الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سر أميركي - تركي

سر أميركي - تركي

19.10.2014
مصطفى زين



الحياة
السبت 18/10/2014
فشل الرهان التركي على "الربيع العربي" (لم يعد أحد يستخدم هذا التعبير). غامر الرئيس رجب طيب أردوغان بكل رصيده. حاول استغلال التحولات الكبرى، وضعف الدول العربية وشرذمتها، وخلافاتها التي وصلت إلى حدود التحالف مع القوى الغربية. شارك في تدمير دول (سورية والعراق وليبيا أفضل مثال). استخدم البعد التاريخي للإسلام السياسي العثماني، مستعيداً أمجاد السلطنة كي يعمق تحالفاته مع "الإخوان" العرب. اعتمد نخباً عربية ترى في تركيا نموذجاً للديموقراطية والتقدم، فضلاً عن حاجة الولايات المتحدة إلى هذا النموذج لتوثيق علاقاتها مع الإسلاميين ("الإخوان") الذين أبدوا كل استعداد للتعاون وإرساء "الديموقراطية" المطلوبة، ثم تشكيل تحالف مع الأطلسي في مواجهة المحور الروسي - الإيراني.
تجسد هذا الفشل التركي في تونس التي اختارت طريقاً آخر غير طريق "إخوان" الغنوشي. وأصبحت هي النموذج الذي ينشده من نزل إلى الشارع مطالباً بالتغيير. وتجسد في ليبيا التي أصبحت نهباً للميليشيات المتناحرة، وفي سورية، حيث الحرب الأهلية تكاد تقضي على آخر صورة للدولة. كما تأكد الفشل في مصر المتعثرة في استعادة دورها العربي والأفريقي، من خلال إقصاء الإسلاميين الحالمين بخليفة بربطة عنق ملونة، ومن دون عمامة "الخليفة" إبراهيم البغدادي.
لكن كل ذلك لم يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في سياساتها. فما أن انتخب أردوغان رئيساً للجمهورية حتى عين منظّر العثمانية الجديدة أحمد داود أوغلو رئيساً للوزراء، ليستكمل هذا الثنائي مسيرته في العداء للعرب، بمساندة من "الإخوان" في مصر والعراق وسورية، فضلاً عن دعمهما "الدواعش" أينما كانوا، خصوصاً في بغداد ودمشق. وعندما لم تعد الولايات المتحدة تستطيع التغطية على هؤلاء "الدواعش"، وقررت تشكيل تحالف لمواجهتهم، بعدما اقتربوا من الخطوط الحمر، أي من إقليم كردستان وآبار النفط، اختار أردوغان أن يكون جزءاً من التحالف لكن بشروط، منها أن تكون أنقرة مركز القرار. وأن تضطلع بمهمة تشكيل "جيش سوري" لإسقاط الأسد، والإشراف على بناء "سورية الجديدة"، أو تحقيق الحلم القديم في ضم حلب التي نُقلت كل مصانعها إلى أراضي الدولة العلية.
الولايات المتحدة التي عولت في السابق على تركيا، أيام الحرب الباردة، لمواجهة الاتحاد السوفياتي والمد القومي واليساري العربي، ما زالت في حاجة إليها في مواجهة موسكو وطهران، فأسرعت لاسترضائها وإعطائها بعض الدور الذي تطالب به في سورية والعراق. ويبدو أن واشنطن وأنقرة اتفقتا على هذا الدور، إذ أكد الناطق باسم البنتاغون الأميرال جون كيربي أن المفاوضات بينهما كانت "جيدة جداً جداً". لكنه لم يوضح ماهية هذا الدور. بل اكتفى بالقول إن هناك "مساهمات يمكن لأنقرة المشاركة فيها، ولن أستبق الأمور في ما قد تفعله أو لا تفعله".
هذا السر الذي تحتفظ به واشنطن قد يكون في الدور العسكري العملي لتركيا. أما الهدف فأفصح عنه أردوغان في خطبه قبل أن يصبح رئيساً وبعدما تولى سدة السلطنة. وهو هدف قديم جديد: الهيمنة على العالم العربي عبر تدمير دوله. أداته في ذلك الإسلاميون، متطرفين أو معتدلين. من هنا تمسكه بإقامة منطقة عازلة في سورية، ودعمه "داعش"، على رغم ادعائه محاربة هذا التنظيم. فهل تسير الأمور كما يخطط؟
من السهل شن الحروب لكن وضع حد لها قد لا يخدم أهدافها. ولا شيء يمنع من انتقالها إلى داخل تركيا، فأكرادها وعلويوها قنابل موقوتة.