الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سقوط القصير وتحول السياسة الأميركية

سقوط القصير وتحول السياسة الأميركية

13.06.2013
د. موسى شتيوي


الغد الاردنية
الخميس 13/6/2013
إن سقوط القصير التي تعد أكبر معقل للمعارضة المسلحة السورية، بأيدي قوات النظام السوري، وبمشاركة قوية من حزب الله، يعتبر نقطة تحول للصراع الدائر في سورية بين النظام والمعارضة. وعلى المستوى العسكري، هناك دلالات وآثار مهمة لهذا الانتصار، من أهمها تمكين النظام من السيطرة على الطريق التي تصله ببقية المناطق، والتضييق على قدرة الجماعات المسلحة المعارضة بالحصول على دعم وإمدادات عسكرية. وثالثاً، وقد يكون الأهم، هو إحكام السيطرة على الحدود السورية اللبنانية، وقطع المعارضة المسلحة، ومنعها من الاستفادة من الحاضنة اللبنانية للمعارضة؛ سواء كان ذلك بتوفير الرجال أو المال، أو الملاذ لهذه الأطراف. وعليه، فإن انتصار النظام السوري يمثل نقطة تحول في الصراع الدائر في سورية.
أما على الصعيد السياسي، فمكاسب النظام لا تقل أهمية عن المكاسب العسكرية. فعلى الصعيد الداخلي، يشكل سقوط القصير عاملاً أساسياً في رفع معنويات النظام والجيش بعد العديد من الهزائم المتتالية، وعلى مدى السنتين الماضيتين. فبعد أن كان الجيش السوري في حالة دفاعية متواصلة، أصبح الآن في حالة هجوم، واستعاد زمام المبادرة في الصراع الدائر في سورية، وأصبح الجيش السوري هو الذي يحدد بشكل أساسي جدول الأعمال العسكرية إلى حد كبير.
أما على المستوى الدولي، فإن سقوط أكبر معقل استراتيجي بأيدي قوات النظام يشكّل ضربة وتحدياً للسياسة الأميركية والأوروبية، والتي كانت متحفظة في دعمها العسكري للمعارضة لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها. وهو ضربة في الوقت نفسه لبعض الدول الإقليمية الفاعلة في تسليح المعارضة، والتي تفضل الحسم العسكري على الحل السياسي للأزمة.
لقد ارتكزت السياسة الأميركية على الدعم السياسي للمعارضة السياسية، والنأي بالنفس عن الدعم العسكري للمعارضة المسلحة، لاسيما أنها أعلنت "جبهة النصرة" منظمة إرهابية. وقد مارست الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضغوطات سياسية كبيرة على النظام لسحب الشرعية منه، وإضعافه داخلياً وخارجياً، ولكن ذلك لم يكن ليؤدي لنتيجة بسبب توفر الدعم الدولي والإقليمي للنظام في سورية. وعلى الصعيد العسكري، فقد كان الدعم محدوداً، ولكن لم تمانع الولايات المتحدة أن تقدم دول الخليج وتركيا دعماً عسكرياً للمعارضة.
لذا، يمكن تلخيص الاستراتيجية الأميركية بأنها كانت تهدف إلى إضعاف النظام سياسياً وعسكرياً تمهيداً لحل سياسي يطلق بدء المرحلة الانتقالية والتحول السياسي في سورية. ولم يكن خيار التدخل العسكري المباشر مطروحاً يوماً على الطاولة ولأسباب كثيرة.
لذلك، فبالقدر الذي شكل فيه سقوط القصير ضربة للمعارضة المسلحة، فإنه شكل أيضاً ضربة للسياسة الأميركية، والأوروبية وحتى العربية؛ إذ إنه إذا ما استمرت إنجازات النظام العسكرية، فستذهب المعارضة وحلفاؤها إلى مؤتمر جنيف بدون أوراق ضغط على النظام السوري. وسيكون موقفها أصعب من فرض شروط تعتبر الحد الأدنى المقبول من المعارضة والمجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق حول المرحلة الانتقالية.
لذلك كله، فإن الإدارة الأميركية الآن منهمكة في إيجاد السُبل، وبشكل عاجل، لدعم المعارضة المسلحة في سورية، حتى تعيد التوازن العسكري من أجل تحسين الشروط السياسية للمفاوضات في مؤتمر جنيف أو ما سوف يتمخض عنه من مباحثات لاحقة. وقد تم حسم الموقف الأميركي باتجاه دعم عسكري للمعارضة، ولكن طبيعة هذا الدعم تخضع لنقاش مكثّف من جانب الإدارة الأميركية والذي يأخذ صفة الاستعجال.
ولكن الأسئلة التي تبقى مطروحة هي: هل سيكون هذا الدعم بالحجم المطلوب والوقت المناسب لإعادة التوازن أم لا؟ وكيف ستكون ردة الفعل على هذا الدعم؟ وهل يمكن توقع تبعاته واحتواؤها؟