الرئيسة \  مشاركات  \  سجل يا تاريخ

سجل يا تاريخ

21.01.2014
وليد فارس


حمص المحاصرة
وفي منتصف شهر كانون الثاني من العام 2014وافق الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على حضور جنيف اثنين, وجهاً لوجه لأول مرة وبشكل رسمي ورعاية أممية مع نظام الأسد, النظام الذي انتهك حرمات الشعب دماً و أرضاً وعرضاً ومالاً, بمساندة إيران وحزب الله على الأرض وبرعاية ودعم روسيين.
وفي نفس التاريخ, وعلى أرض محافظة حمص, كان ثمة أربعة مناطق خاضعة لحصار كامل وشامل, وانقطاع في الخدمات طيلة أشهر عديدة وأيام مديدة, الأولى هي أحياء مدينة حمص المحاصرة, وكانت تحوي أكثر من عشرة ألاف مدني من السوريين (المسلمين والمسيحيين), وقد مر على حصارها مايقارب الستمائة يوماً وليلة, والثانية هي منطقة الزارة وقلعة الحصن اللتان تضمان أكثر من عشرين ألف مدني, ومضى على حصارهما أكثر من عام وربع, والمنطقة الثالثة هي منطقة الوعر التي يزيد عدد سكانها عن مائتين وخمسين ألف, ومضى على حصارها ثلاثة أشهر, وفوق كل هذه المناطق أحياء مرتهنة بيد النظام يقطعها بالجدران الأسمنتية, ويعتقل منها من شاء, ويذل من شاء, ويغتصب ويختطف من شاء.
وقريباً من هذه المناطق, أحياء وقرى مضى على "تطهيرها" كما يدعي النظام, أكثر من عامين كاملين, كأحياء بابا عمرو والبياضة ووادي العرب والنازحين وكرم الزيتون وباب السباع والمريجة وجب الجندلي, وأخرى أكثر من ستة أشهر كقرى البويضة والمباركية والقصير, ولم تعد إليها إلا بضع عائلات, بل وإن منها من سكنها غير سكانها, وغير طوائفها,..لقد كانت هذه المناطق هدية مجانية للشبيحة وأهلهم, وعنواناً عريضاً في سير النظام نحو تغير المعالم الديمغرافية للمنطقة كلها.
وبتاريخ التاسع عشر من شهر كانون الثاني, كان النظام قد جهز حملة عسكرية واسعة, شارك فيها جيش النظام وحزب الشيطان وقوات الشبيحة من مناطق طرطوس وريفها, واتجهت هذه القوات نحو منطقتي الزارة وقلعة الحصن اللتان أنهكهما الجوع والتعب, وصار أبناء تلك المناطق يأكلون أوراق الشجر, في حين أن أحياء حمص لم تعد تجد من الشجر حتى أوراقه لتأكله, وسجلت حتى تاريخه أكثر من عشرة حالات وفاة بسبب الظروف الغذائية للمحافظة.
وفي نفس التاريخ (منتصف شهر كانون الثاني) أرسل أبناء حمص وغيرها من المناطق نداءات الاستغاثة لأعضاء المعارضة, وكتلها المختلفة يستعينون بهم, أن أغيثونا بما يبقينا على قيد الحياة.
وبتاريخ التاسع عشر من شهر كانون الثاني للعام 2014احتشدت قوات من الجيش والشبيحة غرب أحياء حمص المحاصرة, تجهيزاً لاقتحامها, وأتت التحضيرات العسكرية بعد مقتل أكثر من ستين شاباً في أحياء حمص, كانوا يحاولون أن يحضروا الطحين لسكان حمص بعد أن أكلوا القطط والكلاب جوعاً, وكان الشاب بينهم يأكل وجبة في اليوم وأحياناً قد لا يجدها, وكانت المرأة تخرج من بيتها طيلة اليوم فلا تجد ما يسكت جوع أبنائها إلا أقراص المنوم.
فقرة من كتاب: تاريخ حمص الإصدار الأول العام...دار الحرية للنشر
نعم سيسجل التاريخ هذا, وسيسجل التاريخ ما ستأتي به الأيام القادمة التي تعتبر مرحلة مفصلية في تاريخ سورية, وإن لحمص تاريخاً يكتبه أبطالها الآن, وللحق والتاريخ سيقول أبناء حمص كلمتهم الأخيرة بعد أن قالوها مراراً وتكراراً أنه لا تنازل عن ثوابت الثورة ولو علت كلفتها, وإن حمص لأهل حمص ولو اجتمع العالم على غير ذلك, وإن الموت جوعاً أو قتلاً مرة واحدة, أهون بألف مرة من الموت ذلاً للعيش مع نظام لا يعرف إلا الخداع والكذب والقتل, وإن العالم الذي اجتمع اليوم, يقول عنترة بن شداد, الشاعر العربي الذي خلد ذكره التاريخ:
ولقد أبيت على الطوى وأظله.......حتى أنال به كريم المأكل
وإن الثورة مستمرة, والأبطال لا يموتون لأن أعمالهم لا تموت, وغيرهم ينساهم التاريخ وتنساهم شعوبهم في أحسن الأحوال.
الوَقتُ يَمضِي، وَالحَياةُ بِنَا تَسِيرْ
وَسُؤالُنَا يَبقَى لِمَن قَرأَ السُّطُورْ:
مَنْ يَا تُرَى؟
مَن يَكتُبُ الفَصْلَ الأَخِيرَ
لِقِصَّتِي..