الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سنذهب إلى موسكو حتماً

سنذهب إلى موسكو حتماً

05.01.2015
خطيب بدلة



العربي الجديد
الاحد 4-1-2015
ما إن أعلنت الخارجية الروسية عن مبادرتها المتعلقة بتسوية الأزمة السورية ضمن مؤتمر "موسكو 1"، حتى نط سيادةُ الفريق الأول الركن الدكتور بشار بن حافظ الأسد من مقعده، مثل تلميذ مجتهد، وقال مخاطباً الأستاذ بوغدانوف: حاضر أستاذ. سَجّل عندك، نحن سنذهب.
وحينما بدأ سائقُ الطائرة الذاهبة إلى موسكو بعملية إحماء المحركات، استعداداً للإقلاع، لم ينتظر الرفيق وليد المعلم حتى يكتمل الركاب، ثم يأتي متبختراً على طريقة الركاب المهمين (VIP)، بل إنه‏ اندفع داخلاً من باب الطيارة برشاقة الأيائل، على الرغم من كونه ما يزالُ نشوانَ بخمر العافية، على حد تعبير المطرب الراحل وديع الصافي، ولم تُفلح عملية مجازات القلب الإكليلية التي أُجريت له أخيراً في تخفيض وزنه ولو بضع غرامات. وبدلاً من أن يجلس في جناح ال (Business class)، رمى بثقله في مقدمة الطيارة، كما لو أنه الأديب الكبير محمد الماغوط الذي زعم أنه حينما يغضب من الوطن يغادره في أقرب طائرة، ويجلس في المقدمة ليكون أول مغادري أرض الوطن، وفي العودة، بعدما يقتله الحنين، يجلس في مقدمة الطيارة ليكون أول الداخلين في المجال الجوي للوطن.
حينما عرف الشعب السوري، على اختلاف انتماءاته ومشاربه، بوجود مبادرة روسيةٍ، تهدف إلى وقف مسلسل القتل والتهديم والتشريد المستمر في سورية، من دون انقطاع منذ أربع سنوات، فرحَ، واستبشرَ، وانفرجت أساريره، وأيقن أن روسيا، هذه الدولة العظمى، لا يمكن أن تتخلى عنه، وعن قضيته، وأدرك أن دعم الحكومة الروسية النظام السوري بالمال والسلاح والفيتو كان ينم عن بعد نظر تاريخي، فلو لم يدعموه لسقط، أجَلَّكُم الله، وإذا سقط ستمتلئ البلد بالإرهاب!
ولئن كان الروسُ قد أعلنوا، عشر مرات في السنوات الأربع، أنهم غير متمسكين بالأسد، وفي المرة الحادية عشرة، أعلنوها بوجود الشيخ معاذ الخطيب، إلا أنهم أدركوا، الآن، بذكاء منقطع النظير، أنهم كانوا مخطئين، وأنهم يجب أن يتمسكوا بالأسد. لسبب بسيط، هو أنه لا يمكن لابن آدم عاقل أن يتخيل سورية من دون أسد! وهذا ما صرحت به، ذات يوم، السيدة أنيسة مخلوف والدة الدكتور بشار الأسد، إذ قالت، بطريقة السجع الهمذانية: سورية لبيت الأسد، من الوالد إلى الولد
بعد أن تولدت لدى القيادة الروسية القناعة التامة بضرورة الإبقاء على الأسد في السلطة، بدأتْ تنفيذ إجراءات تنم عن ذكاء دبلوماسي، من النوع الذي يسميه وليد المعلم غير مسبوق. أولُها الامتناعُ عن إشهار أي ورقة أو لائحة تتضمن التصور الروسي للعملية السلمية المقترحة، فذلك يؤدي إلى احتراق الفكرة، وزوال متعة المفاجأة في ذروة اللحظة الدرامية. وثانيها التأكيد على أن من واجب أطراف الصراع في سورية عدم التمسك بمبادرة السيد كوفي عنان، ذات النقاط الست، (جنيف 1) لأنها صدرت في يونيو/حزيران 2012، يعني أنها قد أصبحت بايتة. هذا إذا لم نقل إن الزمان أكل عليها وشرب! ولأن النظام والائتلاف ذهبا إلى جنيف في فبراير/شباط 2014، وجرّبا تطبيقها، وأخفقا، يعني أنها مبادرة مُجَرَّبة، والمثل يقول: مَنْ جَرَّبَ المُجَرَّب حَلَّتْ به الندامة.         
السبب الثالث الذي يدفع الروس للتمسك بالأسد، أن الروس والأسد متمسكان بمبدأ مكافحة الإرهاب، مع الأخذ بالاعتبار أن الميليشيات القادمة من إيران والعراق ولبنان لمساندة النظام السوري ليست إرهابية، فهي تتألف من أناس مدنيين، ديمقراطيين، عَلمانيين، دنيويين، وكل ما يهمهم في الحياة أن يسود العدل بين الناس، كائناً من كانوا، وتحت أسقف الأوطان.
نعم.. اقتنع الشعب السوري، الآن، بالمخطط الروسي، وجهز ممثلوه أنفسهم للذهاب إلى موسكو، من دون قيد أو شرط، ولولا أن السيد وليد المعلم سبقهم للجلوس في مقدمة الطيارة، لجلسوا كلهم فيها.