الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. الدولة المتفسّخة  (2-4)

سوريا.. الدولة المتفسّخة  (2-4)

09.10.2019
د. أحمد موفق زيدان


العرب القطرية
الثلاثاء 8/10/2019
‏نواصل اليوم الحديث عن تفسّخ الدولة السورية، فلم يعد هناك رئيس حتى للموالين له، وللمناطق الجغرافية التي يسيطر عليها اسمياً، فهل سمعنا عن زيارة له إلى المناطق التي أعاد الاحتلال السيطرة عليها من: حلب ودير الزور ومناطق ريف حماة وغيرها من المناطق..
يجري الحديث اليوم عن تفسّخ الاقتصاد السوري، الذي بات رهين المحبسين، رهين القوى الدولية التي تمكّنت من سوريا إن كانت الروسية حين سطت على حقول الغاز في البادية، ومعها حقول الفوسفات والثروات المعدنية السورية، ومعها سطت على قواعد عسكرية مهمة، أما الإيرانية فقد سطت على موانئ سورية، ومطار دمشق الدولي، والسعي المحموم إلى شراء الممتلكات بأبخس الأثمان، تحت ظروف قاسية وصعبة للهاربين والمشردين، وهناك الأميركية التي سطت على حقول النفط في الجزيرة السورية، عبر العصابات الكردية التي تقوم بمخططات هي أسوأ من المخططات التي تقوم بها الطائفة الحاكمة بحق السنة العرب هناك، فقد ذكرت دراسة أخيرة لـ "سنيابس سوريا" أن: "الدولة السورية شبه تلاشت، وحكومة النظام متهاوية، مفلسة، لا تمارس من أشكال الحكم إلاّ أكثره سطحية، وهي تلجأ إلى تمويل نفسها بطرق تدفع البلد نحو الهاوية".
أما الرهينة الثانية، فهم تجار الحروب، الذين برز معظمهم خلال الثورة، وتعزّز دور بعضهم الآخر، فباتوا مليارديرات معلنة، وقد كتبت عن ذلك "الفايننشال تايمز" وغيرها من الصحف العالمية، وحتى ظهرت تقارير اقتصادية عالمية مهمة تحكي عن تلك الحالة المهدّدة لاستقرار واقتصاد سوريا،ودول الجوار وما وراءها.
فبروز مليارديرات سورية، على حساب الطبقة الوسطى التي لم يعد لها وجود في سوريا، جعل البلد طبقتين، طبقة المليارديرات، وطبقة الفقراء المعدومين، وإن كان النظام يرغم ابن خاله رامي مخلوف وغيره على دفع مليارات الدولارات للروس كما طلبوا، ثمن احتلالهم وحربهم، وكانت "الفايننشال تايمز" اعتبرت رامي مخلوف بأنه يملك أكثر من نصف الاقتصاد السوري، لكن الأخطر من ذلك كله أن النظام اليوم لديه خطة اقتصادية جديدة تخالف القديمة، بحيث لم يعد يقبل بشراكات خلفية لرجال الأعمال، وإنما لا بد من أن يكون هو نفسه في مقدمة الشراكة وليس وراءها، وحينها ليعلم كل اقتصادي مدى الانحدار الذي سيصله الاقتصاد حين يتسلّمه ضابط مخابرات أو أمن، وحجم الثقة التي سيحظى بها وسط الشركات العالمية ورجال المال الدوليين.
‏ فرق الجيش السوري باتت تموّل من قبل هؤلاء الميارديرات، وهو بالطبع ما سيؤثر على العقل الواحد الذي يديرها، ويجعلها بطريقة أو بأخرى متعددة الاتجاهات، نتيجة تعدد التمويل، ويزداد معه التفسخ العسكري والأمني، ليصل الأمر إلى تشغيل أعضاء الفرقة الرابعة في جمع خردوات الحديد والفولاذ من داريا، وتسليمه لرجال أعمال لبيعه وتقاسمه مع ماهر الأسد لاحقاً، فضلاً عن نقل النفط من مناطق قوات سوريا الديمقراطية للنظام في دمشق.
‏هذا الانهيار المريع للاقتصاد السوري، وتراجع الشركات السورية يعني باختصار خسارة الملايين لفرص العمل، وبالتالي، دفع الشعب للهجرة إلى الخارج طلباً للرزق، فأخطر الثورات هي ثورة الفقراء، كما يقرر غوستاف لوبون وغيره من علماء الاجتماع.