الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سلامة كيلة ضد اليسار الممانع للثورة السورية 

سلامة كيلة ضد اليسار الممانع للثورة السورية 

06.10.2020
فراس سعد



القدس العربي 
الاثنين 5/10/2020 
تشكل اليسار العربي عموما على خلفية الصراع السوفييتي الأمريكي، حيث سارعت كل من الدولتين إلى حشد تحالفات واسعة في صفها. وكانت الاستراتيجية السوفييتية تقتضي حشد أكبر جبهة ممكنة ضد أمريكا والإمبريالية من كل التوجهات السياسية والحزبية، مهما تباينت أفكارها وعقائدها، بشرط أن تكون معادية للاستعمار والإمبريالية، وفي سبيل ذلك استطاعت جمع الشيوعيين والبعثيين والناصريين، وحتى بعض الإسلاميين، وحينما أعلنت فصائل إسلامية الجهاد ضد أمريكا وقفت معها، ولا ننسى تأبين كثير من اليساريين السوريين واللبنانيين لأسامه بن لادن باعتباره مجاهدا ضد الإمبريالية. 
فاليسار تأسس إذن على العداء للإمبريالية، وفي قلبها أمريكا، وعلى الولاء التام للجبهة السوفييتية الاشتراكية، ولم يكن مهما أن تكون أنظمة وأحزابا عربية في هذه الجبهة، تمارس اضطهادا وظلما وإفقارا لشعوبها طالما هي بقيت على عهد النضال ضد الإمبريالية. 
 
زمن الثورة السورية 
 
على هذا الأساس السياسي الاستراتيجي، تم بناء موقف اليسار العربي عموما من الأنظمة العربية المناضلة ضد الإمبريالية، رغم سقوط الاتحاد السوفييتي، وانفراط عقد جبهته الاشتراكية، والتحولات العميقة الاقتصادية والثقافية التي طالت هذه الجبهة، ولاسيما روسيا، التي أصبحت دولة إمبريالية، كما يصفها المفكر العربي الفلسطيني سلامة كيلة. 
ألهمت الثورة السورية العديد من الكتاب والمفكرين العرب لحظة انطلاقتها، فوقفوا إلى جانبها، لكن سرعان ما تراجع أكثر هؤلاء عن موقفهم الداعم للثورة والشعب السوري بحجة تحولها إلى السلاح، وظهور بعض التشكيلات المقاتلة الإسلامية فيها، لكن نخبة من اليسار العربي، إذا صحت التسمية "اليسار الممانع" لم تقف مع ثورة الشعب السوري يوما واحدا، لا حين كانت الثورة سلمية، ولا حين استبيح الشعب من الجيوش والمليشيات الرديفة للنظام، ولا حين هجّر نصف السوريين، ولا حين زجّ عشرات الآلاف من مناضليه وكوادر الثورة في السجون. فهؤلاء الممانعون وقفوا مع النظام دائما، في كل حالاته، ومهما كانت ارتكاباته، وفي الأحسن صمتوا عن جرائمه حتى الكيميائية منها التي أدانها العالم أجمع.. 
قلة من كتاب ومفكري اليسار العربي بقيت على موقفها الداعم للثورة السورية حتى هذه اللحظة، من هؤلاء المفكر الفلسطيني السوري سلامة كيلة الذي يوافق 2 أكتوبر/تشرين الأول الذكرى الثانية لغيابه، والذي اعتبر ثورة السوريين ثورته، فدفع جزءا من حريته في سبيل الثورة، فتعرض للسجن وللإبعاد والمنع من العودة إلى دمشق التي أحبها كما فلسطين. 
كان سلامة أحد أهم الكتاب الذين تناولوا أحداث الثورة السورية والقضايا التي أثارتها بالتفصيل، عبر كتب أربعة، وعشرات المقالات، وكان أبرز الذين تناولوا موقف اليسار الممانع من الثورة…يتساءل سلامة عن السبب الذي جعل الشعوب والنخب العربية على السواء، تقف وتدعم كلا من ثورتي تونس ومصر، في الوقت الذي وقفت فيه النخب على الأقل ضد الثورة السورية؟ ولكي يكتمل سؤال سلامة ويصبح أكثر ديناميكية وراهنية، يمكن أن نضيف إليه سؤالا تابعا وهو، لماذا عادت هذه النخب ذاتها بعد سنوات إلى اتخاذ موقف ضد ثورتي تونس ومصر أيضا. 
يجيب سلامة بالقول، إن السر في تمييز النخب تلك بين ثورتي تونس ومصر من جهة والثورة السورية من جهة أخرى، يعود إلى موقف مفترض للنظام السوري ضد الإمبريالية أو أمريكا، في ما جرت العادة على أن ينظر للنظام المصري كتابع لأمريكا، لذلك فالثورة ضد النظام المصري حلال، فيما تصبح الثورة ضد النظام السوري حرام! ودائما حسب تلك النخب العربية، بل والشعوب العربية، طالما أن كلا من النخب والشعوب العربيتين وقعتا ضحية بروباغندا، أحسن النظام السوري تسويقها داخليا وعربيا طوال عقود، جعلت منه رائد النضال التحرري العربي ضد الاستعمار والإمبريالية والرجعية إلخ، إذ أن الموقف النُخَبي العربي المعادي للثورة السورية، يعود إلى وهم أصلي لدى هذه النخب يتعلق بماهية النظام السوري، فأي من مثقفي تلك النخب المعادية للثورة لم يتعرف على تكوين هذا النظام، ولم يعرف حقيقته، ولو فعل لتبدل موقفه بالتأكيد.. 
 
سلامة و"الممانعة" 
 
يسخر سلامة من النخب العربية، تحديدا تلك التي تدعي انتماءها لليسار، تلك النخب التي اتهمت ثورات الشعوب العربية بأنها مدعومه من الإمبريالية، ويتساءل مستهجنا، كأن هؤلاء يقولون إن الإمبريالية تستطيع التحكم بالشعوب! 
ولو تابعنا فكرته واستنكاره لموقف هؤلاء لقلنا إن الصحيح هو أن الإمبريالية تتحكم بالحكومات، والحكومات تقمع الشعوب نيابة عن الإمبريالية، ولهذا فإن الشعوب العربية، حين ثارت على حكوماتها فكأنما هي ثارت على الإمبريالية، ولذلك لا يمكن أن تكون الإمبريالية هي من تدعم الثورات، إنما هي من تقمع الثورات وتدمر الأوطان بواسطة وكلائها في الحكومات العربية.. 
ويذهب سلامة في معرض دفاعه عن الثورات العربية، ولاسيما عن الثورة السورية إلى الحقل الأثير إلى قلبه، أي الماركسية، وإلى البعد الطبقي، فيتساءل في أحد كتبه عن الثورة السورية، ترى هل يمكن لنظام تحول إلى ليبرالية اقتصادية متوحشة، أن يكون نظاما مقاوما أم ممانعا، والممانعه هنا لها معنى ادعاء الامتناع عن الخضوع للإمبريالية؟ ولا بد من التذكير إن كان سلامة اول من ابتكر مصطلح "الممانعة". 
وإجابة سلامة مضمرة في سؤاله، وهي لا، لا يمكن لليبرالي تابع للإمبريالية أن يكون مقاوما لها، وهذه الإجابة ربما تصح لو حددنا الليبرالية في المجال العربي، لأن هناك دولا وأنظمة ليبرالية غير عربية تقاوم الإمبريالية اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، أي أنها ترفض الخضوع للنموذج والإنتاج الإمبريالي العولمي، يمكن على سبيل المثال أن نذكر من تلكم الدول، كلا من الصين وماليزيا وتركيا، وربما إيران أيضا… لكن هذا لا يستوي في الحالة العربية، فما هي الدولة العربية التي لبرلت اقتصادها، وفي الوقت نفسه قاومت العولمة أو الإمبريالية؟ 
مقارنته المهمة هذه بين اللبرلة والمقاومة، كانت في معرض رده على اليسار العربي، الذي اعتبر أن النظام السوري نظام "مقاوم للإمبريالية والعولمة" وبالتالي فيجب الوقوف معه ضد الثورة التي "تدعمها" هذه الإمبريالية! وهذه الثيمة الخرافية نالها الضعف خلال السنوات السبع المنصرمة،، فلم تعد تقنع سوى بعض الأبواق المنتفعة من الأنظمة.. 
غادرنا سلامة كيلة في مثل هذه الأيام (2 تشرين الأول-أكتوبر) قبل عامين، لكن فكره لحسن الحظ لم يغادر، بل بدأ للتو يأخذ مكانه الذي يستحق في عقول آلاف الشباب الذين أحبوه، وهو ما يجعل سلامة سعيدا بلا شك حيث هو الآن. 
 
 كاتب سوري