الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: الآمال التركية والمناورات الروسيّة

سوريا: الآمال التركية والمناورات الروسيّة

17.08.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الثلاثاء 16/8/2016
تعكس المعارك العسكرية المتعددة الأشكال والأطراف والأهداف، وكذلك الجوّ السياسي المحموم الذي يحيط الوضع في سوريا والأقاليم المحيطة بها حالة كبيرة من التعقيد الشديد المنذر بالتفاقم.
من جهة أخرى يمكن تلمّس عناصر سياسية مستجدّة قد تفتح الطريق إلى بعض التغيير في الاستعصاء الكبير الحاصل في سوريا تتعلّق أساساً بالأطراف الرئيسية الخارجية التي تمسك الكثير من أوراق اللعبة السورية، وكذلك بوجهة العمليات الحربية داخل سوريا نفسها.
ما كان لهذه الأطراف الرئيسية الكبرى في الخارج أن تتحرك لولا معركة حلب الأخيرة التي استطاعت خلالها المعارضة السورية فكّ الحصار عن المناطق التي تسيطر عليها بعد هجوم كبير على امتداد 20 كيلومترا أدى لاستيلائها على منطقة الراموسة الصعبة والتي تحتوي عدّة كلّيات عسكريّة (المدفعية، الكلية الفنية الجوية، التسليح)، وكذلك معركة منبج التي استطاع خلالها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المدعوم أمريكيّا من طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" والاقتراب عمليّا من خطّ الحدود التركيّة.
جاءت هاتان المعركتان بعد محاولة الانقلاب في تركيا التي سمح فشلها لحزب "العدالة والتنمية" بتطهير كبير للمؤسسة العسكرية وهو ما أدّى عمليّا لحصول دعم غير مسبوق للمعارضة السورية ساهم في إنجاز انتصارها في حلب.
معركة حلب شكّلت أيضاً أساساً ليكون لقاء الرئيسين التركي، رجب طيّب اردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، فرصة نادرة لعقلنة الآمال الروسيّة بالقضاء على المعارضة السوريّة وفرض شروط النظام عليها، وللعودة إلى برودة الوقائع الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تفيد الطرفين وتحدّ أماني الإلغاء والتدمير التي ارتفعت أسهمها مع إسقاط تركيّا لطائرة سوخوي روسية والانتقام الروسي الشرس من الأتراك الذي جرى بعدها في جبل التركمان ومناطق سورية أخرى، وانعكس بعقوبات اقتصاديّة وحملات إعلامية أضرّت بالطرفين.
أما معركة منبج فقد وضعت الأتراك، من جديد، في مواجهة مباشرة مع الأجندة الأمريكية في سوريا والتي تقوم على دعم طرف تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتنظر إلى مشروعه التوسعي قرب حدودها كخط أحمر لا يمكن، بأيّ حال، تجاوزه، حتى لو كان الداعم هو واشنطن نفسها.
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم رأى في تصريح أمس أن حل الأزمة السورية قد اقترب لافتاً إلى وجود ثلاث خطوات لتحقيق ذلك: حماية الحدود، وعدم السماح بإقامة دولة يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، وعودة اللاجئين المقيمين في دول الجوار إلى بلدهم بعد تحقيق الحلّ النهائي.
قرأ الروس الحاجة الاستراتيجية التركيّة لحماية حدودهم ومنع دولة وظيفية يوجّهها حزب العمال الكردستاني من تركيا وجبال قنديل في العراق وهم يحاولون استغلالها في مناورات معقّدة لا تلتقي بالضرورة مع الأهداف التركيّة.
كان لافتاً أمس إعلان وكالة الإعلام الروسية أن عملاً عسكريّا أمريكيّا روسيّا مشتركاً سيبدأ في حلب سيستهدف "الفصائل المتطرّفة"، وترافق ذلك مع تصريح آخر لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يقول فيه إنه سيجتمع مع ممثلين للمعارضة السورية بالعاصمة القطرية (وهو ما نفته هيئة المفاوضات العليا)، كما تواترت أنباء عن لقاء سري تم برعاية إقليمية بين بعض فصائل الجيش الحرّ ومندوب عسكري روسي قبل أيّام عرض فيه الروس وقف الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والسماح بمواجهة هذه الفصائل للحزب المذكور عسكرياً إذا حاول التقدم لمناطقهم، وهو ما قرأته الفصائل السورية باعتباره مناورة تستهدف تشتيت جهد المعارضة السورية وإبعادها عن قتال النظام.
تفاؤل الطرف التركيّ، بهذا المعنى، ب"تحقيق حل نهائي" للوضع في سوريا قد يكون مبالغاً فيه وعجلة التغيير التي أطلقتها مباحثات المسؤولين الأتراك مع روسيا قد تتعطّل حين تصطدم المناورات الروسيّة والآمال التركيّة بالوقائع الصلدة على الأرض… وبتحرّكات أطراف أخرى وازنة كالولايات المتحدة الأمريكية وإيران.