الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سحْق سوريا

سحْق سوريا

01.05.2014
د. خالص جلبي


الاتحاد
الاربعاء 30/4/2014
الشعب السوري في رحلته إلى الحرية يشبه عبور بني إسرائيل البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، بفارق أن موسى وعصاه ليست برفقة عشاق الحرية الحاليين، فماذا يحصل إذن؟
حين يتفقد المنشق "حازم نهار" وضع المعارضة السورية، فهو يرى أن برج بابل من الأصوات المتناقضة والمتنافسة يودي بالجميع، وأن الوضع بات كما أراد النظام: "معارضة مفككة ومنقسمة على مسائل لا أساس لها في الواقع". وخلف كل هذا آفتان: تصحر المجتمع السوري لنصف قرن، والتسلح والاحتراب.
أمام سوريا إذن بعد الخلاص من نظام الأسد رحلة طويلة لاستعادة مرونة المفاصل ونظافة العقل وطهارة الضمير؛ بل أمام الشعب السوري مهمة التخلص من فريقين خطرين جداً متقابلين متواجهين، القبوريين والتكفيريين. نسختان متشابهتان كلاهما تظن أنها الأفضل، أناس شكلهم بشري، ولسانهم إلهي، يعتقدون أنهم الممثل الشرعي الوحيد لله، بإضافة اسم الجلالة لاسم تنظيماتها، مثل "حزب الله"! ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
أما بقاء النظام، وترقيع معارضة ضعيفة قد تصبح ذنَباً للنظام، فذلك ما سماه أحد الكتاب "معارضة ورقة التين" التي تغطي عورة النظام.
وحين يصف "ديفيد ليش"، صاحب كتاب "سقوط مملكة الأسد"، النظام البعثي الطائفي، يذكره بما يلي: "نظام الأسد رمز للركود والسيطرة، وهو ليس مصمم للاستجابة لمطالب الناس، بل للسيطرة على مطالب الناس، إنه نظام مصمم ليس للقيام بالإصلاحات، بل مصمم للحفاظ على الوضع والبقاء، والإصلاح الأعمق والأسرع يعني نهاية النظام، كما أن الإصلاح السريع يعني العمل ضد الغرائز الأساسية للنظام الأبوي المتسلط".
لقد ضل الأسد طريقه في مكان ما أمام غطرسة القوة، وحسب أيمن عبد النور، فإن مَن حوله نفخوا فيه "الأنا" لديه حتى تغير كلياً.
من اللافت للنظر أيضاً أن المسافة الزمنية بين تولي الأسد الأب والابن، وبين حفلات التدمير كانت 12 سنة على وجه غريب؛ فالأب مسح نصف مدينة حماة، وكان خطأ منه أن لم يدمرها كلية ويزيلها من الوجود، كما فعل روما مع قرطاج بعد معركة زاما؛ فهي مخالفة شنيعة لقانون روبرت غرين الذي ينص على سحق العدو كلية حتى لا يبقى جمر تحت الرماد لحريق قادم في المستقبل ونفوس مستعدة للثأر ولو بعد حين. أما الابن، فكان ابن أبيه فعلاً، فإذا كان الأب بعد استتباب الأمر له بعد عقد ونيف، مسح مدينة، فالابن يقوم بتدمير البلد كله!
يقول "روبرت غرين" في كتابه "القوة": "لقد عرف كل القادة العظام أن العدو المرهوب يجب سحقه بصورة كاملة، وكانوا يتعلمون ذلك أحياناً بالطريقة الصعبة والتجربة المريرة؛ فإن أنت تركت جمرة واحدة مشتعلة مهما كان احتراقها داكناً خافتاً، فإن ناراً ستندلع منها آخر الأمر. فالتوقف في وسط الطريق يؤدي إلى خسارة ما هو أكثر مما لو كانت الإبادة كلية، فالعدو سوف يتعافى، وسيبحث عن الانتقام فاسحقه، لا جسدياً فحسب، بل في الروح كذلك".