الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا العرب ولعنة الخلاف العالمي

سوريا العرب ولعنة الخلاف العالمي

07.09.2016
فايز الفايز


الشرق القطرية
6/9/2016
بدأ الصراع في سوريا منذ زمن الرئيس السابق حافظ الأسد، فقد وصل إلى الحكم عام1971 نتيجة خلافات داخل قيادة حزب البعث العلماني الذي كان ولا يزال يحكم دمشق، ونتيجة الخلاف الذي أنتج رئاسة الأسد الأب فقد توالت الخلافات مع مرور السنين ما بين الأسد الرئيس وبقية وحوش الغابة في سوريا، حتى وصل الأمر إلى طرد حافظ لأخيه رفعت عقب صراع الأشقاء وأبنائهم، وانتهاء ثورة حماة التي أخمدها النظام بالدبابات والطائرات والقذائف الحارقة وسرايا الدفاع، ومنذ ذلك الحين والخلافات هي الإستراتيجية التي يسير عليها النظام في سوريا، حتى تحول النظام الرئاسي الحزبي إلى نظام الرئيس الملك، إرث يُمنع منافسته، وبقي الرهان على الخلافات بين المعسكرين الشرقي والغربي لبقاء الوضع الراهن في قصر الرئاسة.
لطالما كانت سوريا هي ملعب التصفيات الأولية للخلافات السياسية ما بين واشنطن وموسكو فمنذ نشوب الحروب العربية مع إسرائيل الحليف الأول للولايات المتحدة، كانت واشنطن تدعم بقوة التفوق الإسرائيلي وهو أحد أهم عوامل استعراض القوة أمام الاتحاد السوفييتي السابق زمن الحرب الباردة، إذ إن سوريا التي كانت مخزنا للأسلحة الروسية كانت تعج بالجواسيس والخبراء العسكريين الروس الذين طالما عملوا لصالح مصالح روسيا التاريخية، فسوريا تعطيهم مساحة واسعة للعمل والمناورة في الملعب التاريخي للولايات المتحدة والحلف الغربي، بريطانيا وفرنسا، فبيروت كانت حارة من حارات دمشق وعملاء المخابرات الفرنسية يعشقون فنادق بيروت، وقوات المارينز الأمريكية تتمركز بمحيط مطار بيروت الدولي إلى جانبها القوات الفرنسية، والعملاء ينقلون تقاريرهم عن نشطات إيران وقوات الحرس الثوري إلى واشنطن وباريس، فيما الرئيس حافظ الأسد يلعب على جميع الحبال باحترافية، وقواته تحتل جزءا كبيرا من شرق لبنان ومن بيروت أيضا، وقواده يسيطرون على القرار اللبناني، وعلى الخلافات بين الفرقاء كان الجميع يعتمدون على طول البقاء والسيطرة.
اليوم ليس أشبه بالبارحة، فالملعب والميدان والأرض المحروقة هي سوريا، ورغم أن طباخ السمّ الأب قد توفي، فقد أورث ابنه إمبراطورية الخلافات رغم محاولاته الخروج بأقل الخسائر السياسية، حيث اضطر للخروج عسكريا من لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع دعم عميله في بيروت حسن نصر الله وإبقاء أصابعه تلعب هناك، ولكن النيران نشبت في أكثر المدن طمأنينة للقيادة الدمشقية، فمن درعا انفجر الغضب، رغم الرؤساء والقادة العسكريين والأمنيين الحوارنة، ولم يطل الأمر بالأسد الابن حتى داوى جراحه بتصفية جميع القيادات العسكرية التي اختلفت معه في إستراتيجية القبضة النارية، ثم بعد الحريق الكبير من درعا حتى حلب، عاد الأسد الصغير للعب دور حافظ الكبير، فأخرج وصفة حافظ: إطلاق شياطين التفرقة بين مكونات المجتمع، والاعتماد على روسيا وإيران الحلفاء التاريخيين للنظام الأسدي، وبناءً على الخلافات العالمية بنى بشار قاعدة البقاء في دمشق ينتظر النهاية.
من دمشق حيث قمة القيادة الدكتاتورية الحربوية القاتلة للشعب، إلى "هانغشتو" حيث قمة دول العشرين المنعقدة في شرق الصين، لم يتغير شيء على أرض الواقع، فالخلافات بين الدول الكبرى المتمثلة بالولايات المتحدة وروسيا أطاحت بأي أمل جديد بحلّ للصراع المدمر في سوريا، فقائدا المباحثات السياسية كيري ولافروف لم يخرجا بنتيجة إيجابية، بل إن ما توصلا له قبل أيام من مواقف تفاؤلية قد ذهبت أدراج العواصف الخلافية، ولهذا ستبقى مسألة حسم الصراع ولجم القوة العسكرية للنظام والدعم المفتوح من روسيا وإيران للنظام كي يعيد حصار المدن وتفجير المساكن والمرافق وتأجيج الصراعات الجانبية بين فصائل المعارضة، وسيبقى الشعب السوري ينتظر أن يتصالح الطرفان الروسي والأمريكي ويتفقان على مصالحهم، وجراحهم تشفى ودماؤهم تحقن وتنتهي كارثة العائلات والأطفال والنساء، ويبزغ شعاع في نهاية النفق المظلم الطويل.
سوريا ليست شركة مملوكة لآل الأسد وأنسابهم وأقربائهم وشركائهم وحلفائهم ليمنع التصرف بها لغيرهم، إنها بلاد التاريخ والشمس، ومنذ رحيل آخر وآلّ عثماني عنها حكمها ملك وخمسة وعشرون رئيسا حتى حافظ الأسد، ولم يعد خافيا أن قرار تنحي بشار عن الحكم لم يعد بيده، فالحل لم يعد في دمشق منذ وقت ليس بالقصير، بل الحل على طاولة بوتين ـ أوباما، أو بوتين ومن سيخلف أوباما، وبوتين روسيا ذاهب حتى النهاية مع قلعته السورية التي يلعب بها في مواجهة الغرب، فيما الأمريكان يشتهون ويستحون، يحبون التغيير ولا يريدون الإضرار بمصالحهم أما الخلافات العربية العربية لم تكن وبالا إلا على شعوبنا، وتبقى الخلافات والمصالح العالمية هي من تتحكم بمصائرنا.
لذلك لنستعد لعقد جديد من الحرب السورية المدمرة حتى آخر قطرة دم للشعب السوري وللثوار وحتى آخر درهم يدفعه الداعمون في تجارة الدم، ولهذا ستبقى أمتنا في ذيل قائمة الأمم، فالزمن لم يتغير بل تغيرت الأسماء، فمصير بلادنا لا زال مرهون برغبة السيدين "سايكس وبيكو" حتى وإن ماتا، فالبركة بالسيدان لافروف وكيري، ومن يخلفهما من بعد.