوريا زهير سالم.
وأكد سالم، خلال حواره لـالوطن، أن هناك أطرافا خارجية تسعى لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد، متسائلا: «من هم السوريون الذين سيرتضون العيش تحت مظلة من قتل نصف مليون إنسان منهم؟». وأثنى سالم على الدور القطري الكبير في دعم الشعب السوري من أجل الحصول على حريته، قائلا: «إن قطر كانت بحق خير من أيد ونصر وأعطى فما أكدى».
وفي ما يلي نص الحوار:
الثورة السورية دخلت عامها الخامس، ونظام الأسد ما زال يوغل في دماء الشعب السوري، برأيك ما هي العوامل التي طرأت على الأزمة السورية؟
- ابتداء أنا لا أنظر إلى ما يجري في سوريا على أنه أزمة؛ بل أراه مخاضا، ومحاولة للخلاص، من كابوس خطير جثم على صدور السوريين على مدى نصف قرن تقريبا.. وكما تابع الجميع فقد انطلقت هذه المحاولة والمطالبة وطنية مدنية سلمية؛ ولكن مكر نظام الأسد وكيده وتخلي المجتمع الدولي متمثلا في الخمس الكبار عن الشعب السوري أدى إلى نجاح بشار الأسد إلى إدخال العديد من العوامل السلبية على مسار المخاض السوري وأهم هذه العوامل: عسكرة الحراك الشعبي وذلك بالإمعان في ارتكاب الفظائع التي كان في مقدمتها عمليات الاغتصاب التي أشعلت عقول السوريين وقلوبهم، وكان اللجوء إلى استنبات قوى التطرف بمشروعهم الماضوي العدمي هو العامل السلبي الآخر الذي حول المشهد في سوريا من حراك شعبي ضد مستبد فاسد إلى حرب مشرعة ضد العالم وقيمه وما استقر فيه. ثم كان ما اكتشفه الأميركيون خاصة والعالم عامة ما في شخصية الرئيس أوباما من تردد وضعف في مقابل طموحات الرئيس الروسي بوتين إلى استعادة مكانة روسيا الدولية مرة أخرى كان من أبرز العوامل المؤثرة سلبا على الحراك الوطني السوري. ولا يمكن في السياق أن نتناسى الدور الإيراني وأذرعه في المنطقة في انفجار خطير للمشروع الطائفي المقيت على مستوى المنطقة.
.. ودور المجتمع الدولي؟
- لقد كان عجز المجتمع السوري بسبب تصحر الحياة المدنية والسياسية في سوريا لعقود عن تقديم قامات وطنية حقيقية يلتف الناس حولها كالتي قدمها هذا المجتمع في عام 1920 أحد العوامل السلبية التي دخلت على مسار الثورة السورية، وبالمقابل الإيجابي فلا بد أن نذكر روح الفداء والتضحية والبطولة التي كشف عنها السوريون. وهذا العامل وحده هو السر في استمرار هذه الثورة وتصاعدها وسيكون بإذن الله السبب في انتصارها.
هناك أحاديث تدور في الأروقة الدولية عن تحركات دبلوماسية كبيرة لحل أزمة سوريا.. هل تعتقد أن هذه الجهود جادة هذه المرة للحل؟
- يعلم أكثر السوريين أن لا شيء جاد لدى المجتمع الدولي، وكل ما يجري على المستوى الدولي مجرد مماحكات، ومحاولة لكسب المزيد من الوقت. ونحن المعارضين نقول: ما يجري هو محاولة لإعطاء بشار الأسد فرصة أطول للقتل، وإنهاك الثورة والثوار حتى يستسلموا استراتيجية سبق إلى التعبير عنها الكثير من الدبلوماسيين. هذا بالنسبة لمن يسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري.
تقصد أن هذه التحركات لحل الأزمة سياسيا جاءت لإنقاذ نظام الأسد بعد تقدم المعارضة في عدة محاور؟
-الحقيقة متعددة في نفوس الأطراف الدولية والإقليمية، ففي العرف الدبلوماسي هناك قاعدة تقوم على المجاراة وهذه قاعدة تضطر إليها بعض دول الإقليم. وتنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها؛ أما الروس والإيرانيون يتمسكون ببقاء الأسد مع نظامه؛ وغيرهم يتحدث عن بقاء النظام دون الأسد. ومع كل ذلك يبقى احتواء الثورة وانتصاراتها استراتيجية عامة على اختلاف الدوافع.
بمناسبة ذكر مصير الأسد، هناك من يقول إنه يمثل عقبة كبرى في محاولة التوصل إلى أي حل سياسي للأزمة؟
-الخيارات أمام مصير الأسد لاتزال مفتوحة وإن كان خيار بقائه في السلطة هو الأضعف. ربما يرتسم مصيره في مثل مصير القذافي، أو ابن علي، أو مبارك، أو أحد مجرمي الحرب الذين مثلوا أمام المحاكم الدولية كالزعيم الصربي.. بشار الأسد لا يؤمن بالحل السياسي، وكان هذا الحل السياسي بيده يوم قرر الذهاب إلى معركة كسر الإرادات كما صرح بذلك لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية منذ 2011. كان اتهام الحراك الشعبي بالتطرف والأصولية هو المخرج الحاضر منذ المظاهرة الأولى في درعا.
هل تعتقد أن الموقف العربي غير المتفق على مستقبل الأسد، ساهم في إطالة أمد الأزمة؟
- لكي لا نشارك في عملية جلد الذات، نحن ندرك ضعف الدور العربي عموما. وقد ازداد الموقف العربي ضعفا بسبب ما حدث في مصر من انقلاب على الخيار الشعبي هناك.. مشكلة الربيع العربي الذي كان ثورة ضد الظلم أنه أخاف حكاما عربا لم يكن يعرف عنهم أنهم يمارسون الظلم ضد شعوبهم مهما كان التقويم لنظام الحكم. وهذا زاد في إضعاف الدور العربي الذي كان ضعيفا في أصله.
برأيك ما السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الأزمة السورية في ظل تداعيات ما يحدث في الإقليم من تآمر على الثورات العربية؟
-انتصار إرادة الشعب السوري مازال أملا يملأ عقول السوريين. في لحظة قدرية ربما يذهب حراك ما ببشار الأسد ودائرته الصغيرة كما ذهبت من قبل بخلية الأزمة. أو قذيفة طائشة مسددة بيد القدر قد تودي به. وبخصوص السيناريوهات التي أتوقعها، فهي: أولا: التفتت داخل منظومة الأسد سواء على مستوى الجيش أو الأمن أو الطائفة قد يكون مخرجا من الأزمة.. وثانيا: انقلاب عسكري، أو انغماس قوى مجتمعية أخرى في الحراك الثوري.. السيناريو الثالث: نجاح المجتمع الدولي في التخلي عن الأسد، مقابل حل سياسي يحتفظ للنظام ببقية.. السيناريو الرابع: تخلي إيران وأذرعها عن الأسد، وهذا السيناريو على ضعفه له بوادر وشواهد كثيرة عن الساحة، والكل يعلم أن النظام باقٍ منذ سنتين بسبب الدعم الإيراني العسكري والاقتصادي والدبلوماسي.. ومن هنا يجب على الشعوب العربية أن تؤمن باستمرارية مشروع الثورة واستدامته، لأن الثورة فعل دائم وليست كرسيا يجلس عليه ثوار كما يظن البعض.
البعض يتحدث عن احتمال تقسيم سوريا؟
-على الرغم أن هناك من يعمل على هذا السيناريو كخطة أخيرة؛ إلا أنه لايزال مستبعدا، ولو رغبويا، عند الوطنيين السوريين.
أنت قلت إن هناك دولا معنية تريد إطالة أمد الأزمة السورية.. ما هذه الدول، ولماذا هي معنية أصلا بإطالة أمد الصراع؟
-الدول المعنية بإطالة الأزمة السورية كثيرة، ومنها دول محسوبة على أصدقاء الشعب السوري.. والسبب المباشر هو أن نظام الأسدين الأب والابن كان يقوم بدور وظيفي إقليمي في المنطقة، والاستبدال به يتطلب تهيئة بديل يقوم بالدور نفسه. ولم يجد أصحاب المصالح حتى الآن في الشعب السوري مجموعة صلبة ومتماسكة يمكن أن تقوم بهذا الدور.
كيف تقيم الموقف الأميركي في التعامل مع الشأن السوري؟
-الأصدقاء من رجال الرأي والفكر الأميركيين أخذوا يلتمسون من المعارضين السوريين ألا يحسبوا سياسات الرئيس أوباما على الأميركيين مباشرة.. حجم الانتقاد الأميركي لسياسات الرئيس الأميركي في سوريا يتجاوز كل الحدود!! فكيف يمكن أن ينظر المواطن السوري أو المتابع السوري لهذه السياسات؟ بل إن أكثر من سياسي أوروبي، أو مسؤول أممي على المستوى الإنساني حمل ويحمل الرئيس الأميركي تداعيات المشهد السوري بكل أبعادها سواء في تصاعد أعداد القتلى، أو المعتقلين، أو في التمادي في ارتكاب جرائم الحرب، أو في إطلاق اليد باستعمال أنواع الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين ومنها القصف بالطيران وبالأسلحة العشوائية وبالأسلحة الكيماوية التي زعم الرئيس أوباما أنها خط أحمر.. ومن هذه التداعيات مشكلة اللاجئين والهاربين من الموت التي تهدد أوروبا اليوم.. الرئيس أوباما يحلم أنه سيدخل التاريخ بجائزة نوبل للسلام، وأنه الذي أعاد إيران إلى المجتمع الدولي ولكنه سيدخله بكل تأكيد بلقب الصامت عن المجزرة السورية الكبرى.
ولكن كل هذا لا يسقط المسؤولية عن مؤسسات الدولة الأميركية، ولا عن مؤسسات المجتمع المدني الأميركية ولا عن عموم الشعب الأميركي. إن ما يجري في سوريا قد وضع كل المبادئ والقيم الأميركية على المحك.. ونكاد نقول اليوم لقد سقط صنم الحلم الأميركي كما سقط من قبل صنم الاشتراكية الشرقية.
إلى ماذا تعزو عجز المعارضة السورية وضعفها وانقسامها؟
- الأسباب كثيرة وراء هذه الظاهرة المقلقة والمدمرة في الوقت نفسه.. ولعل أهم الأسباب هو أربعون عاما من التصحر السياسي والمدني عاشه المجتمع السوري وهو عمر جيل كامل. ومن هذه الأسباب موقف دولي متوجس من القوى السورية القادرة على التقدم وحصارها على خلفية إيديولوجية وحضارية بحتة، إلى جانب عجز ما تسمى القوى المدنية والحداثية عن تحمل مسؤولية عملية جامعة، إن على المستوى الميداني أو على المستوى السياسي. فهذه القوى وأقصد العلمانية والليبرالية شعرت في وقت مبكر بمنافسة التيار الإسلامي. رغم أن الإسلامي قرر ابتداء أن يتنازل لها عن حق مخاطبة الآخر والتعامل معه، من باب الحرص على تأمين مساندة دولية. وأكثر من ذلك فقد ظلت القوى العلمانية والليبرالية نفسها أفرادا متنافسين متنابزين ولم تستطع أن تتحول إلى قوى وازنة متعاونة لمصلحة الثورة.
ولابد أن أذكر هنا عدم جاهزية أصحاب المشروع الإسلامي المعتدل للمشاركة في قيادة المشهد السوري بجدارة واقتدار. وعلى المستوى الأهلي لابد أن نذكر دور التركيبة الديموغرافية في سوريا ولعب النظام عليها منذ اليوم الأول كان لها دورها أيضا في تشتيت موقف المعارضة السورية.
هل برأيك أن تشتت المعاضة سمح لحلفاء الأسد بإعطاء مبرر لبقاء الرجل في منصبه؟
-أولا لدينا تجربة تاريخية قريبة يوم أرادت الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش الابن أن تجمع المعارضة العراقية، وكيف جعلت لها أرجل من خشب بل من قصب، وكيف نفخت الحياة في مواتها حتى جعلت منها حراكا له شأن. إن ما أنفق أميركياً على مؤتمرات المعارضة العراقية يومها لم ينفق مثله على مساعدة اللاجئين السوريين، لقد شُلت يد المعارضة السورية عن الفعل وعن الإنجاز فما كان من أطرافها إلا أن تنابزوا في تدافع المسؤولية، ومن هنا بدأت عملية التشرذم. إذا أردنا أن نعتبر تشرذم هذه المعارضة ذريعة لتعلل المجتمع الدولي في وقف دعم الشعب السوري فربما صح ذلك في ظاهر الأمر؛ ولكن الموقف الدولي مسبق في الامتناع عن دعم الشعب السوري ودعم معارضته. أربعة أخماس الأرض السورية اليوم ليست تحت سيطرة الأسد ولا يعكر صفو المناطق المحررة إلا قصف طيران الأسد وتصرفات المتطرفين هنا وهناك. فكيف يكون التخوف من بديل الأسد سببا لبقائه. نعم إن بزوغ ظاهرة المتطرفين في سوريا والتي هي جزء من مخطط أسدي وإقليمي ودولي ذريعة إضافية للتمسك بالدور الوظيفي لبشار الأسد.
من يملك خيوط اللعبة في سوريا؟
- سؤال مهم ومعقد ومربك، المهم بالنسبة إليّ أن يكون للشعب السوري وللثوار فيه خيطهم أو حبلهم الذي يتمسكون ويعتصمون به؛ وأن يتعاملوا بحكمة وموضوعية مع بقية الممسكين بالخيوط.. والمهم ثانيا أن يستشعر قادة الأمة في كل الأقطار طبيعة المعركة في سوريا. فالمعركة في سوريا لم تعد معركة بين شعب مظلوم ورئيس ظالم بل لقد أصبحت جولة من جولات الصراع التاريخي على مستوى الأمة أجمع.
تساءلنا عن سبب بعثرة المعارضة السورية فلماذا لا نتساءل عن سبب بعثرة الممسكين بالخيوط من دول الإقليم الذين هم فوق الشبهة وفوق الحاجة إلى إنذارات المشهد. فهم يزعمون أن روسيا وإيران تملكان الكثير من خيوط اللعبة؛ ولكن الذي أراه أن الروس لم يمسكوا من الخيوط إلا الذي تخلى عنه نظراؤهم الغربيون، والإيرانيون امتلكوا خيوطهم بالجرأة والتمرد على القانون الدولي بتدخلهم السافر والمباشر في سوريا، بينما لاتزال الدول العربية مترددة فيه.
هل تعتقد أنه يوجد بديل عن الحل العسكري لإنهاء الصراع؟
- طبعا هذا الواقع الدامي يدمي قلوب السوريين وكل البشر الحقيقيين، لقد أعلنها بشار الأسد معركة وجودية لكسر الإرادة، وتابعه على ذلك حسن نصرالله. المواطنون السوريون لا يملكون خيار وقف الصراع، لأن القبول بوقف الصراع بالنسبة إليهم يعني التنازل عن الوجود، وعن الإرادة، وعن الحياة الكريمة، ليس السؤال هل يوجد بديل للحل العسكري البديل دائما موجود.. وبشار الأسد ليس أول رئيس في العالم ينسحب من السلطة أو حتى يتنازل عنها.. بشار الأسد هو الذي لا يقبل بالحل السياسي، وهو الذي لا يقبل إنهاء الصراع سلميا، فهل بشار الأسد هو قدر الشعب السوري.
كل السوريين يتطلعون إلى مؤتمر سوري عام جديد يجمع شتاتهم ويوحد مجتمعهم ويجمعهم على عقد اجتماعي مدني جديد يحمي الجميع ويحفظ حقوقهم، وأسوأ ما يفكر به أصحاب المبادرات السياسية الخلط بين الحقوقي والسياسي.. الحقوقي يعني أن تتحقق العدالة، ويعني أن يحاسب المجرم على جريمته وإن كان في موقع القوة.. والسياسي يعني أن يتقارب الناس وأن يتنازل بعضهم لبعض.
هل تعتقد أن القوى المتطرفة ساهمت في إطالة أمد الصراع في سوريا؟
- نعم لقد كانت هذه القوى ملجأ بشار الأسد وملاذه لتشويه الثورة السورية، ولحرفها عن مسارها، ولتأليب المجتمع الدولي عليها، كما كانت سببا مباشرا لتنفير الكثير من أبناء المجتمع السوري من الثورة ومشروعها ومستقبلها بتقديم أنموذج حرفي ماضوي ظاهري للإسلام لم يجد له في القرون الأولى مجالا في حياة المجتمعات الإسلامية.. وقد وجدت هذه القوى من الإعلام العالمي أبواقا حقيقية نفخت فيها وضخمت حجمها، للتخويف منها كجزء من المخطط العام لإحباط سعي المجتمع السوري إلى الحرية والعدل.. لقد كانت هذه القوى في سوريا ذريعة للانقلاب المبكر على الثورة ومشروعها بعد أن استفاد أصحاب المصلحة من دول الاستبداد والفساد من التجربة المصرية وما جرى فيها.
هناك مبادرة قدمت قبل عام من المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي مستورا، تقوم على وقف القتال في حلب ومن ثم باقي المدن السورية ومن ثم تحويل جهود المعارضة والنظام نحو محاربة تنظيم داعش.. هل ترى أنه كان بالإمكان أن تسهم هذه المبادرة في وقف نزيف الدم في سوريا، خاصة أنها لاقت ترحيبا مشروطا من النظام وبعض قوى المعارضة؟
- ممارسة السياسة وتقديم الحلول والمبادرات السياسية ليس لعبة هواة، دي مستورا هو المبعوث الدولي الثالث بعد كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي. إذا تناسينا دور الفريق الدابي مبعوث الجامعة العربية، ونلاحظ أن جدية هؤلاء المبعوثين في تقديم مبادرات عملية هي في سياق لولبي نازل. والمبادرة التي تندر عليها المتندرون بعنوان «من تحت لفوق» كما أطلق عليها دي مستورا لم تكن إلا صورة لعروض الهدن التي يقدمها بشار الأسد والتي كان يسميها في إعلامه «المصالحات» والتي كان يوحي من خلالها للعالم أنه جاد في توفير مصالحات وحلول «سورية – سورية» في إشارة إلى عدم رضائه عن أشكال التدخل الدولي والإقليمي.
دي مستورا الذي كان يتقدم بمبادرة عن حلب كان يصمت عن حرب ساخنة في منطقة القلمون، وعن تدخل إيراني ولبناني. لا يمكن للمشهد في سوريا أن يعالج بالقطعة قطعة، والقطعة قطعة يختلف عن الخطوة خطوة.
وكيف يمكن لهكذا مبادرات أن تنجح؟
-كان دي مستورا ومن قبله الإبراهيمي ومن قبله كوفي عنان لينجحوا لو أنهم بدؤوا بالقول للسوريين جميعا: عودوا إلى دياركم جميعا فلن تقصفها بعد اليوم طائرة، ولا صاروخ ولا مدفع ولن يغتالكم قناص. وقف إطلاق النار من طرف من يسمى الحكومة كان سيعني عزل الذين سيخرقونه مجتمعيا إن وجد من يخرق، وكان هؤلاء المبعوثون سينجحون لو أنهم قالوا للسوريين والسوريات: بعد أسبوع واحد فقط سيعود جميع أبنائكم المعتقلين إلى البيت إلى الأم والزوجة والولد، وسيتم الكشف عن مصير المفقودين. هذا هو المناخ الذي يصنع النجاح.. أما المراوغة مع الظالم والمناورة معه لخداع المستضعفين من الشعوب فهيهات هيهات.
هناك من يقول إن هناك محاولة لتعويم النظام في سوريا وإعادة تأهيل الأسد.. كيف تقرأ ذلك؟
- نعم هذه المحاولة قائمة، وتعمل عليها روسية وإيران منذ أول يوم ومع الأسف بعض الدول العربية. ولكن ما هو حظ هذه المحاولة من النجاح؟ من هو السوري اللاجئ في أطراف الأرض المستعد للعودة إلى بلد يحكمه الأسد؟. نحن نتحدث عن كارثة سكانية من عشرة ملايين إنسان؟ من هم السوريون الذين سيرتضون العيش تحت مظلة من قتل نصف مليون إنسان منهم؟ بعض السياسيين أحيانا يفقد بوصلته الإنسانية وهو يفكر بطريقة صلبة قاسية لا ترى إلا حكم القوة والذراع.
ما وضع الجيش السوري الحر الآن؟
- بالطبع ليس هناك مسمى وطني حقيقي يطلق عليه الجيش الحر. هناك مجموعات من الكتائب والقوى والتحالفات العسكرية التي تتبنى مشروعا وطنيا سوريا وأكثرها بمرجعية إسلامية بإسقاطات مفهومية متعددة يطلق عليها الجيش الحر، هذه القوى تشكل عماد الثورة السورية ويقابلها عمليا ما تبقى من الجيش السوري بعد عمليات الانشقاق والهروب والتي يطلق عليها عمليا قوات الأسد، كما تقابلها من جهة ثالثة قوى ما يعرف بتنظيم الدولة..
إذا نحينا اللغة الإعلامية جانبا فإن سوريا الحية اليوم أي المناطق الآهلة أكثر بالسكان أكثرها بيد ما اصطلح على تسميته بالجيش الحر: حوران وسهولها وغوطة دمشق وريفها وريف حماة وكل محافظة إدلب والكثير من محافظة حلب. الجيش الحر وهذا هو صلب الجواب يؤمن ويدافع ويدير أكثر من نصف الأرض السورية الحية. الجيش الحر يحتاج إلى إرادة عربية أو إقليمية تساعد على توحيده أوتنسيق مواقفه وتبنيه وتنظيمه ليكون رافعة للثورة وقاعدة عملية لسورية المرتقبة.
يقال إن تنظيم الدولة يسيطر على نصف الأرض السورية؟
-هذا كلام دعائي محض حين نعلم أن أكثر المساحات التي يسيطر عليها هذا التنظيم هي ما يعرف جغرافيا ببادية الشام التي هي امتداد للصحراء العربية.
وما المساحة التي يسيطر عليها بشار؟
-إن بشار الأسد لا يسيطر اليوم إلا على خمس الأرض السورية بعض دمشق عبر حمص ومنطقة الساحل التي لم تكن يوما موطن كثافة سكانية كبيرة.
ما المطلوب من العرب تجاه الأزمة السورية؟
- المطلوب من العرب شعوبا وحكومات وقادة الكثير. المطلوب أولا وعي طبيعة المعركة، وهي أن سوريا خط دفاع أول عن هذه الأمة وجودا ومشروعا وفي مواجهة المشروعين الصفوي والمتطرف، الشعب السوري اليوم هو رأس الرمح. والشعوب العربية يمكن أن تفعل مدنيا وإنسانيا الكثير، والحكومات والقادة العرب يمكن أن يؤخذوا الأمر بجدية الدور الإيراني نفسه فيقابلوا التحدي بالتحدي، ويردوا على دعم بشار الأسد بمثله من دعم الثورة والثوار.
ما رؤيتكم لمستقبل سوريا السياسي؟
- نحن مأمورون بالتفاؤل، قد يصعب المخاض ولكنني أتطلع إلى سوريا كدولة مدنية حديثة تجمع بعدل ومساواة كل أبنائها. دولة تعددية سياسيا ومجتمعيا، دولة تشاركية توافقية، واضحة الانتماء والهوية أنموذج حضاري يقدم الشعب السوري من خلاله إبداعاته التي شهد له بها التاريخ.
كيف تصف علاقة الائتلاف الوطني مع القوى المعارضة الأخرى؟
- مع الأسف يعيش الائتلاف الوطني حالة من الجدلية السلبية النابذة، ورغم النوايا الطبية للكثير من أعضاء هذا الائتلاف؛ فإنهم لم ينجحوا في جعل علاقاتهم جدلية إيجابية جاذبة منفتحة. يبدو أن (الأنا) السورية بحق كبيرة. وهذه الأنا الكبيرة لها إيجابيتها ولها سلبيتها، ولكن سلبيتها في هذه المرحلة تبدو أكبر. ولا بد من التعاون على تجاوز هذه السلبيات.
ما الحل أمام قوى المعارضة لوقف انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية ضد السوريين؟
-هذا سؤال معقد يتداخل فيه الشرعي بالأمني بالسياسي والدولي بالإقليمي والوطني. واجب قوى المعارضة أن تجعل أولويتها الميدانية والسياسية بشار الأسد ونظامه.. أعتقد أن علاقة هذا التنظيم ببشار الأسد هي علاقة الظل بالعود. إذا سقط العود سيسقط الظل تلقائيا. لقد استنفد هذا التنظيم ولايزال الكثير من قوى الثورة، وأجلب عليها، وحاول حرفها وكل ذلك في محاولة لصرف القوى الدولية والإقليمية والثورية عن مقاومة بشار الأسد. إذا كانت بعض الدول قد تظاهرت بالانخداع فلا ينبغي لقوى المعارضة والثورة أن تقبل بهذا.
هل من كلمة أخيرة؟
-لابد في ختام هذا الحوار أن أسجل الشكر والتقدير لكل الشعوب والحكومات التي تفهمت حقيقة المعاناة التي عاشها ويعيشها السوريون فدعمتهم وأيدتهم وساندتهم.. أدرك صعوبة الموقف الدولي وضرورات الحكومات والدول ولكن لابد للحق في هذا العالم من حامل. النصر السوري بإذن الله قادم ليكون نصرا حقيقيا للأمة العربية أجمع ومشروعها الحضاري المستقبلي. والشكر موصول لصحيفة الوطن القطرية، ولدولة قطر الشقيقة حكومة وشعبا؛ فقد كانت هذه الدولة بحق خير من أيد ونصر وأعطى فما أكدى.