الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: التدخل الروسي والتنظيمات الأصولية

سوريا: التدخل الروسي والتنظيمات الأصولية

13.10.2015
عبدالله بن بجاد العتيبي



الاتحاد
الاثنين 12/10/2015
التدخل الروسي العسكري الواسع في سوريا هو تدخل تاريخي غير مسبوقٍ، وله تأثيرات طويلة الأمد على الأوضاع المعقدة أصلاً إقليمياً ودولياً، فروسيا بدت متعجلةً في هذا التدخل، وهي تسعى لبناء تحالفٍ مع إيران والعراق، وبنت تفاهماً مع إسرائيل، ولكنها فيما يبدو لم تفكر كثيراً في كل إشكاليات المنطقة وأزماتها وصراعاتها، وبالتالي فلم تحسب قدراتها الفعلية لتدخل تاريخي بهذا المستوى.
لدى روسيا قدرات عسكرية كبرى، ولديها قدرات اقتصادية متواضعة، فإلى أي مستوى تستطيع أن تستمر في حرب منهكة وتحالف خاسر؟ ولنضع الحقائق على المحك، هل يمكن حل الأزمة السورية دون تفاهمات وموازنات إقليمية ودولية؟ الجواب ببساطة لا. والسؤال الثاني: هل يمكن أن يستمر نظام بشار الأسد مستقبلياً؟ الجواب كذلك لا. هذا النظام وقائده خسروا أي إمكانية لتوافق إقليمي أو دولي لبقائه. السؤال الثالث، على ماذا تتفق القوى الدولية والقوى الإقليمية تجاه سوريا؟ تتفق على حرب الإرهاب والقضاء على جماعاته وتنظيماته، وتختلف على التصنيف، تتفق على وجوب إيجاد مخرج للأزمة السورية، وتختلف في كل ما عدا ذلك. يبدو أن ثمة تغييرات بشكل أو بآخر في مواقف بعض الدول الإقليمية الداعمة للشعب السوري، فهي دعمت حق الشعب السوري في مواجهة بشار الأسد كطاغية قاتل، ولكن خيار الشعب السوري قد تمّ اختطافه بشكل ممنهج لأسباب: منها أن دعم النظام للجماعات المتطرفة، وعلى رأسها "داعش" ليظهر المعركة لا كحرب بين نظام وشعب، بل بين نظام وجماعات إرهابية قد لقي رواجاً مع دعم إيران لهذا التوجه، وتخاذل أميركا والدول الغربية. ومن هنا، فمن حق دول المنطقة مراجعة مواقفها لتواكب التطورات.
تقدمت بعض الدول الإقليمية بالموقف السياسي، ولكنها تأخرت عن الفعل السياسي في سوريا، وذلك بعدم حسم الحرب هناك حين كانت المعارضة الوطنية لها كيان متماسك وجيش حر قوي على الأرض، وفي السياسة تكون التصريحات السياسية المعلنة في بعض الأحيان وبالذات حين تكون شديدةً وخارجةً عن المألوف مؤشراً على تفاهمات سياسية أعمق. من المتغيرات المهمة التي يجب أن تؤخذ في الحسبان اليوم أن الحركات الأصولية تبسط جناحها على غالب الفصائل التي تحارب الأسد، من "إخوان مسلمين" إلى "جبهة النصرة" إلى "جيش الفتح" وغيرها من الأسماء. ولـ"داعش" قصة أخرى.
إن مستقبل سوريا لن يكون مع الأسد قطعاً، وبالمقابل فلا يجب الرضى بأن يكون مع الأصوليين أعداء السعودية ودول الخليج والدول العربية، ومن هنا يمكن الوصول مع الروس لحل وسط يرضي الروس والغرب والسعودية ودول الخليج والدول العربية، وهو نظام جديد يرث الأسد، ويبقي على الوحدة السورية، ويمنع الأصوليين من السيطرة على سوريا، ويمنح الشعب حقه في اختيار مستقبله ضمن مراحل يمكن بناؤها والتوافق عليها، بشرط أن يرحل كل الأصوليين عن سوريا، أصوليو السنة وأصوليو الشيعة، وبشار الأسد وإيران. التصعيد تجاه روسيا في الخطاب المعلن مقبول، وللمحللين وليس للسياسي، ولكن التصعيد مع إيران يجب أن يلحق المواقف السياسية بالتصريحات، والصراع بين المشاريع الثلاثة في المنطقة مستمرٌ، المشروع العربي المعتدل والمشروع التركي الأصولي والمشروع الإيراني، ولكن يمكن القول، إن بعض شروط اللعبة قد اختلفت وتحتاج بالتالي لمراجعة وتدقيق.
لا يجوز النظر للتدخل الروسي في سوريا من ثقب تنظيم "داعش"، بل من ضمن صراعات دولية كبرى فيها طرف يصعد وطرف يهبط في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، فأميركا والدول الغربية تهبط وروسيا تصعد، والمؤسسات الأميركية، كالبنتاجون تعبر عن غضب من التدخل الروسي، ولكنها ليست المؤسسة الفاعلة التي بناها الرئيس أوباما من أول يوم، والتي ترتبط مباشرة بالبيت الأبيض، والأمم المتحدة تعبر عن خوفها من اشتباكات في الأجواء السورية، والتحالف الدولي ضد "داعش" يصر على تكثيف ضرباته ضدها، وتركيا تصعد ضد اختراق روسيا لأجوائها وحلف الأطلسي يدعم تركيا ويحذر. التدخل الروسي زاد من تعقيد الأوضاع المعقدة أصلاً في سوريا، وخلط العديد من الأوراق، وشكّل ما يشبه الانفجار في التوازنات الإقليمية والدولية، وهو انفجار لم تتحدد بعد أبعاده وتأثيراته ومداه. أخيراً، فإن الأجواء التي تدور في المنطقة والصراعات السياسية والهوياتية والأيديولوجية تخلق بيئة حقيقة لنشوء الصراعات الدولية والحروب العالمية، هكذا هو حديث التاريخ وتراكم المعرفة ومنطق السياسة.