الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا اللبنانية.. الممكن والمستحيل

سوريا اللبنانية.. الممكن والمستحيل

30.12.2015
فايز الفايز



المستقبل
الثلاثاء 29/12/2015
في يوم من أيام السنين الخوالي لم يكن أحد من أهل السياسة والفكر الاستراتيجي وحتى أجهزة المخابرات العالمية يستطيع أن يتوقع متى تنتهي سيطرة النظام السوري ـ نظام أبو سليمان ـ على لبنان، ولم يكن أحد من اللبنانيين يحلم بأن يستيقظ يوما ليجد الدبابات السورية وقد غادرت جسر البربير الفاصل بين بيروت الشرقية والغربية، وكان حلم اللبنانيين في أن يأتي يوم ليجدوا كل تلك الكوابيس القاتلة من الفصائل العربية والعالمية وقد غادرت أرض لبنان، فيما كان السياسيون اللبنانيون يدركون تماما أن لا حيلة لهم ولا قرار لتقرير مصيرهم بعيدا عن قرار مندوب رئيس الجمهورية العربية السورية في لبنان غازي كنعان، وكانت لبنان ساحة حرب مفتوحة لتصفية الحسابات السياسية العربية والإقليمية، ولا تزال.
اليوم الزمن مرّ، ودارت عجلة الأيام على النظام السوري، وما اكتوى به اللبنانيون احترق به الزعماء السوريون الذين صنعوا خارطة الآلام لبلد صغير كانوا يسيطرون عليه، وتحولت سوريا الكبيرة إلى محرقة كبيرة، لم يسلم من نارها وشررها ودخانها أحد، فعاد شريط الأيام ليجدد ما كان يحدث بلبنان في سوريا، وبات "الأسد" الابن، يتجرع الكأس التي جرّعها الأسد الأب للزعماء والقادة اللبنانيين الذين لم يدينوا له بالطاعة، وكما تحالف الرؤساء اللبنانيون والقادة السياسيون هناك مع دول خارجية ومليشيات مسلحة ليتقاتلوا، اضطر الرئيس الأسد للتحالف مع الدول الخارجية والمليشيات الإرهابية لقمع ثورة شعبه ومواجهة التنظيمات التي سيطرت على أرضه، وضرب بالسيادة الوطنية السورية عرض الحائط.
كان قادة العسكر السوريون وضباط الاستخبارات من كنعان إلى حتى غزاله يقولون إن من يريد أن يدخل إلى ملهى في لبنان يجب أن يأخذ موافقة دمشق، ولكن اليوم بعد ما قُتل أغلبهم، لا يستطيع أي من كبار ضباط الأجهزة السورية أن يخرج ليقول: من أراد دخول سوريا فعليه أن يبلغنا بمجرد إشارة، فلم يعد أحد يسيطر على الأرض، فيما سيادة السماء السورية يسيطر عليها الطيران الروسي الفتّاك وحاملات البراميل السورية المتفجرة، ولا بأس بجولة لمقاتلات إسرائيلية خاطفة.
وفي ظل كل هذا الانهيار السياسي والعسكري، مازال هناك وزراء وسياسيون موالون للنظام يتحدثون بتعال وبتكبر ولغة اتهامية ليس للدول العربية المجاورة فقط بل ولقادة الثورة السورية ومقاتليها، وكأنهم يريدون أن تبقى سوريا لمائة عام على هذا الحال، فيما يفاوض ضباط مخابرات إيرانيون بالإنابة عن النظام لإخراج مقاتلي المعارضة من مناطق جنوب العاصمة دمشق ومناطق مضايا وسرغايا وبقين، وريف إدلب وحمص، وهؤلاء الإيرانيون هم من يقف قوات النظام ودفعهم لقتل المزيد من المدنيين السوريين الأبرياء لتأجيج الصراع، وإبقاء السيطرة على دمشق كمعقل أخير لمنظمة الأمن السياسي الرئاسي.
لقد أخذت سوريا شوطا طويلا من الصراع الدموي حتى وصلت إلى هذا اليوم الذي يودع عامه الرابع عما قريب، وليس في الأفق أي معجزة لإنهاء هذا البلاء العام الطام، ليس لأن الحل مستحيل، بل لأن هناك من لا يريد للصراع أن ينتهي هناك، فإيران لن تفرّط أبداً بفرصتها الذهبية في سوريا حيث تمددت سيطرتها العسكرية والسياسية وتربعت في حضن الدار، بينما الحدود الإيرانية لم يخترقها أي صاروخ أو رصاصة، ولا أحد يتكلم عنها اليوم بأي سوء كما كان يحدث مثل هذا اليوم قبل عام وبرنامجها النووي قائم وعلاقاتها مع العالم تطورت على حساب العالم العربي، في المقابل هناك "الشريك الروسي" الذي استأثر بالأجواء السورية والسيطرة على ساحات القتال واحتفظ لنفسه دون أي قرار عربي أو أممي بتنصيبه قائدا عاما وأعلى لجيش النظام السوري، فهو يقتل من يشاء أينما شاء مادام الضحايا سوريين ومسلمين، فسوريا بالنسبة له ميدان رماية وساحة مناورات يستعرض بها أمام الغرب والولايات المتحدة.
إذن هل من الممكن أن يستمر الصراع إلى ما لا نهاية في سوريا، أم أن الحل من الممكن في أقل من شهر حيث موعد محادثات جنيف القادمة؟ لا أحد يمكنه التكهن بذلك، ولكن ما يمكن توقعه هو الوصول إلى اتفاقات لإنهاء الصراع الدموي على الأقل، إذا رفعت طهران وموسكو أيديهما عن سوريا، وأخرجت قواتهما من هناك أو على الأقل ابتعدت عن ساحة العمليات، والسماح للأمم المتحدة بالتعاون مع دول غير منخرطة بالصراع بترتيب اتفاقات لوقف إطلاق النار وفرض مناطق حظر جوي، ومناطق آمنة للمدنيين، وبعدها يلتقي طرفا الصراع السوري من المعارضة والنظام لوضع نهاية لهذه المأساة الكبرى وتتوج برحيل الأسد وعائلته الحاكمة وأعوانه، والاتفاق على مرحلة انتقالية جديدة لا تشبه أبداً الحالة اللبنانية التي تعيش حربا باردة، فهل نشهد اتفاق مؤتمر"جنيف النهائي" كما شهدنا اتفاق مؤتمر "الطائف" الذي أنهى الحرب اللبنانية؟ فهل هذا ممكن أم مستحيل اعتمادا على انتهاء مصالح الدول الإقليمية.