الرئيسة \  واحة اللقاء  \  زياد ماجد والثورة السورية "اليتيمة": عندما يكتب الرفيق!

زياد ماجد والثورة السورية "اليتيمة": عندما يكتب الرفيق!

04.03.2014
عبدالله أمين الحلاق


الحياة
الاثنين 3/3/2014
كثيرة هي الكتابات والمؤلفات التي كتبت وطُبعت بعد الثورة السورية وعنها، من كتّاب سوريين وعرب وغربيين. وهذه، وإلى جانب كونها دليلاً بالغاً على قوة حضور الحدث السوري في الشأن الثقافي والسياسي المكتوب، فإنها تبدو أكثر دلالة عندما تصدر عن كاتب ومثقف مثل زياد ماجد. مرد ذلك الى لبنانيته على ما تحتمل تلك اللبننة من تأويلات سورية مختلفة، وثانياً الى تاريخه المناصر لقضية تحرر الشعبين السوري واللبناني من سلطة الأسدين وحق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته، وثالثاً كمّ الجهد الذي يبذله ماجد لإيصال رسالة الثورة السورية إلى الغرب عبر منابر هذا الغرب وإعلامه التي يتحدث عبرها.
في ما خص انتماءه اللبناني المختلف عن لبننة آخرين، فإن إرثاً ثقافياً وسياسياً، يسارياً ونهضوياً في حالة زياد ماجد، هو الذي يجعل الثورة السورية ونجاحها في إسقاط الأسد، على صعوبات وتعقيدات ذلك اليوم، فاتحة تغيير في بلدان هذا المشرق. وبناء على ذلك، لم يكن كتاب زياد ماجد الأخير "سورية – الثورة اليتيمة"، والصادر عن دار شرق الكتاب أوائل 2014، إلا واحداً من كتابات تخالها سوريّةً لفرط علاقتها بالحدث السوري ورصانتها ودقتها، واستشراف آفاق هذه الثورة اليتيمة حقاً، وسبر يومياتها.
يُتم الثورة السورية والمعنون به الكتاب، وهو استعارة من مقاربة فاروق مردم بك وتوصيفه للثورة، يتحدث عنه زياد ماجد بإسهاب في فصلين، مركزاً على مقولات الخوف والحكمة: الخوف من الثورة وما بعدها، والحكمة الشكلية المدّعاة في النظر إليها. عن الخوف، يتحدث الكاتب عن "خوف الاقليات من الاستبداد الافتراضي او المحتمل مجيئه"، وفي هذا مدعاة دعم للاستبداد الفعلي القائم منذ 4 عقود، والخوف الثاني "الخوف المزعوم على سورية وعلى السلم الأهلي، وليس على القتلى واحتمال تزايدهم اليومي".
أما الحكمة، فتتجلى في أن "محايدين مزعومين ادعوا الحكمة وهي تختزن كراهية لأكثرية السوريين، عبر اختصارهم بإسلاميين، أو عبر ادعائهم تأييد حقوق السوريين لو لم يدافعوا عن وجودهم بالسلاح، أو عبر زعْم أن ما أصابهم يمكن هضمه خشية انكشاف سورية على التدخل الخارجي والفوضى وغياب بديل للأسد، أو عبر تحميلهم مسؤولية دفع القاتل إلى قتلهم والتنكيل بهم، وكأنهم يقولون إن الثورة على المجرم لا تصح لأنه بالتحديد مجرم".
هذا المجرم، هو نظام صادر الحيز العام ومساحات التعبير وكل فسح التجمع والانتظام السياسي، وفرض التنظيم والطاعة القسرية لرأس النظام، وبها حكمَ حافظ الأسد "فابتنى نظماً وهياكل بعضها منسوخ عن تجارب ديكتاتورية كلاسيكية – ستالينية وتشاوتشيسكية وكيم إيل سونغية – وبعضها الآخر منطلق من ديناميات بعثية تتخطى الحدود "القطرية" لتصيب فلسطين ولبنان وقضايا المنطقة، ولتجرى ترجمتها إلى سياسات وممارسات وفرت للنظام دعاية وأوراق تفاوض إقليمي ودولي، ومداخيل عظيمة الأثر في تأمين استمراريته وتطوير علاقاته، لغاية رحيل مؤسسه وتوريثه المُلك لابنه".
ضد هذا النظام، نظام الأسد الأب والأسد الابن، اندلعت الثورة السورية، وهو ما ذهب زياد ماجد في شرحه مفصلاً، وفي الكتابة عنه بنيةً وسياسات داخلية وخارجية من جانب النظام وتحديداً في البلد الجار لبنان. نظام فردي قوامه ومركزه شخص واحد سيستحيل مركزاً لكل سورية التي تدور في فلك نظامه لعقود طويلة. عبادة الفرد هي المسألة الاساسية والتي تذهب شريحة من السوريين في التضحية بنفسها فداءً له في أحيان كثيرة، وإن بعد انكسار هيبته وتماثيله وتحطيم قدسيته وأبَده في كل سورية. هكذا تتحدث الباحثة ليزا ويدين عن هذه الظاهرة: "بالإضافة إلى السلاح وغرف التعذيب، تهدف عبادة الأسد إلى تطويع الناس وفرض مناقبية عليهم يقومون بموجبها بالتصرف وكأنهم يعبدون قائدهم ضمن فلسفة "التصرف وكأننا مصدقون" من خلال سياسة العبادة هذه".
لا يغفل الكاتب التحولات التي شهدتها الثورة السورية في كل أطوارها، إذ "نحا الكفاح المسلح شيئاً فشيئاً نحو راديكالية إسلامية غذّاها معينوها بالموارد ليشتد قوامها، في وقت لم يقم المجتمع الدولي بواجبه قبل صعودها لحماية الشعب السوري من آلة قتل النظام المسلح روسياً وإيرانياً، والمدعوم بألوف المقاتلين الطائفيين العراقيين واللبنانيين، ولم يأتِ لاحقاً ظهور جماعات عدمية مرتبطة بالقاعدة إلا ليزيد مصائب السوريين، إذا اندفع طرف من خارج دائرة الصراع ليجلب سلاحه وعدّته الإيديولوجية ويقضم بعض المساحات التي حررتها الثورة من النظام، ويقضم معها كثراً من محرريها".
ومع الكفاح المسلح في الثورة، ارتبط السلاح بهوية الداعمين اكثر من هوية المدعومين بهذا السلاح، وعن ذلك وعن ضعف استقلالية المعارضة عن مصادر تسليحها، يقول زياد ماجد:
"إن كل الثورات وحركات التحرر في العالم الثالث تلقت دعماً خارجياً من قوى وجهّات لم تكن مرة مثالية، وأن النجاح كان يقاس وفق أداء الثورة او حركة التحرر وقدرتها على استقلالية نسبية في قراراتها، وليس وفق نزاهة داعميها".
وبعد كل ذلك العنف المديد الذي لحق بسورية نتيجة ما بدأه النظام الأسدي من حرب ضد الثورة، يبقى من الصعوبة البالغة التسليم بعلاج سريع للمجتمع السوري قد تقوم به مصالحة ما، أو تسوية سياسية، حيث "لا يمكن التكهن بما ستنتجه ثقافة صور القاتل والضحية على حد سواء... وحيث العالم يرى الموت يتدفق من أفواه وأيادٍ وأصوات، ويراه يهبط من أشخاص يمكن سوريين أن يعرفوهم وأن يعرفوا أماكن عيشهم، وفي نزع القناع عنهم، ما ينهي فرضيات بقائهم في المتخيل الجمعي كائنات مجهولة تصعب ملامسة تفاصيل وجوهها، والتنبه الى كلماتها، والتطبيع المفترض اللاحق في الحياة اليومية مع ذويها... إنّ صور سورية هي تمرين على التسامح المستقبلي المطلوب مع أطفال القتلة السافري الوجوه، وليس معهم هم، وهي بذلك محاولة شاقة للرؤية بالعقل أولاً وآخراً، ولو من خلف الدموع أو الذهول، إلى أن تتيح الأزمنة المقبلة رؤية من خلف افتخار بطي صفحة دموية مروعة، إلى الأبد".
يصعب إيجاد تصور واضح او قريب من الواقع في المآلات المحتملة للثورة السورية ومعها سورية بأسرها، بعد 3 سنوات من اندلاعها، وهي الثورة الجذرية التي هدمت كل المنظومات التي سحقتها لعقود طويلة وأخرجت أحشاء المجتمع مع ما أخرجته وما أزاحته من غطاء وقشور وطبائع ونزعات كانت مخبّأة في هذا المجتمع بفعل القبضة الأمنية للنظام، "وفي هذا أيضاً واحد من مكامن خطورتها، إذ صار فيها اليوم عنف بمقدار ما كان فيها من طاقة على احتمال العنف ونبذه سابقاً". وهي تفتقر إلى حسابات الربح والخسارة، شأنها شأن الثورات التي قامت في وجه المستحيل، وحققت عودة الناس إلى الحرية وتمرينهم عليها بجزء كبير على رغم اليتم والآلام، "ولا يبدو بأي حال من الأحوال أن هذه الثورة ستتوقف".