الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: التعافي المجتمعي في مواجهة المصالح الدولية

سوريا: التعافي المجتمعي في مواجهة المصالح الدولية

22.12.2019
درويش خليفة



القدس العربي
السبت 21/12/2019
أسئلة عديدة ترهق تفكير الكثير من رواد التغيير في سوريا، وأحد أهم هذه الأسئلة، كيفية إعادة التلاحم المجتمعي وتماسكه بعد سنوات الصراع والتمزق الحاصل بين أفراد ومكونات المجتمع السوري.
إذ أن الذاكرة المجتمعية لا تحتمل أن ترى سوى مأساتها دون مأساة الأخرين، وفي الحالة السورية الذاكرة تحمل معها ذكريات مؤلمة تصدم كل من يسمعها أو يقرأها.
حتى الذاكرة الناشئة أي الذين كانوا أطفالا في سوريا وخرجوا منها نتيجة ظروف الصراع المتعدد- العسكري، المعيشي، الأمان، الاضطهاد…الخ.
ذاكرتهم لن تعفيهم من الماضي المرير، الذي تجرعوا منه حرمان الطفولة وساعات الفرح بالأعياد وفصول الدراسة.
كان السوريون ما قبل ثورة 2011 يعتقدون أن بنيتهم المجتمعية متماسكة كقطعة حديد ولكن الصراع العسكري أثبت أن خلخلتها لا يحتاج سوى قذيفة واحدة في أرض الخصم، لتحولهم لشظايا متفرقة.
وبما أن المجتمع السوري يتسم بالحذر، وهذا ما جعل كل مكون يسكن بالقرب من جماعته خوفا من أي طارئ، لعدم ثقتهم بمواطنتهم الكاملة، حيث يربطهم حيز جغرافي (حي) يجمع هذه المكونات ولكل مكونٍ حيز جغرافي (حارة) يربط أفراده أيضا.
وهذا كان في أماكن عديدة، على سبيل المثال في حلب العاصمة الاقتصادية في سوريا؛ لكل مكون عرقيّ أو ديني، حي يجمعهم.
المسيحيون العرب، يسكنون مركز المدينة وأطرافها- العزيزية، السليمانية، السريان الجديدة، بعض أزقة شارع النيال، محطة بغداد (يسكنه بعض المسلمين).
بينما المسيحيون الأرمن، تجدهم في بعض شوارع حي الميدان متفرقين في أحياء المسيحيين العرب.
أما الأكراد، فتجمعُهم في حيي الأشرفية والشيخ مقصود ذات الكثافة السكانية، وبعض شوارع السريان القديمة.
وبالنسبة للتركمان، انضووا في حيي الحيدرية والهلك بشقيه الفوقاني والتحتاني في الشمال الشرقي من حلب.
العشائر العربية، والتي تمثل النسبة الأكبر من مهاجري الريف نحو المدينة يسكنون الأحياء الجنوبية الشرقية من حلب متلاصقين السكن، ليكونوا عونا لبعضهم في أي نزاع طارئ مع عشيرة أخرى أو عائلة كبيرة.
 
الزمرة الحاكمة
 
كل ما سبق يحاكي حالة مدينة واحدة دون التطرق لباقي المكونات ذات الأعداد القليلة، كالماردل والغجر وهنا الأكثرية، أما يجمعهم الدين "الإسلام" أو القومية العربية وهذا لا يحميهم مجتمعيا لأنهم سيكونون عرضة للاعتقال والتصفية من قبل الزمرة الحاكمة، كما أن بعض الأقليات العرقية يجمعهم الدين الإسلامي أيضا.
الأقليات الذين تجمعهم القومية قد تحميهم في حالات طارئة كما حصل مع الكرد في عام 2004 أثناء احتجاجاتهم على ما حصل من أحداث ملعب القامشلي في مباراة الجهاد والفتوة في دير الزور.
وما تم سرده في الأسطر السابقة ليس لتأكيد معلومات القارئ إنما لفهم التعقيد في التركيبة السكانية في مدينة واحدة، علما حلب لا توجد فيها من طائفة الرئيس الوريث (العلويين) والذين وقفوا معظمهم في وجه التغيير، خوفا من الانتقام من ذوي المتضررين من حكم الأسدين "حافظ وبشار الأسد" طيلة أربعين عام.
وكحصيلة عن المظلومية العامة للشعب السوري قامت ثورة آذار/مارس 2011 لينفجر المجتمع في وجه السلطة الحاكمة وإعادة الثقة للمواطن السوري ليشعر بمواطنته في بلد تعصف به الأزمات المخبأة خلف أفرع امنية فاجرة. حيث كان أحد هذه الأفرع عاملا أساسيا في انطلاق شرارة الثورة السورية من درعا من خلال تعاملهم المتعالي وعدم مراعاتهم لمرحلة حساسة بحق أبناء المدينة ذي الطابع القبلي المحافظ.
سنوات الصراع أدت لهجمات شرسة وصلت لحد استخدام أسلحة محرمة دوليا بحق المناطق المناهضة للنظام بعد سيطرة الثوار على ما يقارب ثلثي سوريا، وهذا ما أستدعى لتدخل روسي أدى لإعطاء النظام فرصة التقدم عسكريا رافقه تهجير ممنهج لمقاتلي الثورة وعوائلهم إلى الشمال الغربي من سوريا في محافظة إدلب.
وهنا أحاول تبسيط تعريفات التهجير الجماعي والاستيطان ما بعد التدخل الروسي أيلول/سبتمبر 2015 والاتفاقات الثنائية التي أدت لتفريغ المناطق الثائرة وإعادة توطينهم قسريا.
التهجير الجماعي: ترحيل مجموعة من الأفراد من موقع جغرافي إلى آخر. ويكون جريمةً في حال حصل قهراً دون رضى المهجّرين، أو في غياب السند القانوني، أو لم تتوفر شروط السلامة والحماية المطلوبة أثناء التنقل. ويشمل مفهوم الترحيل ما كان بإشراف قوة عسكرية أو شبه عسكرية من خلال تسيير عملية التنقل، أو من خلال فرض واقع أمني أو اقتصادي أو صحي لا يترك للمدنيين خياراً سوى الهجرة من محل إقامتهم.
الاستيطان: عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديموغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة.
 
الهوية المفقودة
 
في خضم الصراع السوري والاحتماء بدول إقليمية ودولية ظهرت مناطق نفوذ موزعة حسب التفاهمات الدولية.
المشهد العام يوحي أن مناطق النفوذ يحكمها في الدرجة الأولى حملة السلاح، يحاولون من خلال سطوتهم داخل إطارها التنظيمي في فرض هويتهم أياً كانت، قومية كما في حالة شمال شرق سوريا حيث قوات سورية الديمقراطية تحاول فرض الهوية الكردية ذات الامتداد التركي والتشابك مع الإقليم العراقي.
أما الهوية الأخرى والتي تعتبر خلافية بسبب نزعتها الطائفية والتي تشكلت مع استيلاء الأسد على السلطة وهي الهوية العلوية، حيث بدأت تتنامى وتتعاظم مع انطلاق الثورة السورية "آذار/مارس 2011"، خوفا من الانتقام في حال سيطر الإسلاميون على الحكم والعودة بالذاكرة لأحداث ومجازر الأسد بحق أهالي حماة وجسر الشغور وحي المشارقة في حلب.
من يقرأ السطور السابقة يتخيل له أن الأمور لن تستقيم، ولكني أرى أن هناك عدة خطوات تؤدي لبناء الثقة ولو بحدها الأدنى:
 
إطلاق سراح معتقلي الرأي.
 
تبادل الأسرى العسكريين.
 
السماح لأصحاب الملكيات في استعادة منازلهم ومصانعهم
 
سحب الآليات العسكرية وإعادتها إلى الثكنات.
 
إطلاق المنظمات الشعبية والنقابية.
 
السماح بالأنشطة الثقافية والسياسية (ندوات-لقاءات).
 
أي الدخول من بوابة المجتمع في سبيل فك عقدة الحل المستعصي، وهذا يحتاج مساعدة حلفاء كل طرف في البداية لحين إعادة شيء من الثقة ومن ثم تنطلق العملية السياسية الكبرى لتنقذ سوريا من محنتها.
ومن الدروس المستقاة من الحرب الأهلية، على حد قوله، هو أن "هناك تنوع، وأن لدى الناس خلفيات وقناعات وأهدافا مختلفة، ولدينا الحق في الاختلاف.
هذا شيء لابد أن نكون قادرين على احترامه، مهما اختلفت طرق تفكيرنا.
الحالة السورية قد تكون أعقد بعض الشيء بسبب الموقع الجيوسياسي السوري ووجود قوى طامحة ترى القضية السورية جسر عبور نحو ضفة المصالح الاستراتيجية لبلدانهم.