الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سقطت صنعاء.. فما التالي؟

سقطت صنعاء.. فما التالي؟

24.09.2014
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الثلاثاء 23-9-2014
صنعاء في قبضة الحوثيين.. ورئيس الدولة عبد ربه منصور هادي يوقع اتفاقا مع قادة المليشيا الذين يسيطرون على العاصمة ويفرضون شروطهم.. باختصار هذه أول عاصمة عربية تحتلها "مليشيا محلية الصنع"، فهذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها مليشيا محلية من السيطرة على عاصمة وتجبر رئيسا على التوقيع على اتفاق تسوية إذا استبعدنا الانقلابات العسكرية طبعا.
هذا المشهد السوريالي يعد ضربا من ضروب الخيال الهوليوودي الذي تعودنا أن نراه في "الأفلام الأمريكية" فقط، لكنه في اليمن تحول إلى حقيقة، فهذه القوة المسلحة "المتمردة" تمكنت من الزحف إلى العاصمة مع أنها كانت بعيدة آلاف الأميال، ومع أن في طريقها "مضارب" لقبائل أكثر عددا، واستطاعت أن تجتاح كل المناطق وأن تسيطر عليها الواحدة تلو الأخرى، حتى فازت بالجائزة الكبرى.
في الوقت الذي كان يجلس فيه مدير مكتب الحوثي لتوقيع الاتفاقية مع "الرئيس"ن فلم يتنازل زعيم الحوثيين على التوقيع بنفسه على الاتفاق الذي رفض مندوبه التوقيع على ملحقه الأمني، كان مسلحو الحوثي يستولون على رئاسة الحكومة ومقرات الوزارات والإذاعة والتلفزيون والبنك المركزي والمواقع العسكرية ومعاقل الفرق العسكرية "الأولى والرابعة والسادسة" ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة والقوات الجوية ويسيطرون على جامعة الإيمان التابعة للشيخ الإخواني عبد المجيد الزنداني ومقرات حزب الإصلاح "الإخوان المسلمين" ومنازل آل الأحمر والجنرال علي محسن الأحمر، الذين كانوا يعتبرون اقوى رجالات اليمن، بعدما طردوا السلفيين من دماج وفجروا دور تحفيظ القران الكريم التي يديرونها.
هذا المشهد يعني أن الدولة اليمنية قد انهارت وأن السيادة والسطوة الآن في أيدي الحوثيين الشيعة، وأن اليمن صار في "قبضة الحوثيين" وتحت سلطانهم، مما يعني دخول البلاد في مرحلة جديدة عنوانها "استسلام" الدولة اليمنية لميلشيات الحوثيين، فالاتفاق الذي وقع تحت الحراب والبنادق لا يمكن إلا أن يكون "استسلاما" مهما حاول البعض أن يخفف من وطأته، وحتى لو كان تحت رعاية الأمم المتحدة.
لقد استفاد الحوثيون من الوضع الإقليمي لفرض سيطرتهم وإرادتهم، فهم يتمتعون بدعم خارجي كبير من طرفين، احدهما بعيد وجد فيهم نصيرا طائفيا ومخلبا وأداة لتوسيع نفوذه الإقليمي، وطرف قريب اعتبر أنهم يقومون بعمل كبير في القضاء على "الإخوان المسلمين" وحلفائهم، على اعتبار أنه يمكن التعامل مع الحوثيين على قاعدة "المصالح" بدل الاضطرار للتعامل مع الإخوان المسلمين والشيخ الزنداني، مما وفر للحوثيين لحظة تاريخية مناسبة للانقضاض على "الدولة" التي ثبت أنها ليست أكثر من كيان كرتوني من دون أي قوة حقيقية، فقد تبخر الجيش اليمني وسلم مقراته للحوثيين، واختفت القبائل التي كانت تملأ الدنيا صراخا، فلا حاشد بقيت ولا بكيلا، وهي اللحظة التي اغتنمها الحوثيون بكل براعة وسرعة.
اذا أخذنا اليمن في المشهد الكلي للعالم العربي، فإن "القوة الحوثية الشيعية" التي فرضت سيطرتها في جنوب العرب، سبقها فرض تنظيم الدولة الإسلامية سيطرتها في شمال العالم العربي في العراق وسوريا، وسيطروا على الموصل من دون قتال، وهرب من أمامهم الجيش العراقي، وهذا يعني أن العالم العربي بات في كماشة "مليشيات قوية" تغلبت على الدولة في شماله وجنوبه، في ظل انحسار قوة الدولة في الدفاع عن نفسها، مما يعني أننا في بداية مرحلة "ما بعد الدولة" التي أقامها الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أن القوى المتصارعة في المرحلة المقبلة، لن تكون الدولة في مواجهة متمردين أو ثوار أو مسلحين، بل ستكون مليشيات ضد مليشيات كما يحدث في ليبيا والصومال، وكما يحدث جزئيا في العراق "مليشيات شيعية مدعومة حكوميا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وقبلها القاعدة" أو سوريا التي يقاتل فيها "مليشيا حزب الله وقوات الدفاع العلوية المدعومة من النظام الجيش الحر وباقي الفصائل المعارضة"، ويبدو أن هذه النظرية سوف تتسع لتكون سمة للمرحلة المقبلة، الأمر الذي ينذر بانهيار "الدولة" بشكل كامل أو جزئي.. وهذا يدفعنا للسؤال: سقطت صنعاء في قبضة المليشيات الحوثية، فما هي العاصمة التالية؟