الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا أمام طيف واسع من الاحتمالات

سوريا أمام طيف واسع من الاحتمالات

01.09.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
السبت 31/8/2013
ماذا سيحدث الآن؟ هذا ما يتردد على ألسنة شعوب منطقتنا العربية والناس ينتابها القلق العميق والخوف من المجهول ومن تداعيات الأزمة السورية على حاضرها ومستقبلها وقد بلغت ذروتها الآن. فقد أوصل النظام الأسدي، بفاشيته ودمويته وتماديه بل بحماقاته غير المسبوقة، نفسه والمنطقة. الى نقطة اللاعودة. كانت هناك خطيئة مميتة أخرى لم يرتكبها بعد، إلا أنه سقط فيها سقوطاً شنيعاً غير آبه بالنتائج الوخيمة بل الكارثية التي ستنجم عنها: استخدام لسلاح الكيماوي.
إن الاستخفاف بالرأي العام الدولي والاعتماد الأحمق على حلفائه في تعطيل الإرادة الدولية والاستهتار بالشعوب العربية والهزء المستمر بأنواعه القاتلة الأشد فتكاً لإبادة السكان بالجملة الذي كان الديكتاتور بشار قد لجأ إليه منذ شهور وفي مناطق عدة كما تشهد أدراج وملفات واشنطن وباريس ولندن. إلا أن الجرعة المفرطة (overdose) التي أحرق بها أهالي الغوطة الشرقية ومنطقتها هي التي كسرت ظهر البعير، ذلك أن بشار بذلك وهو الذي راهن بكل ما تبقى له من أوراق، على عجز المجتمع الدولي (مجلس الأمن) وتعطيل الفيتو الروسي الصيني له، قد وضع بفعلته هذه قادة تلك الدول أمام جدار مسدود. فلم يعد بإمكان أوباما التخبط في المزيد من التردد بل التخاذل والهروب من المسؤولية، ولا بمقدور دول "الناتو" الانتظار أكثر فأكثر الضوء الأخضر الأميركي الى ما لا نهاية. فلا بد من رد عسكري حاسم يتجاوز قرارات الشرعية الدولية المشلولة والمعطلة. فكما استساغ هتلر قرارات مؤتمر ميونيخ عام 1938 المتخاذلة بل الفضيحة التاريخية بداعي "إنقاذ السلام" خوفاً من الحرب، فراح يقضم الدول الصغيرة المجاورة بشتى الذرائع ومنطق الابتزاز الواحدة تلو الأخرى، فكان في دانتزيغ عام 1939 أن أدخل هتلر العالم في الحرب. وهكذا من مجزرة لأخرى، ومن درعا الى حمص، الى داريا والبيضا، الى الرستن إلخ... استساغ بشار طعم الدم وراق له منظر الركام والنتف والشظايا والأشلاء واستسهل التلاعب والكذب والمراوغة والتدليس بحق المبعوثين الدوليين والعرب، والمراقبين والوسطاء. فهناك دائماً متسع من الوقت حتى يتم الإجهاز على أي صوت معارض ورأي مغاير ما دام نهر هائل من السلاح والذخائر يتدفق عليه من دون توقّف من موسكو وطهران. بل في حمأة الصراع الدموي استدعى الأساطيل الحليفة من البحر والحرس الثوري الإيراني من البر والجو بل عندما أحس بدنو الأجل استحضر حزب الله من لبنان وما تيسر من فصائل كردية انفصالية لا همّ، بل أحس بالغبطة والنشوة عندما سهّل لعناصر القاعدة (النصرة) العبث بأمن المناطق الثائرة، أولئك الذين هم أنفسهم كان نظام العمائم الإيراني يسهر على تجميعهم على أرضه ليرسلهم الى دمشق لتلبية المطامع الأسدية في العراق المنكوب بالغزو الأميركي المشؤوم. كل ذلك وما زال بحوزة "لعنة الدهور" مخزون هائل من السلاح الكيماوي ولما لا يستعمله ما دام المجتمع الدولي عاجز عن الحراك؟
لقد كان الجو العام في المنطقة والعالم مؤاتياً للتمادي أكثر، فتركيا غارقة في هموم مضنية مع المعارضة والخلافات مع الجيش، ومصر تعاني الأمرين من تسلّط حكم الاخوان المسلمين، والعراق يعيش حرباً مذهبية غير معلنة يعيش أياماً مرعبة تحت وطأة الإرهاب. أما لبنان فهو أثمن هدية يتنازل عنها بشار تقدمة لحزب الله والوصاية الإيرانية. في ظل هذه المعطيات وقعت كارثة "الغوطة الشرقية" والمفتشون الدوليون كانوا لتوهم قد وصلوا الى دمشق لتحري آثار استخدام سابق السلاح الكيماوي والتحقق من صدقية تلك المعلومات التي نامت في أدراج عواصم القرار منذ شهور طوال.
ماذا سيحدث الآن؟
وابل لا يصدق من الاحتمالات والسيناريوات والتقديرات والتوقعات تنهال عبر وسائل الإعلام في محاولات مضنية لرسم خارطة خارطة الطريق المؤدية حتماً (sine quoi non) الى ضربة عسكرية تصيب النظام الأسدي في كبده. فلم يعد بالإمكان الاستمرار في المراوحة في حالة العجز والخنوع والتغاضي والإرجاء كما في السابق:
ـ تتجمع قطع بحرية أميركية ضخمة تنضم إليها قطع حربية أطلسية محملة بصواريخ كروز وهي في طريقها الى السواحل السورية (واللبنانية؟) يحرسها الأسطول السادس الأميركي وقطع بحرية بريطانية وفرنسية بل ألمانية وكندية وأممية مختلفة. إلا أن الأوامر بالضرب ما زالت بحاجة لقرار الرئيس الأميركي الذي بمقدوره تجاوز موافقة الكونغرس لتنفيذ العمل العسكري المناسب.
ـ تتجنب القوات الأممية الإنزال العسكري المباشر تلافياً لتكرار تجربة غزو العراق عام 2003 وما نجم عنها من مآس وويلات وفضائح كما هو الرأي السائد في الغرب، هذا في الوقت الذي تبدو فيه "أنقرة" أكثر اندفاعاً من ذي قبل.
ـ لا مجال لصدور قرار دولي من قبل مجلس الأمن بسبب معارضة روسيا والصين المؤكد له، فالعمل العسكري هو شرعي إذن وإن لم يكتمل قانونياً.
ـ ردود فعل النظام الأسدي غير معروفة حتى اللحظة وبالإمكان في حال التعقّل وإيثار عواصم القرار استمرار الأسد مقابل التخلي عن الترسانة الكيماوية، أن يكتفي الأسد بالزعاق الإعلامي الصاخب أما في حال التهوّر وغلبة منطق التشدّد وصقور زبانية الأسد، فقد نشد تطورات مثيرة بل متهوّرة.
ـ تمنح الجامعة العربية العمل العسكري غطاء عربياً من دون أي مشاركة مباشرة فيه.
ـ يتلخص الموقف الروسي بمعارضة شديدة لأي عمل عسكري منفرد لكنه يتميز بتطمينات بعدم لجوء الروس الى مواجهة عسكرية مع الغرب في شرقي المتوسط أو في العالم.
ـ أما حليفا النظام الأسدي الأخيران وهما النظام الإيراني وحزب الله اللبناني فالاتجاه الغالب إعلامياً في طهران هو تحذيرات إيرانية لواشنطن والناتو بعدم تجاوز الخط الأحمر أي التحذير من أي عمل عسكري ضد النظام الأسدي. أما حزب الله فليس له موقف معلن حتى اللحظة نظراً لارتباطه المباشر بالاستراتيجية الإيرانية التي سارع جيفري فيلتمان لزيارة لافتة لها.
ـ أما إسرائيل فقد أعلنت زيادة حالة التأهب من دون أي مشاركة مباشرة متوقعة تجنباً لإثارة حفيظة الدول العربية وشعوبها.
يبقى لنا أن نعلق بالقول أن حجم الضربة هو المهم فثمة فارق كبير بين ضربة مبدئية أقرب للموقف الشكلي لدول التحالف (intervention fictive)، خصوصاً مع بدء صدور تصريحات أميركية أن نظام الأسد ليس مستهدفاً بحد ذاته بل سلاحه الكيماوي هو المستهدف وكأن فيها شق قانوني دولي لجهة عدم اللجوء الى سابقة قلب نظام سياسي باللجوء للقوة العسكرية (وكأننا قد نسينا ما جرى عام 2003 في العراق!) وشق ديبلوماسي في محاولة أميركية لإرسال تطمينات الى موسكو وبكين. أما في حال اللجوء الى ضربة موجهة وماحقة intervention massive فقد تتجاوز الضربة موضوع الكيماوي وصواريخه لتطاول المطارات والقواعد العسكرية بل حتى ثكنات الجيش النظامي نفسها. هذا ما سوف نراه بعد أيام.