الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: السلاح الكيماوي جريمة حرب

سوريا: السلاح الكيماوي جريمة حرب

29.04.2013
عبدالله بن بجاد العتيبي


الاتحاد
الاثنين 29/4/2013
تجتمع في الكارثة السورية كل شؤون المنطقة وهمومها وشواغلها، من الخصومات السياسية إلى الصراعات الطائفية، ومن الاحترابات داخل الحدود إلى التأثيرات والتدخلات الإقليمية، ومن التذمرات الدولية إلى المناشدات الإنسانية.
ربما كان سيئاً بالنسبة لبعض الكتاب والمتابعين أن يضطر أي كاتبٍ أو باحثٍ لإعادة أو تكرار بعض أفكاره ورؤاه، ولكن الأسوأ من ذلك -بما لا يقاس- هو أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، وأن تصدق الأفكار السلبية وتتحقق الرؤى المتشائمة، وذلك أبداً ليس على طريقة زعم التنبؤ بالمستقبل، ولا على سبيل ما تسميه العرب الرأي الدبري، أي الزعم بعد انتهاء الأحداث التبصر بها قبل وقوعها، بل على طريقة حرص دؤوب وشغف مستمر كان يحاول التفتيش عبر الوقائع والتنقيب بين الأحداث عن دلالات ومؤشرات تحمل شيئاً مختلفاً وأفقاً جديداً، وتعبر بواقعية صرفة عما يجري وتبذل جهداً مضنياً لاستقراء المقبل من خلال استحضار الحاضر والوعي بالماضي، وهو أمر صنعه بعض الكتاب على مدى العامين ونيف الماضية من عمر الأزمة السورية.
يعتبر البعض أن الحديث عن أن تلكؤ الدول الغربية سيخلق جماعات إرهابية أو "قاعدية" حديثاً جديداً، ويحسب البعض أن الكلام عن أن لهيب الحدث السوري سيصل إلى لبنان والأردن والعراق هو كلام غير مسبوق، ويظن البعض أن التحليل الذي يستحضر الطائفة والقبيلة والعرق، هو حديث من الماضي وليس له صلة بالواقع، بينما كل هذا الحديث قد قيل من قبل وأكثر من مرةٍ وبأكثر من صيغةٍ.
وحين يتم الحديث عن تقلّب رغبات بشار الأسد بين دولة علوية وبين التخلي عنها لمصلحة هذه الرغبة أو تلك، وحين يدخل "حزب الله" بعناصره وجنوده للقتال بجانب النظام السوري، فذلك ما تمّ التحذير منه سابقاً، وقل مثل هذا في كثيرٍ مما يجري اليوم.
ما تزخر به وسائل الإعلام من أخبار وأنباء ومستجدات هي بحاجة دائماً لعقدٍ ينظمها ويضعها في سياقها ومجرياتها وطبيعتها، ويربط حاضرها بماضيها، ويمنح المعنى لتدفقها ويؤلف متشابكها ويفضّ تناقضاتها، وهو ليس دور صانعي الأخبار، بل دور قارئيها ومحلليها.
الأمر المختلف الذي جرى هذا الأسبوع هو أنه قد ثبت أنّ النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، وهو ما يضع الخطّ الأحمر الأميركي وإدارة أوباما على محك الفعل والتأثير والتدخل بشكل فاعل في المساعدة على إنهاء المأساة السورية، فالسماح لدولة ما باستخدام السلاح الكيماوي دون عقوبة، سيفتح أبواب الجحيم على المنظومة الدولية بأسرها، وليس على سوريا أو المنطقة فحسب.
كان مثيراً حديث أوباما عن أن استخدام نظام الأسد لأسلحة كيماوية، سيغير "قواعد اللعبة" حسب تعبيره، ومن الجيد تذكير رئيس الدولة الأقوى في العالم أن ما يجري في سوريا لم يكن لعبةً يوماً وليس لعبةً اليوم، إنها مأساة ستظل البشرية تتذكرها طويلاً، وستبقى ذيولها وتأثيراتها طويلاً لا في سوريا وحدها، بل في المنطقة ككل وفي العالم أجمع، إنها سعير نارٍ يضطرم في القلوب والعقول، وسوادٌ قاتمٌ يسدّ الرؤى والآفاق، وهي مزرعة لم تزل تبذر الإحن وتزرع الأحقاد وتسقيها بالدم القاني والدموع المسفوحة على عتبات الطغيان والجبروت
يبدو الموقف البريطاني أكثر تقدماً على المستوى السياسي والإعلامي من الموقف الأميركي، الذي لم يزل متردداً غير أن الإدارة الأميركية يجب أن تُعنى بشكل أكبر بحجم التكاليف الضخمة والمآلات الكبرى لمثل هذا التردد، ويجب إقناعها بها وأن عليها في لحظات شديدة الخطورة والحساسية كهذه أن تغير من سياساتها، ولئن كانت ذاكرتها لا تريد استعادة تجاربها في أفغانستان والعراق واقتصادها لا يسمح بمزيد تدخلات خارجية عسكرية، فإن عليها أن تستحضر أن ضخامة المتغيرات توجب تغيير السياسات.
أما كيف يجب أن يكون هذا التدخل؟ وما هي الآليات الأمثل لوضعه موضع التنفيذ؟ وما هي الطريقة الأنجع لضمان وصوله لأهدافه؟ فهذه كلها قابلة للنقاش والأخذ والرد والبلورة والتطوير المستمر، ولكنّ الأهم هو أن يتم اتخاذ القرار الصائب.
الأفكار عديدة في هذا الإطار، فيمكن خلق مناطق آمنةٍ ومناطق حظر طيرانٍ في المناطق المحررة من بطش النظام، والتي يسيطر عليها الجيش الحر سواء على الحدود الشمالية مع تركيا أو الجنوبية مع الأردن أو حتى الشرقية مع العراق، بحيث تمنح مناطق آمنةٍ للسكان يلجؤون إليها، ويمكن للمساعدات الدولية أن تصل إليهم بيسر وسهولة، كما يمكن الانتقال لتسليح نوعي وتدريب متقدم لعناصر الجيش الحرّ مع خلق آلية محكمة تضمن عدم وقوع تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ، أي إلى الإرهابيين الذين تكاثروا في سوريا من كل مكان في العالم نظراً للتباطؤ والتلكؤ والتردد الدولي في اتخاذ مثل هذه الخطوة وتبني هذا التوجه.
يبدو النظام الإيراني وكأنه تحت الضغوط الدولية لم يعد يرى له مخرجاً سوى التصعيد الدموي في المنطقة، فدعم النظام الأسدي بالأسلحة والجنود والخبرات أمر معلوم، ودفع عناصر "حزب الله" للدخول المباشر في كثيرٍ من المناطق السورية للقتال بجانب النظام الأسدي وقتل السوريين هو إحراق لورقة "حزب الله"، يشير لمدى اندفاع النظام الإيراني لتصعيد الأوضاع، وقل مثل هذا فيما يجري في العراق، فقرارات السلطة بمهاجمة وقتل المعتصمين في "الحويجة" وقبلها وبعدها، هو توجه ضمن هذه الاستراتيجية العنيفة، والأمر ذاته ينطبق على تحريكها لخلايا تجسسية وتخريبية في دول الخليج وتدخلاتها السافرة في اليمن.
سبق القول بأن مراقبة استراتيجية النظام في التصعيد العسكري تشير بوضوح لعملية التجريب على أضيق نطاقٍ لجس النبض الدولي ثم التوسع فيه، جرى هذا في استخدام القوات المسلحة البرية ضد المدنيين، ثم في استخدام سلاح الطيران، ثم استخدام الصواريخ البالستية كصواريخ "سكود" لقصف المدن والقرى، حتى وصل أخيراً لاستخدامٍ محدودٍ للسلاح الكيماوي ضد المدنيين، سيتم تعميمه إنْ لم يكن ثمة موقف دولي يردع النظام ويعاقبه.
أخيراً، تحدث رئيس الوزراء البريطاني عن أن استخدام السلاح الكيماوي يعتبر "جريمة حربٍ"، وهي كذلك بالفعل، وما يجب على الدول العربية وبريطانيا هو إقناع الولايات المتحدة بقيادة موقف دولي صارم ينهي المأساة السورية ويعاقب مجرمي الحرب.