الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: الحرب التي ينبغي أن تنتهي

سوريا: الحرب التي ينبغي أن تنتهي

21.11.2019
آلان حسن


القدس العربي
الاربعاء 20/11/2019
سنوات ثمان عجاف مرت منذ بداية الحرب في سوريا، ولا حل سياسياً لها إلى الآن، بات الحديث عن وضع حد قريب لنهاية الصراع ضرباً من المستحيل في ظل ملفات عالقة يشكل التعقيد سمتها الأبرز.
ولعل قضية شرق الفرات هي من أعقد القضايا التي تواجه مرحلة انتهاء الحرب السورية، كونها خزاناً نفطياً ومائياً وغازياً مهماً لسوريا (380 ألف برميل نفط يومياً ونصف الغاز السوري) فضلاً عن التنوع العرقي والطائفي المتميز الموجود لدى شعوبها، وكذلك ملف الإدارة الذاتية القائمة منذ مطلع العام 2014 وتحالفها العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ أواخر العام 2014 .
 
ثلث مساحة البلد
 
دافعت قوات سوريا الديمقراطية عن مساحة شاسعة من الجغرافيا السورية، تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد، واستطاعت دحر تنظيم متطرف كان تهديداً لتماسك النسيج الاجتماعي السوري، وهذا ما نستشفه في كل منطقة استطاع التنظيم السيطرة عليها، بالإضافة أن مناطق سوريا الديمقراطية لم تشهد حروبا عرقية أو طائفية يمكن أن تؤثر على مستقبل اندماجها مع الداخل السوري، فضلاً عن أن العلاقة مع الحكومة السورية لم تنقطع بشكل كامل طوال سنوات الحرب.
ترامب المأزوم داخلياً بفعل ضغوطات المشرعين الأمريكيين، خصوصاً الديمقراطيين منهم، ومحاولات عزله المستمرة منذ أشهر، يريد تخفيف الضغط الحاصل عليه عن طريق مسح صورة المقاول الذي تخلى عن حليفه الموثوق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وتركه لقمة سائغة للتركي الذي لن يرحمه إن ظفر به، وأن يبين للأمريكيين المعارضين للانسحاب من سوريا أنه أنجز حلاً مرضياً بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية قبيل خروجه بشكل شبه كامل.
هذه الأسباب مجتمعة أفضت لانفتاح الرئيس ترامب على الوضع الكُردي في سوريا، وكذلك لاتفاق واشنطن مع تركيا بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو، يقضي بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية مسافة 22 ميلاً (32 كم) وتدمير تحصيناتها، خلال مدة أقصاها 120 ساعة مقابل إنهاء العملية العسكرية التركية في شمال وشرق سوريا.
تزامن انتهاء مهلة الانتهاء من ترتيبات إبعاد عناصر الوحدات مع زيارة الرئيس التركي لروسيا، واللقاء مع المنتصر الأكبر في سوريا فلاديمير بوتين، وعقد اتفاقية في سوتشي قضت بانسحاب مقاتلي قسد لمسافة 30 كم على كامل الشريط الحدودي السوري التركي.
ومذ ذاك فإن القوات الروسية تسيّر دوريات مشتركة مع نظرائهم الترك، وكذلك فإن الجيش السوري استكمل انتشاره على كامل الشريط الحدودي المتفق عليه مع قوات سوريا الديمقراطية.
بالإضافة إلى أن الجيش الروسي يعمل على إنشاء قاعدة عسكرية له في مطار القامشلي الدولي، ما يعني أنه يعطي أهمية كبيرة للبقاء في هذه المنطقة.
المطلوب الآن من سوريا الديمقراطية الاتفاق مع دمشق وبرعاية روسية، وعدم الرهان على بقاء أمريكي طويل الأمد، فهذا من شأنه أن ينهي قضية شمال وشرق سوريا والتهديد التركي مرة وإلى الأبد.
تمسك موسكو بكل خيوط اللعبة في سوريا، فمن جهة هي ثالثة أثافي ترويكا أستانة التي تجمعها بكل من إيران وتركيا، وهي كذلك ضامن هدوء جبهة الجولان، وبالتحديد بعيد سيطرة قوات عسكرية مقربة من طهران عليها، وكذلك فهي تريد رعاية مفاوضات بين دمشق وأنقرة، ودخلت مؤخراً على خط التفاوض الكردي والرسمي السوري، وهي تمسك بخيوط لجنة الدستور السوري، والأهم من ذلك كله فهي الوحيدة التي تستطيع ضمان تحجيم الدور الإيراني المتعاظم في سوريا، وجهودها هذه متسقة مع كل أطراف الحرب السورية.
 
تركيا لا تمانع
 
تركيا هي الأخرى لا تمانع دخول الجيش السوري إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فهي تعلم شديد اليقين أن دمشق ليست أقل حدة منها في رفض أي مشروع كُردي في سوريا، وعليه فإنها تفضل تواجد الجيش السوري في تلك المناطق على أن تشن عمليات عسكرية تخسر فيها جنوداً على يد المقاتلين الكُرد، الذين أثبتوا كفاءة منقطعة النظير على طول المعارك التي خاضوها مع فصائل المعارضة السورية وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، وأخيراً الجيش التركي.
يتوجب على مفاوضي الإدارة الذاتية أن يكونوا على مستوى الحدث، في طريق الوصول للحل المنشود بينها وبين الحكومة السورية.
الاتفاق المرتقب من شأنه أن ينهي ملف شرق الفرات.
وأن تكون بوصلتهم هي مصالح شعوب منطقتهم، وأن يضعوا نصب أعينهم هدف إيجاد حل واقعي وعملاني سياسي لمنطقة شرق الفرات تنهي حالة عدم الاستقرار القائمة منذ سنين.
على الحكومة السورية تبني فكرة أن من مصلحة الدولة السورية ومستقبلها أن تستوعب هذه المنطقة بتنوع أطيافها العرقية والطائفية، وألا تتعامل بمنطق المنتصر، وتفرض إملاءاتها، وتنتقم، بسبب ما كان من أيام الجفاء بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية، وأنْ تعلم أنّ اللامركزية المتوافق عليها أفضل وأضمن لمستقبل سوريا، فمركزية النظام الشديدة كانت أحد أسباب تفجر الأوضاع وهي أحد مرتكزات استغلال بعض الدول الإقليمية والعالمية للأحداث في سوريا.
هذا -وهذا فقط- سيمنح شعوب المنطقة حلاً يطمئنون إليه بعد أن ذاقوا الأمرين جراء الحروب التي خاضوها دون تحقيق أي مكسب سياسي، فالحرب السورية كانت منذ انطلاق شرارتها هي ساحة لابتزاز عديد الدول، ولتصفية حسابات القوى الإقليمية والدولية، ووحده الشعب السوري كان وقوداً لها دون أن يكسبوا منها شيئاً.