الرئيسة \  تقارير  \  زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط بين الحسابات والتوقعات

زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط بين الحسابات والتوقعات

22.06.2022
مركز الخليج للدراسات


مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
الثلاثاء 21/6/2022
أكد البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سيُجري أول زيارة له إلى الشرق الأوسط، منذ انتخابه في الفترة ما بين 13 و16 يوليو 2022، ومن المقرر أن يزور خلالها السعودية، وفلسطين وإسرائيل، ومن المحتمل أن تتضمن، كذلك لقاءً مباشرًا مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
وتعليقا على ذلك، قال بيتر بيكر، في صحيفة نيويورك تايمز، إن الزيارة تأتي في وقت يعاني منه الشرق الأوسط من تقلبات هائلة، لا سيما فيما يتعلق بتوتر العلاقات بين واشنطن وحلفائها الإقليميين، وتعثر المحاولات الدبلوماسية لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتزايد التوترات الناجمة عن انتهاكات إسرائيل المستمرة بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وعليه، أوضح  كوينت فورجي، في مجلة بوليتيكو، أن نتيجتها يمكن أن تشكل أهداف الإدارة في المنطقة لبقية العام ولعام 2023.
ومع الوضع في الاعتبار، الكم الهائل من الضغوط على الرئيس الأمريكي، وكذلك من شعوب المنطقة التي تواجه التضخم الاقتصادي المتزايد؛ تناولت العديد من التحليلات أن هدف الزيارة هو محاولة إقناع السعودية ومنتجي الطاقة الرئيسيين في المنطقة بزيادة إنتاجهم من أجل تخفيف ارتفاع أسعار الوقود العالمية. وأشار ديريك بروير، في صحيفة فاينانشيال تايمز، إلى كيفية ارتفاع أسعار البنزين في أمريكا بنسبة 60% في العام الماضي وحده. ومع اقتراب موعد الانتخابات النصفية، تنشد واشنطن، تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الأمريكي والعالمي بشكل كبير.
وعلى الرغم من أن زيارة بايدن، إلى السعودية، تشمل لقاء قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلى قادة مصر والأردن والعراق؛ إلا أن احتمالية عقد لقاء مباشر بين الرئيس الأمريكي، وولي العهد السعودي، سيطرت على التحليلات الغربية. وبالنسبة إلى العديد من المراقبين، فإن اللقاء يعد انعكاسًا لتحول رئيسي في سياسة واشنطن تجاه علاقاتها مع الرياض. ووصفت فيليسيا شوارتز، وسامر الأطرش، في صحيفة الفاينانشيال تايمز، أن الاجتماع يضفي الطابع الرسمي على تحول بايدن تجاه الرياض. في حين وصفه كولم كوين، من مجلة فورين بوليسي، بأنه تراجع من قبل رئيس الولايات المتحدة.
ولتفسير سبب هذا التحول، أرجع المعلقون الأمر إلى مسألة أسعار الوقود وأمن الطاقة، وزيادة تضخم الاقتصاد الأمريكي، وزيادة الضغط السياسي على بايدن، لكي يتحرك قبل انتخابات الكونجرس النصفية في نوفمبر 2022. وعلى الرغم من إصراره على أن زيارته إلى المملكة تتعلق بقضايا أكبر بكثير من التعامل مع أسعار الطاقة، وهو ما أوضحته السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين بيير، بقولها: من الخطأ النظر إليها على أنها فقط عن النفط؛ فقد خلص بيكر، إلى أنه من الواضح أن الرئيس الأمريكي لا يمكنه تحمل إبقاء العلاقات مع أحد أكبر منتجي النفط في العالم على مسافة أبعد بكثير”.
ووسط هذا المشهد، كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كانت الزيارة يمكن أن توفر إمدادات الطاقة التي تسعى إليها واشنطن. وأشار مات فيزر، وجون هدسون، في صحيفة واشنطن بوست، إلى أن احتمال انخفاض أسعار الوقود للمستهلكين الأمريكيين نتيجة الزيارة غير مؤكد. وعلى الرغم من أن أوبك بلس”، وافقت في بداية يونيو 2022 على تعزيز مستويات الإمداد لشهري يوليو وأغسطس 2022، بأكثر من 600 ألف برميل يوميًا؛ فقد أوضح دانييل ييرجين، من شركة إس أند بي جلوبال، أن وضع إمدادات الطاقة العالمية لا يزال ضعيفًا للغاية، وأشار بيكر إلى أن المسؤولين في واشنطن قد قللوا بالفعل من فرص الحصول على مساعدة فورية كبيرة من الرياض تسهم في استقرار أسواق الطاقة. ومع ذلك، فإن التركيز على قضية الطاقة، لا ينبغي أن ينفي أهمية الأمور الأخرى المطروحة للنقاش. وبحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن قضايا التغير المناخي وتطلعات إيران النووية، وحرب اليمن ستناقش خلال الزيارة.
وعلى نطاق واسع، تناول المراقبون كيفية تجاوز التوتر في العلاقات الأمريكية السعودية في العام ونصف العام الماضيين. وأشار فيزر، وهدسون، إلى نقاش داخلي مكثف داخل واشنطن حول مستقبل هذه العلاقات. وينظر المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إلى المملكة على أنها شريك حاسم في المنطقة. وبالنسبة إلى مارك دوبويتز، ودانييل شابيرو، من المجلس الأطلسي، فإن القضايا الأمنية لدول الخليج، تعتبر نقطة رئيسية للنقاش، واستشهدا بأن المصلحة الاستراتيجية الأساسية للسعودية هي ضمان تصديها للتهديد الذي تشكله طهران ووكلائها، ودعا الباحثان إلى التزامات أمريكية واضحة لأمن المنطقة، وبالتحديد من خلال المساعدة في تطوير دفاعات جوية إقليمية متكاملة، وفرض عقوبات على الكيانات الإيرانية المنخرطة في الإرهاب، وإطلاق برامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فضلاً عن حشد الإدانة الدولية لتدخل إيران في شؤون جيرانها.
وإدراكًا لهذه الأهمية أيضًا، استشهد كوين، بأن التزامًا دفاعيًا أمريكيًا صريحًا، تجاه الشرق الأوسط، يمكن يعيد تشكيل العلاقات بين دول المنطقة وواشنطن، مرة أخرى. وفي حين قال إيشان ثارور، في صحيفة واشنطن بوست، إن بايدن سيحتاج إلى العمل بشكل أوثق مع الرياض والدول العربية استعدادًا لتصاعد التوترات مع طهران؛ فإن جوهر المسألة، كما أوضح ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، هو الاعتراف بأن دول الخليج تسعى إلى شيء آخر غير التصريحات من إدارة بايدن لإقناعهم بأنها ملتزمة بأمنهم.
ويتجلى أمر آخر مهم في زيارة بايدن المرتقبة، وهو ما أثير من تحليلات حول زيارته إسرائيل وفلسطين. وبالإضافة إلى لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أوضح بيكر، أنه من المحتمل أن يلتقي برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في بيت لحم. وذكرت مجلة بوليتيكو، أنه سيركز على خلق العديد من التدابير المتساوية التي تقود الفلسطينيين نحو التمتع بمبادئ الأمن والحرية.
وعلى الرغم من أن فيزر، وهدسون، أشارا إلى أن بايدن، سيحاول استعادة مكانة واشنطن كوسيط نزيه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من خلال إعادة تأكيد دعمه لخيار حل الدولتين، وخاصة في ظل الإحباط المستمر للفلسطينيين إزاء تقاعس واشنطن منذ يناير2021 عن معالجة الانتهاكات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة؛ فإنه من المتوقع أيضا أن يؤكد التزامه بأمن إسرائيل. وكما أفادت شوارتز، والأطرش فإن المسؤولين الفلسطينيين محبطون، من عدم اهتمام إدارة بايدن بـ”استعادة العلاقات” لسابق عهدها مع الفلسطينيين.
وفي الأيام التي سبقت الإعلان الرسمي عن الزيارة؛ غيرت الولايات المتحدة، اسم بعثتها الدبلوماسية في القدس من وحدة الشؤون الفلسطينية، إلى مكتب الشؤون الفلسطينية، لكنها لم تُعرف المكتب بأنه قنصلية. وأشارت الخارجية الأمريكية، إلى أن هذا التغيير أصبح الآن من التدابير الجوهرية، التي كان ينبغي اتخاذها. وعلى الرغم من أن دان ويليامز، بوكالة رويترز، وصف ذلك بأن هذه الخطوة تعزيز للعلاقات بين واشنطن، والفلسطينيين، فإنه يجب تأكيد أن تعهد إدارة بايدن، بإعادة فتح القنصلية الأمريكية لفلسطين في القدس، لم يتحقق حتى تاريخه، حيث إن المكتب لا يزال يعمل تحت رعاية السفارة الأمريكية في إسرائيل.
وتعليقا على ذلك، انتقد ميتشل بليتنيك، في مجلة ريسبونسبل ستيت كرافت، سلوك إدارة بايدن، تجاه فلسطين، قائلا: إن العلاجات المؤقتة التي قد يتلقاها الفلسطينيون، تعكس حقيقة أن واشنطن ليس لديها فكرة عما يجب أن تفعله لحل القضية الفلسطينية”، معربا عن أسفه بشأن عدم اتخاذها الخطوات التي كان بإمكانها اتخاذها للتصدي للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، مشيرا إلى أنه تم تجاهل مشروع قانون اقترحه النائب الأمريكي آندي ليفين، روقة لحل الدولتين، على الرغم من أنه يتماشى تمامًا مع سياسات بايدن المعلنة. لذلك، خلص إلى أنه بصرف النظر عن بعض المكاسب الرمزية، قد تجعل الزيارة الفلسطينيين ينتهي بهم الأمر في وضع سياسي أسوأ مما هم عليه.
وفيما يتعلق بالجولة بشكل عام، يجب الاعتراف بالانتقادات التي طالتها. ولاحظ بيكر، أنه حتى قبل التأكد من صحتها، أثارت نوايا بايدن حول زيارة المنطقة موجات من الانتقادات، ووصفها النائب الديمقراطي تيم كين، بأنها فكرة سيئة حقًا، وأقر ريتشارد دوربين، النائب بمجلس الشيوخ، بأنها تحمل مشاعر مختلطة بين الأمل والإحباط. وبالمثل، أشار ثارور، إلى أن عملية التقارب، مع السعودية، أثارت قدرًا لا بأس به من الانتقادات اللاذعة في واشنطن. وأكد تريتا بارسي، من معهد كوينسي لفن الحكم، أنه غير مقتنع، بأنها ستخفف العلاقات المتوترة، وأنها أشبه ما تكون بحزمة إسعافات أولية للجرح الغائر الذي باتت تعاني منه العلاقات الأمريكية السعودية.
ولمواجهة مثل هذه الانتقادات، وصف العديد من المراقبين جولة بايدن في الشرق الأوسط، بأنها انعكاس لممارسة نظرية الواقعية السياسية في مضمار العلاقات الدولية. وأشار ثارور، إلى أنه في حين أن زيارته إلى المملكة تعتبر محاولة لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية السعودية، فإن إدارته باتت تنتهج منعطف السياسة الواقعية، خلال الاضطرابات الجيوسياسية. ومع تأييده لانخراط بايدن مباشرة مع دول مجلس التعاون لمعالجة العديد من القضايا المشتركة، فقد أوضح برايان كاتوليس، من معهد الشرق الأوسط، أن الزيارة ضرورية لمضاعفة الجهود الدبلوماسية الرامية إلى استقرار الشرق الأوسط، وتعميق شبكة الشراكات الخاصة بواشنطن. وبالمثل، أوضح دوبويتز، وشابيرو، موافقتهما على حماية واشنطن لمصالحها الاستراتيجية الأساسية المتمثلة في التعاون مع دول المنطقة، بدلاً من ميلهم نحو روسيا والصين.
على العموم، ورغم تأكيد المحللين الغربيين أن زيارة بايدن، الأولى للشرق الأوسط، ستؤثر في نهج واشنطن، تجاه المنطقة في السنوات القادمة، فإن التأثيرات طويلة المدى والجهود الدبلوماسية ستستغرق وقتًا لتثبت جدواها على أرض الواقع. وبالتالي، حذر دوبويتز، وشابيرو، من أن واشنطن يجب أن تكون واقعية بشأن ما يمكن تحقيقه؛ لأنه لا يمكن حل جميع الخلافات الثنائية دفعة واحدة.
ومع ذلك، خلص الباحثان، إلى أنه بالنسبة إلى بايدن، فإن إبرام صفقة مع السعودية وبقية دول الخليج لإصلاح العلاقات، سيجعله في وضع جيد لتعزيز الدعم السياسي الداخلي داخل الكونجرس؛ حيث يرى الأمريكيون أن هذه العلاقة الحيوية مع دول المنطقة تستحق الحفاظ عليها، ومن ثمّ، ربما تؤدي الزيارة إلى إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج. ومع ذلك، يرى بليتنيك، أن زيارته إلى الأراضي المحتلة، تفتقر إلى الجوهر وبعيدة عن توجيه أية إدانة تجاه انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين، ومن ثمّ، يتوقع المحللون أنها لن تقدم شيئًا في قضية إقليمية لطالما طال أمد تسويتها.