الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ســــــوريـــــة : مــن الــربيـع … إلـى العاصفة …! ( 9 )

ســــــوريـــــة : مــن الــربيـع … إلـى العاصفة …! ( 9 )

18.04.2013
حبيب عيسى

كلنا شركاء
الخميس 18/4/2013
( 41 )
              كما كانت الهوية الوطنية العربية راية المناضلين لمقاومة التتريك ، ومن ثم مقاومة “الكنتنة” الطائفية التي حاولها الاستعمار الفرنسي في جبال الساحل السوري ، فقد كانت الهوية الوطنية العربية هي راية المناضلين في سائر أرجاء سورية ، فبالتزامن مع تلك المواقف النضالية الوطنية في الساحل باعتبارها واجهت الاستعمار الفرنسي مبكراً كانت المواقف النضالية الوطنية تتواتر من أرجاء سورية فمن جبال الجولان ، ومن جباتا الخشب تحديداً رفع المناضل الثائر أحمد مريود راية الثورة في وجه المستعمر الفرنسي حيث يقول : (بسم الله العلي القدير المنتقم الجبار نعلنها عالية مدوية كلمة الثورة : لا للهيمنة العثمانية لا للاستعمار الغربي الفرنسي البريطاني لا للوصاية الأمريكية ولكل أشكال الهيمنة الأجنبية ونقولها صريحة مباركة كلمة الثورة : نعم لوحدة بلاد الشام … نعم للوحدة بين سورية ومصر … نعم للوحدة العربية الشاملة تأتي تتويجاً لكفاحنا … بسم الله العلي القدير المنتقم الجبار نعلن الثورة ونواصل جهادنا …نواصل ثورتنا حتى الشهادة وتحقيق النصر .) هذا ماقاله أحمد مريود في جباتا الخشب عام 1920 وهويقاتل الفرنسيين في الجولان وجنوب لبنان ويقاتل الأنكليز في شرق الأردن بعد أن كان قد حمل السلاح في مواجهة التتريك وهو يردد : (العرب أمة واحدة لزم توحيدها ولو وقفت قوى الأرض دوننا ) تلك كانت مسيرة “أبوحسين” أحمد مريود ابتداء من جمعية “العربية الفتاة” وإلى تأسيس جريدة الجولان الأسبوعية في القنيطرة ، ثم إلى مقاومة العثمانيين وقضاء فترة الحرب العالمية الأولى في سجن عاليه ، ثم مقاومة الفرنسيين في جبل عامل والجولان وقتال الإنكليز في شرق الأردن ثم العودة للاستشهاد في جباتا الخشب بالجولان إثر معركة مع الاستعمار الفرنسي عام 1926 ليلتحق برفيق نضاله في جمعية “العربية الفتاة” يوسف العظمة الذي سبقه إلى الشهادة على بطاح ميسلون .
( 42 )
             لقد كان النضال من أجل الحرية مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالهوية الوطنية العربية بينما كان الارتهان لقوى الطغيان يرتبط بالفتن الطائفية والعرقية والمذهبية ، وإذا كنا قد أشرنا إلى الفتنة المذهبية التي حاولها الاستعمار الفرنسي في بانياس الساحل بين المواطنين المسلمين من “العلويين والسنة” وكيف واجهها الوطنيون هناك ، فإننا نواجه هنا في الجولان وفي ذات المرحلة التاريخية مواقف تكاد تكون متطابقة ، فقبيل هزيمة الأتراك حاولوا إشعال نار الفتنة في الجولان بين مواطنين من “الشراكسة والدروز” ، وقد حاول أحد الطرفين إستمالة السيد موسى مريود والد أحمد مريود للاشتراك في الهجوم على الطرف الآخر مستخدماً لغة التهديد ، بمعنى إذا لم تقاتلوا معنا سنقاتلكم معهم ، فاستأذن المناضل أحمد مريود والده بالحديث حيث خاطبهم قائلاً : ( لو كانت بنادقكم مشرعة باتجاه العدو لرأيتم بنادقنا جاهزة قبل بنادقكم ، ولو كان رجالكم ذاهبون لملاقاة العدو لوجدتم رجالنا يتسابقون على الموت من أجل الوطن وكرامته. والتاريخ يشهد أن آل مريود أهل نخوة في الحرب على العدو ، وأهل نخوة للأهل ، فأنتم أهلنا ، وهم أهلنا . يا أهل الجولان كلنا من جلدة واحدة وأبناء منطقة واحدة … عودوا إلى عقولكم فلا تكونوا السبب في الفرقة وسفك الدماء البريئة .) ، ثم ، وبعد نزاع مرير … لجأ الطرفان إلى المقاوم أحمد مريود يطلبون الوساطة ، وبجهود لا يزال أهل المنطقة يذكرونها تمكن البطل الوطني من بسط روح الألفة والمحبة بين الجميع وقال لهم : ( إن الوطن بحاجة إلى كل قطرة دم ، وإلى كل حبة عرق ) ، وبالفعل عندما دعاهم للثورة بعد ذلك عام 1919 كانوا جميعاً ومعاً جنودها المخلصين وثوارها الأشاوس فسقوا بدمائهم الزكية تراب الجولان والعرقوب … إن المشهد هنا يكاد يكون مطابقاً تماماً للمشهد في بانياس الساحل وموقف الشيخ سليمان أحمد ، والذي أشرت إليه في الحلقة السابقة … كم نحن الآن بحاجة لمقولة الحكمة تلك  : ( أنتم أهلنا … وهم أهلنا …) .
( 43 )
                 لقد أشرنا إلى ما سبق من وثائق على سبيل المثال ، وليس على سبيل الحصر ، فتلك المواقف الإيجابية تكررت في كافة المناطق ، وبين مختلف أطياف الشعب في سورية ، وأبطال تلك المواقف لا يمكن حصرهم نذكر منهم : خير الدين الزركلي وصبحي العمري وأسعد داغر ومحمد عزة دروزة وعلي خلقي ومحمد علي العجلوني وتيسير ظبيان وأحمد قدري وسعيد العاص ومحمود الفاعور وعبد الله الطحان ومحمود الهندي وعثمان قاسم وسعيد عمون وفوزي القاوقجي وعز الدين القسام وابراهيم هنانو والأمير عز الدين الجزائري وعادل ارسلان وكامل العاصي وإبراهيم قيس وزعل السلوم وخليل بصلة واحمد بارافي وصبري العسلي وسعيد عدي ونجم الدرزي ورمضان الأفكح وشكيب وهاب وعبد الحليم الجردي وسليم عبد الصمد وأبو سليمان القطناوي وزكي بك الحلبي وشوكت بك العائدي وأبو علي شفيق عمر باشا وحسن الخراط والشيخ حجاز إضافة إلى العشرات من الرموز المناضلة المقاتلة التي كانت تنهل من الهوية الوطنية العربية لمقاومة سياسة “الكنتنة الطائفية” والعرقية التي يغزيها الطغاة من الغزاة ، ومن الذين يتعاملون معهم ويخدمون أجنداتهم من الداخل ، والذين كانوا أكثر خطراً من الغزاة أنفسهم  .
( 44 )
                   وإذا كان الحديث هنا يقتصر على المناضلين الذين يحملون السلاح فإن الفصيل الآخر من المناضلين الذين يخوضون غمار النضال السياسي والعصيان المدني لم يكن أقل شأناً ذلك أن الثورة على العموم لا يمكن أن تحلق إلا بجناحيها السياسي والعسكري يتكاملان ولا يتناقضان ، وهكذا كان الثوار في مختلف مواقعهم المقاتلة والمدنية يناضلون لإعلاء قيم المواطنة والمساواة في مواجهة أجندات الاحتراب الأهلي تحت أي مسمى كان ، وهكذا كانت السيرة الذاتية للمناضلين متشابهة في المواقف من قضية الهوية الوطنية العربية فهذا بطلنا سعيد العاص على سبيل المثال يبادر إلى تأسيس “جمعية العهد” برئاسة المقدم عزيز المصري والتي تضم الضباط العرب من مختلف الأقطار العربية ثم يخوض غمار معركة ميسلون مع رفيق نضاله يوسف العظمة ثم ينتقل إلى اللاذقية ليلتحق بالانتفاضة الفلاحية ضد الفرنسيين بقيادة عمر البيطار في منطقة الحفة وليتعرف هناك على الشيخ عز الدين القسام (والذي سيكون من نصيب سعيد العاص أن يستشهد معه لاحقاً عند مشارف القدس عام 1936 )، ثم ينتقل سعيد العاص ليلتحق بثورة الشيخ صالح العلي حيث يقاتل معه حتى المعركة الأخيرة في العمرانية التي ماكادت تنتهي حتى انطلقت ثورة جبل الزاوية بقيادة ابراهيم هنانو فغادر سعيد العاص الجبال الساحلية متخفياً من الفرنسيين قاصداً الالتحاق بهنانو وكان عليه أن يمر بموطنه الأصلي حماه لاستنفار الهمم الوطنية لكن الفرنسيين قبضوا عليه هناك إلى أن تمكن من الفرار من السجن باتجاه شرق الأردن … ومع انطلاقة الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش التحق بالثورة فوراً في جبل العرب ثم انتقل إلى جباتا الخشب يقاتل مع أحمد مريود ثم إلى الغوطة ثم إلى القلمون ثم إلى حماه وحمص وهنا نعثر على كتاب من القيادة العامة للثورة الوطنية السورية رقم 129 جبل الدروز 14 كانون الأول سنة 1925 جاء فيه : (حضرة القائم مقام سعيد بك العاص المحترم بالنظر إلى تشوف إخواننا أهل حمص وحماه ونواحيها إلى الاشتراك في إنقاذ الوطن وإلى ضرورة توسيع دائرة الثورة إلى تلك الجهات وإلى وجود رهط من الشبان الوطنيين … وبناء على كونكم أثبتم تفانيكم في هذا الجهاد الوطني فقد عيناكم قائداً لحملة حمص وحماه على أن تصرفوا وإخوانكم المتوجهين إلى تلك الجهة جميع المساعي لتوسيع دائرة الثورة وتنظيم أمورها ، ومنع كل اعتداء يقع في غير محله على أحد من أبناء الوطن وعلى أن يكون ارتباطكم بقائد الجبهة الشمالية القائم مقام محمد بك اسماعيل  … والله تعالى يوفقكم وجميع المجاهدين . قائد جيش الثورة السورية سلطان الأطرش )  وما كاد الخبر يصل حماه حتى أرسل الأمير عادل أرسلان أحد قادة الثورة رسالة إلى سعيد العاص يقول فيها : ( أخي : السلام عليك ورحمة الله …أخبرك بناء على اجتماع من وطنيي حماه مدينتكم المعروفة بعربيتها وعروبتها وحميتها هم عازمون مع إخواننا الحمصيين أهل النجدة والثبات على خدمة الوطن وتحريره من هذا الذل … وبهذه المناسبة ألفت نظرك لمسألة هي أن العلويين مستعدون للقيام إذا ظهرت الثورة بجوارهم ، فأنتم تقدرون اشتراكهم وعليه يقتضي اتخاذ جميع الوسائل لذلك . إن كثير منهم الآن خارج حماه وإنهم يساعدون بكل قواهم ، ولكن على كل حال لا بد من مراعاة اللابد من أعماله بالتنظيم خصوصاً في مسألة الإعاشة وعدم تحميل الفلاحين ما لايتناسب مع حالتهم المادية وبالختام أدعو لكم بالتوفيق وأرجو إهداء سلامي للدكتور خالد بك وسائر الإخوان المجاهدين والله يحفظهم ) . لقد أوردت هاتين الوثيقتين لبيان الوعي الوطني للثوار العظام فالقائد سلطان الأطرش يؤكد على :( منع كل اعتداء على أحد من ابناء الوطن) ، والقائد أرسلان يؤكد على : ( عدم تحميل الفلاحين ما لايتناسب مع حالتهم المادية ) .
( 45 )
                 وكان لا بد للثوار من فتح معركة طرابلس لقطع الإمدادات عن قوات الاحتلال الفرنسي في حمص ، وهنا أيضاً تبرز قضية الهوية الوطنية العربية لمواجهة التخريب المجتمعي الذي يعمل عليه الطغاة بإثارة النعرات الطائفية بين المواطنين من المسلمين والمسيحيين ، وهنا أيضاً يبرز الموقف الوطني الجامع حيث يوجه القائد سعيد العاص رسالة إلى أهل الضنية جاء فيها : ( إلى إخواننا في الوطن مسيحيي الضنية : إن خطتنا في هذه الثورة هي أن الدين لله والوطن للجميع ، وأن المصلحة الوطنية فوق كل مصلحة . وباستطاعتي أن اؤمنكم على أموالكم وأعراضكم فيما إذا عدتم لأشغالكم وخدمتم وطنكم كإخوانكم المسلمين فلكم ما لهم وعليكم ما عليهم واعلموا أننا إخوان في القومية واللغة والتقاليد والجنس والعادات . ولكم دينكم ولنا ديننا ولا فرق بيننا وبينكم ، ونحن منكم وأنتم منا ، فأدعوكم ، وأنتم أحرار ، إلى الانخراط في صفوفنا إذا أردتم ، وأما إذا أحببتم البقاء على الحياد فأنتم أحرار أيضاً ، فغايتنا استقلال بلادنا وتحريرها من الاستعباد ومنفعتنا في منفعتكم ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه . فأدعوكم يانسل قحطان وعدنان إلى الانضمام إلى إخوانكم والله يحفظكم ) .
             هكذا ارتبطت الثورة من أجل الحرية والاستقلال بالثورة من أجل المواطنة وشد روابط النسيج الاجتماعي …
“وللحديث صلة”