الرئيسة \  واحة اللقاء  \  زيارة روحاني للعراق: حسابات الحقل وحسابات البيدر

زيارة روحاني للعراق: حسابات الحقل وحسابات البيدر

21.03.2019
صادق الطائي


القدس العربي
الاربعاء 20/3/2019
عدت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق في 11 مارس الجاري التي استمرت ثلاثة أيام من التحركات الدبلوماسية التي أثارت الكثير من اللغط والتحليل والتوقعات والتوقعات المضادة. ففي البدء جاءت وقائع الزيارة غريبة بعض الشيء عن السياقات الدبلوماسية المعتادة لزيارة الرؤساء للدول الصديقة، إذ وبحسب مصدر مطلع، فإن وزير التجارة محمد هاشم العاني كان هو من استقبل روحاني والوفود المرافقة له، في مطار بغداد، ولم يكن في الاستقبال نظير روحاني الرئيس العراقي برهم صالح.
كما قام الرئيس روحاني بدوره بالتوجه الى مرقد الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد في مدينة الكاظمية لأداء الزيارة قبل بدء مراسم استقباله الرسمي من رئيس الجمهورية برهم صالح في قصر السلام. كما انهى روحاني زيارته الاولى للعراق التي عدها البعض تاريخية، بزيارة المرجع الأعلى للشيعة في العراق السيد علي السيستاني في مقر إقامته في النجف، وبذلك يكون الرئيس روحاني قد أطر زيارته الرسمية بقوسين من الاداء الطقوسي الديني بزيارة المراقد المقدسة في البدء واختتمها بزيارة المراجع الدينيين، بينما جاء متن الزيارة منصبا بشكل كامل على العلاقات الاقتصادية والسياسية، ومحاولة الابتعاد عن الجانب العسكري من العلاقات بين البلدين.
وقد اعتبر التيار السياسي العراقي المقرب من إيران زيارة الرئيس روحاني تحركا غايته البحث عن تقوية أواصر العلاقة بين البلدين، والاستفادة من العقود الاقتصادية التي تم توقيعها لتحسين مستوى الخدمات المتردي في العراق. أما ما قدمه العراق لجارته عبر العقود التي تم توقيعها، بحسب رأي هذا التيار فرأى فيها وقوفا مع صديق يمر بمحنة عصيبة، نتيجة العقوبات الاقتصادية الامريكية، ونوعا من رد الجميل للدولة التي وقفت مع العراق إبان حربه ضد عصابات داعش الارهابية. وتحدث سياسيون عراقيون مقربون من إيران، تعليقا على ما تم إنجازه من اتفاقات، بالقول بإمكانية استفادة الطرفين من العلاقات الثنائية، بشكل ندي ومجدٍ، خاصة على مستوى الاقتصاد، فقد تحدث الناطق باسم ائتلاف دولة القانون عباس الموسوي في ندوة حوارية، عن مناطق صناعية مشتركة بين العراق وايران، وتسهيلات كمركية على مواد خام تستخدم في الصناعات العراقية، سيكون من شأنها أن تنشط قطاعات إنتاجية عراقية واسعة. وربما كانت هذه المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران التي تم توقيعها منتصف السبعينيات، التي تم بموجبها ترسيم الحدود بين ايران والعراق، الذي انقلب على هذه المعاهدة أبان الحرب العراقية الايرانية في سبتمبر 1980. وقد اثير موضوع اتفاقية الجزائر بشكل غائم في زيارة الرئيس روحاني ولقاءاته بالرئاسات الثلاث، ولم تتضح أبعاد الموضوع بشكل واف حتى الآن. بينما جاءت كل التأكيدات على الجوانب الاقتصادية التي تضمنت مناقشة أكثر من 12 ملفاً وقطاعاً مشتركاً، تمت مناقشتها وفق مراقبين بعيداً عن نمط العلاقة السابق بين الدولتين، الذي كان يقوده الجنرالات وزعماء الفصائل المسلحة بشكل ثنائي بعيداً عن الاتفاقيات الرسمية.
لكن استهجان الشارع العراقي انصب على عدة نقاط مفادها أن هذه الاتفاقات رغم ادعائها تحقيق مصلحة الطرفين، الا ان واقع الحال يشهد حاليا وسيشهد مستقبلا طوفانا من الصادارات الايرانية في القطاعين الصناعي والزراعي مقابل فقر صادرات العراق بالمقابل، وبالتالي فإن رفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين للوصول الى عتبة 20 مليار دولار سنويا، لن يمثل إلا استثمارات ستسند الاقتصاد الايراني، الذي شهد تراجعا واضحا نتيجة العقوبات الامريكية التي فرضت على ايران بعد انسحاب ادارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي.
لذلك، اعتبر أنصار التيار المناهض للنفوذ الايراني في العراق زيارة الرئيس روحاني للعراق نوعا من الالتفاف على العقوبات الامريكية المفروضة على ايران، وتحميل الاقتصاد العراقي، الذي يعاني الكثير من المشاكل، أعباء كبيرة سيتم بموجبها استقطاع اللقمة من فم المواطن العراقي لتقديمها لإيران، كما نبهوا لخطورة استعمال العراق قنطرة تمرر ايران المحاصرة امريكيا عبرها صفقاتها المريبة مع العالم. وقد قرأ منتقدو الزيارة كل العقود والصفقات التي تم توقيعها على انها ابتزاز إيراني وفرض سطوة وتكريس نفوذ يتم بعلم صناع القرار الامريكي الذين عملوا على تسليم العراق لايران.
لكن القراءة الامريكية للزيارة الرسمية للوفود الايرانية للعراق من جانبها، يمكن قراءتها عبر تصريحات ممثل أمريكا الخاص لشؤون إيران، برايان هوك، ففي تصريح اعلامي محرض ضد الزيارة قال هوك:"على العراقيين أن يتساءلوا عن دوافع زيارة رئيس إيران لبلادهم؟". وأضاف أن: "الحكومة الإيرانية لا تضع الشعب الإيراني نفسه على سلم أولوياتها، فلماذا سيضع روحاني رفاهية الشعب العراقي على سلم أولوياته؟". كما بين برايان هوك في حوار تلفزيوني بقوله: "إذا كان الأمر يتعلق بأمن وسيادة واستقرار العراق فإن إيران ليست المرتجى، إذ تريد إيران فتح طريق عسكري سريع عبر شمال الشرق الأوسط لاستخدامه من قبل الحرس الثوري في نقل الصواريخ والأسلحة والمقاتلين، وبالمحصلة فإن إيران تريد تحويل العراق لمحافظة إيرانية".
قرأ المتفائلون زيارة روحاني للعراق على أنها فتح لصفحة جديدة من العلاقات الإيرانية العراقية القائمة على أسس السياسة والاقتصاد
من جانب آخر قرأ المتفائلون زيارة روحاني للعراق على أنها فتح لصفحة جديدة من العلاقات الإيرانية العراقية القائمة على أسس السياسة والاقتصاد، والمبتعدة عن سطوة العسكر والميليشيات والسلاح، وقد سرب الكثير من التلويحات التي تشير إلى إقالة الجنرال قاسم سليماني في شكل إحالة على التقاعد، ومراسم توديع رسمية، والغرض غير المعلن من ذلك كما وصفه المتفائلون هو"دخول العلاقات الإيرانية العراقية من الباب، وإغلاق شباك تدخلات الحرس الثوري الايراني في العراق. ويبدو أن النقطة الاكثر غموضا في تلافيف الزيارة التي وصفت بالتاريخية للرئيس روحاني للعراق، تمثلت في ما وصفته بعض وسائل الإعلام بـ" إقالة الجنرال قاسم سليماني". فقد وصفت الاجراءات التي تمت بحق سليماني بأنها ذات صفة "توديعية"، فقد قلّد المرشد الايراني السيد علي خامنئي، وقبل ساعات من وصول الرئيس الإيراني إلى بغداد، الجنرال قاسم سليماني وسام ذو الفقار، الذي يعد أرفع الأوسمة في إيران، كما جاء في نص تهنئة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لسليماني تعبيره عن "تقديره للجهود والتضحيات التي قدمها سليماني والمحاربين" معتبرا أن تلك "الجهود انتهت إلى استتباب الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة".
كما جاءت نتائج مقابلة المرجع الاعلى للشيعة في النجف السيد علي السيستاني للرئيس روحاني خلال لقائهما، بمفاجآت، فقد رفض السيد السيستاني قبل ذلك مقابلة الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد أبان زيارته للعراق، لكنه وافق هذه المرة على مقابلة الرئيس البعيد عن التيار المتشدد، المحسوب على التيار الاصلاحي في اشارة قرأها المراقبون على انها توجه ثابت لمرجعية النجف التي تدعم الاعتدال وترفض التشدد في الاداء السياسي. كما قال السيد السيستاني للرئيس الإيراني بحسب البيان الرسمي الصادر عن مكتب المرجع الاعلى في النجف إن "السيادة العراقية يجب أن تحترم، ويجب أن تبقى الأسلحة في يد الدولة"، في إشارة ضمنية إلى الفصائل المسلحة التي تدعمها إيران وتحظى بنفوذ متزايد. وأفاد بيان مكتب السيد السيستاني أنه رحب "بأي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه.. على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".. وأضاف أن "أهم التحديات التي يواجهها العراق هي مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة وحصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الأمنية".
فهل سيحظى العراق بعلاقات متوازنة مع جارته الاكثر تأثيرا في وضعه الداخلي في مقبل الايام؟ أم ستسعى الاطراف المناوئة للنفوذ الايراني في العراق الى تقويض اي نوع من العلاقات مع الجارة الشرقية حتى إن اتسمت بغلالة العقلانية؟ وهل هناك سعي حقيقي لانهاء سيطرة جنرالات الحرس الجمهوري على مسالك العلاقات بدول الجوار؟ أم هي مناورة مؤقتة غايتها ترميم ما تصدع من الاقتصاد الايراني نتيجة العقوبات؟ كل ذلك بات متروكا لما ستؤول له الاتفاقات التي أبرمتها الوفود الايرانية التي صحبت الرئيس روحاني في زيارته التاريخية.
كاتب عراقي