الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: الغارة الإسرائيلية وتكتيك حرق الخيارات

سوريا: الغارة الإسرائيلية وتكتيك حرق الخيارات

15.05.2013
غازي دحمان

غازي دحمان
المستقبل
الاربعاء 15 /5/2013
بين الدعوة إلى مؤتمر جنيف، الذي ترعاه كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والغارة الإسرائيلية على مواقع ذات طبيعة حساسة في دمشق، ثمة ما بدأ يكشف عن نفسه في هذا الفضاء السياسي العسكري، المتناقض والمتلاطم، الذي يحيط بالأزمة السورية، ويحاول إعادة تشكيلها وفق نمطية جديدة يمكن من خلالها تحديد ممكنات التفاوض فيها من واقع الفوضى وحالة خلط الأوراق التي إتبعتها القوى الحليفة للنظام السوري، بعد ان تولت زمام قيادة الأمور الميدانية، وصار النظام مجرد فرقة، من بين مجموعة فرق تشغيل ماكينة العملية الدائرة في الميدان السوري.
لعبة تغيير الوقائع الميدانية، تلك التي يحتفل النظام وحلفاؤه في إكتشافها في الواقع السوري، يبدو أنها تواجه بإستراتيجية مقابلة، تتمثل بتخفيض قيمة مفاعيل هذه العملية، من خلال إجباره على خصم بعض عناصر قوته الفاعله من حسابات ميزانه على الأرض، إما عبر ضربها مباشرة، أو من خلال إفهامه بإمكانية تحييدها عملانياً وإستراتيجياً نتيجة وقوعها تحت التهديد المباشر بإزالتها والقضاء عليها، مما يعني إخراجها نهائياً من معادلات القوة، وتحويلها إلى عنصر بمفاعيل سلبية مؤذية.
هكذا، شيئاً فشيئاً تتضح طبيعة الخيارات الغربية في التعامل مع نظام الحكم السوري، الإستنزاف والتدمير بالتقسيط، وسياسة التعويد على قضم قوة النظام، والهدف، من وراء هذه الإستراتيجية، الوصول إلى حالة تفكيك النظام، أو التمهيد لظهور قوى معينه من داخله، أو من بيئته، التي صارت تمتلك مساحة مهمة من قرار هذا النظام، يمكن التفاوض معها، وبها، يتم ضمان بقاء المؤسسات وإستمراراها وعدم انزلاق سورية إلى الفوضى الشاملة، أو أقله ضبط ما يمكن ضبطه في الحالة السورية.
لا شك أن الغارات الإسرائيلية، الدقيقة الأهداف والإصابات، تحمل في طياتها غايات بعيدة المدى، ويتضح ذلك من خلال قيام إسرائيل بالتركيز على ضرب روافد القوة الأساسية لدى النظام ، قوات النخبة في الفرقة الرابعة، وفي القلب منها اللواءان 104و105 والفرقة 14 جوية، والتي تشكل أهم الأذرع الضاربة لدى النظام، حيث يبدو أن المقصود بهذا العمل إضعاف بنية القوة لدى النظام من ناحية، والتأثير بخياراته المستقبلية من ناحية أخرى، ذلك ان أي خيار يسعى النظام لإعتماده، ستكون أليات تنفيذه منوطة بهذه التشكيلات العسكرية المهمة والقادرة، ومن دونها كل الفوى الأخرى رديفة ومساعدة لكنها ليست أساسية.
هي غارة، أو غارات، على خيارات النظام نفسها، ثمة قناعة بدأت تترسخ لدى دوائر الاستخبارات الغربية والإسرائيلية بأن بشار وجماعته وحلفاءه لديهم خيارات خطيرة من شأنها المساس بالأمن الإسرائيلي، وأمن المنطقة في المديين القريب والمتوسط، ، فهم يجهزون منطقة الساحل للفرار إليها وترك باقي سورية مرتعا للفوضى والدمار، باتفاق روسي إيراني وكذلك لترك مجال له يعبث من خلاله بأمن المنطقة عبر أذرع مأجورة قد يصنعها مع إيران، في استعادة لتجربة "حزب الله" في لبنان، ويبقى هو وحلفاؤه يمسكون بخيوط الصراع في المنطقة.
على هذا، فإن تكتيك الضربات للمواقع المهمة والحيوية في هيكلية القوى النظامية يهدف بدرجة مهمة إلى إظهار وجهة نظر أخرى في البنية المتماسكة للنظام، ودفعها لتغيير حساباتها والتعامل بحسابات أكثر براغماتية وعملانية، تساعدها في بناء رؤية صحيحة للفرص والمخاطر التي تحملها المرحلة بناءً على معطيات غير تلك التي يوفرها الأسد، وتساعدها على الظهور والتبلور والتموضع في بيئتها أكثر، هي محاولة لتفعيل قوى جديدة داخل النظام تلك التي لم تجد أفكاراً ورؤى وتصورات جديدة غير تلك الإنتحارية التي يفرضها عليها آل الأسد.
هذه الضربات أيضاً تكشف مدى وهن رهان النظام على التحالف الإقليمي والدولي الذي يستند عليه، والذي سيظهر أنه تحالف، ورغم المساعدات اللوجستية التي يقدمها، يبقى تحالفاً تفاوضيا، يسعى إلى استثمار حالة الخطورة التي توفرها الأوضاع المأزومة بالمزاوجة مع مخاوف الغرب وارتباكه وتردده، تحالف لا يبتغي أكثر من تعويم بعض الملفات ورفع سقف أسهمها التفاوضية، باستثناء ذلك فلن يذهب بوتين إلى حد إعلان الحرب على إسرائيل وأميركا، كما ان الخامنئي لن يغامر بإرسال جنوده للدفاع عن بشار، كل ما يمكن فعله هو تدريب جيش الأسد على ما صرح قائد القوات البرية الإيرانية. أما حزب الله الذي يقاتل في القصير والسيدة زينب فيدرك أن جبهة إسرائيل محرمة عليه تماما لاعتبارات إستراتيجية وعسكرية.
ووفق هذا المنظور أيضاً، فإن لتكتيك الضربات بالتقسيط، فوائد نفسية كبيرة، تتأتى من كون حلفاء دمشق من الممكن ان يتكيفوا مع الأمر ولا يحرجوا أمام شعوبهم، فهذه الضربات لن تؤدي لإسقاط الأسد بين ليلة وضحاها، وهي تعطي مساحة واسعة لإجراء مقايضات ومساومات مع مختلف الأطراف السياسية، مما يعني انها تتيح هامشاً سياسياً مرناً يستطيع هضم وإبتلاع كل حالات التوتر وتنفيسها، بعكس الهجوم الشامل الذي تغلق معه كل الأقنية الدبلوماسية.
وبالنسبة للغرب فإن هذا الخيار يقلل من المفاجآت ولا يستدعي استنفارا عسكرياً ولا موارد مالية كبيرة، كما انه يلتف على حالة المعارضة الشعبية الغربية في هذه الآونة للتدخلات الخارجية، ولا يمس مداخيلهم وميزانيات معاشهم، كما لا يتطلب المغامرة بأولادهم في حروب الشرق الأوسط.
على ذلك، تشير التقديرات إلى انه من المتوقع مشاهدة تشكيلة متنوعة من التطبيقات العملانية لهذا النمط من الضربات في المرحلة القادمة، ومن الممكن ان يكون بعضها قد أخذ طريفه إلى التطبيق والتنفيذ مثل تعطيل بعض المنشآت العسكرية ذات الطبيعة الإلكترونية، وقد تشمل في مرحلة متقدمة كل ما له علاقة بالأسلحة ذات الطبيعة الإستراتيجية، أو مخازن الأسلحة الكيماوية، ومراكز التحكم والقرار، ولذلك مؤشراته الكثيرة، منها وأهمها طبيعة التدريبات الخاصة التي تجريها القوات الأمريكية لبعض الفرق ذات المهمات الخاصة في الأردن، مما يعني ان الإستهداف لن ينحصر بالبوابة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة.
في الجهة المقابلة، التقدير أن لا يقوم النظام بإجراء ردود معينة على الغارة، كل المؤشرات تدل على ذلك فلا توجد لديه إستعدادات موحية بذلك، كما أنه بات يفتقد للأدوات وللبنية التحتية للقيام بهذا النوع من الأعمال، وحتى عقائديا لا تشكل إسرائيل هدفاً للنظام أو عدواً محتملاً، فضلا عن معرفة النظام المسبقة بالأثمان التي من الممكن دفعها في حال سيره بهذه المغامرة، النظام لا تهمه سورية وبالتالي لم يعد مستعداً للمغامرة والدفاع عنها، قد نشهد بعض الردود المضبوطة جدا والمبسترة في حال إستمرار الغارات، كنوع من الدعاية المؤقتة، ليس أكثر.