الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا التي تُصر على الحياة

سوريا التي تُصر على الحياة

02.09.2013
د. وائل مرزا



المدينة
الاحد 1/9/2013
سوريا التي تُصر على الحياة"صباح الخير. نحن بخير، كانت ليلةً صعبة وما زال الضرب علينا شغّالًا. ادعو لنا قد نموتُ في أي لحظة"..
هذه هي الرسالة المُختصرة التي وصلت صباح الجمعة من إحدى القريبات الرابضات على إحدى ثغور الجبهة في سوريا: الغوطة.
القريبةُ، وسأناديها (سوريا)، تعمل منذ أكثر من عام ممرضةً مع الطواقم الطبية في تلك المنطقة، بعد أن هجرت كل اهتماماتها وانخرطت في دورة تمريضٍ ميدانية في ذلك الوقت لتتفرغ للعمل في هذا المجال.
يوم الأربعاء الأسود، شاءت الأقدار أن تنجو عائلتُها من الموت لأنها صعدت، لسببٍ ما، إلى أعلى طابقٍ في البناء. "أما الذين نزلوا إلى القبو والملاجئ فلم ينجُ منهم أحد" قالت سوريا: "لأن الغاز ثقيل ويكون أقرب إلى الأرض". لكن سوريا نفسها أبت إلا أن تضع كمامتها وتهرع إلى الشوارع لإسعاف من يمكن إسعافهُ من المصابين. ولذلك، لا يزال صدرها يحرقها بشدة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم الحزين، وقد صغُر بؤبؤ العينين لديها بدرجةٍ تُتعب نظرها إلى حدٍ كبير.
رغم هذا، ورغم طلبها بأن ندعو لها وللأهل جميعًا لأنهم قد "يموتون في أي لحظة"، لا تزال سوريا تعمل مع الطواقم الطبية إلى لحظة كتابة هذه الكلمات.
لا تزال سوريا مصرةً على الحياة، ولا تزال مصرةً على أن يبقى الناسُ أحياء.
لا يحصل هذا خوفًا من الموت، فالموتُ في بلادي اليوم أسهلُ بكثير من الحياة، وهو أقصر طريقٍ للراحة الأبدية. وإنما يحصل لأن سوريا، قريبتي، ولأن سوريا، وطني، يرفضان ببساطة الاستسلام.
قَدَرُ سوريا أن تعيش.
قدرُ سوريا أن تُغالب.
قدرُ سوريا أن تدافع عن مستقبلٍ أفضل لأبنائها، ولكثيرٍ من بني البشر.
قدرُ سوريا أن تقاوم لتكون في مكان القلب من دورة ٍحضاريةٍ إنسانيةٍ جديدة على مستوى العالم، انطلقت شرارتها من الربيع العربي، والثورة السورية تقع في مركزها الحساس.
وكلُّ من لا يستطيع النظر إلى ما يجري على هذا المستوى لن يتمكن أبدًا من فهم هذه الظاهرة.
منذ عامٍ على وجه التمام صدر تصريحٌ من سوزان رايس سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة، في ذلك الوقت، تتخوف فيه من أي تدخل عسكري بدعوى أن نظام الدفاع الجوي السوري "يُعتبر من الأكثر تطورًا في العالم"!..
ومنذ عامٍ على وجه التمام قلنا ما يلي:
ثمة درجة من النفاق الدولي فيما يخصُّ الثورة السورية لا تتجاوز فقط حدود العقل والمنطق، بل إنها باتت تدخل في خانة (الاستغباء) للسوريين، بشكلٍ لا يجوز أن يبقى مقبولًا من جميع شرائحهم على جميع المستويات وفي جميع المجالات.
فمن يقرأ التصريحات عن نظام الدفاع الجوي السوري (المُخيف)، يُخيّلُ إليه أن الحديث يجري عن قوى عُظمى، وليس عن نظامٍ سياسيٍ مهترئ ومنخورٍ بالفساد أفقدته الشرعيةَ صدورٌ عارية وصرخات حناجر تُطالب بالحرية، وفقدَ سيطرته على كثيرٍ من أنحاء البلاد بأسلحةٍ خفيفة تحملها أيادٍ تؤمن بقضيتها العادلة.
أكثرَ من هذا، يعتقد من يسمع التصريح أنه يصدر عن جمهورية موز لا حول لها ولا قوة، ولا تملك من القدرات العسكرية المتطورة ما يُمكّنها من جعل النظام السوري يتردد ألف مرةٍ في القيام بما يقوم به بمجرد التلويح باستخدام تلك القدرات، ولو من خلال تحرّكات بسيطة على الحدود البرية والبحرية.
ومن يقرأ تحذيرات الدول الغربية عن إمكانية حصول مذابح في حلب يظنّ أيضًا أنها تصدر عن قوىً هامشية ليس لها وزنٌ ولا تأثير، ولا تملك عمليًا أن تقوم بأي شيءٍ يمنع حصول مثل تلك المذابح، وأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو المناشدة والمُطالبة والتحذير!..
هزُلت.
هذه هي الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تصف باختصارٍ الموقف الدولي.
قلنا هذا بالأمس. أما اليوم، فهناك حديثٌ عن (ضربة).
حسنًا، لا نعرف إن كانت الضربة ستحدث أم لا. ولا نعرف، إن حدثت، تأثيرها مع التأكيد والإصرار الذي نسمعهُ على أنها ستكونُ ضربةً محدودة، وعلى أنها لا تهدف لإسقاط النظام!
لكن ما نعرفه أن الشعب السوري الذي بدأ هذه الملحمة سيكون في النهاية صاحب القرار في تحولاتها ومصيرها. وأن المسؤولية تقع على المخلصين من أبناء سوريا ليقوموا بكل ما يجب القيام به حتى تبقى مصرةً على الحياة وعصيةً على الاستسلام.