الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا بين الأفغنة والصوملة

سوريا بين الأفغنة والصوملة

14.06.2014
د. رياض نعسان أغا



الاتحاد
الجمعة 13/6/2014
أحد الكتاب الصوماليين اعترض على المقاربة بين ما يحدث في سوريا وبين ما حدث في الصومال، ورأى وضع سوريا أخطر بكثير، ولكن الأخضر الإبراهيمي استعاد المقاربة وهو يودع مهمته الفاشلة معتذراً عن الفواجع التي انتهت إليها، منذراً بعتمة طويلة في النفق الذي ستدخل فيه المنطقة. وربما يعترض كاتب أفغاني أيضاً عن مقاربة مع ما حدث في أفغانستان مع ما يحدث في سوريا على رغم أن "طالبان" تتجدد اليوم مع اقتراب ظهور دولة "داعشستان"، وقد بدا الامتداد المفاجئ ل"داعش" في العراق دون مقاومة تذكر أمراً غامضاً تحار التحليلات في فهمه وتفسيره. والعجب أن تسلم الموصل ل"داعش" كما سلمت الرقة دون مقاومة! وقد فسر المعارضون السوريون استسلام الرقة ل"داعش"، وعدم مقاومة النظام لظهورها بأنه محاولة ذكية من النظام لتمكين الإرهاب كي يظهر بديلاً عن النظام العلماني مما سيعزز حضور النظام، ويرشحه للبقاء والالتحام بالمجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، وقد اعتقد كثير من المحللين أن النظام هو الذي مكن هذه التنظيمات المتطرفة كي يخلط الأوراق ويوجه الأنظار إلى أنه يقاوم إرهاباً وليس ثورة شعبية ذات مطالب مشروعة.
والواضح أن النظام نجح في ذلك، فقبيل مفاوضات جنيف ظهر طرح دولي على المعارضة السورية يقترح تحالفاً بينها وبين النظام لمقاومة الإرهاب، وسمعنا عن دعوات للجيش الحر تقترح عليه أن يتوقف عن معاداة النظام وأن يلتحق به لمكافحة الإرهاب، وحين رفض التحول إلى حرب أهلية، وشكك في موقف هذه التنظيمات التي لم تحارب النظام ولم يحاربها، توقف عنه الدعم من أصدقاء سوريا. وانهمرت عشرات آلاف البراميل المتفجرة فوق المدن والقرى في قصف يومي عشوائي، بينما لقيت المجموعات المتطرفة دعماً عسكرياً واضحاً مع تفكك وانهيار مبرمج في صفوف المعارضة المعتدلة على رغم أنها وافقت على الحل السياسي وبناء مرحلة انتقالية حسب مؤتمر "جنيف 2" الذي لم نلحظ فيه جدية حتى من قبل من صاغوا بياناته ومن دعوا إليه.
وسر الغموض الذي يجعل التحليلات فيما يحدث غائمة أن قوى "داعش" لم تظهر فجأة، وأن تسليحها لم ينزل عليها من السماء، وبالتأكيد لم تفاجأ بها قوى المجتمع الدولي ومخابراته المنتشرة حتى في أصغر أحياء سوريا والعراق، وليس مقنعاً الاعتقاد بأن "داعش" أقوى من أن تخترقها تلك القوى، وأنها مستقلة في قرارها، وليس لها نصير قوي يمدها بالسلاح والعتاد والأموال، وهنا يبرز السؤال المحير "ما سر هذا الدعم الذي تلقاه داعش؟ وما المخطط الذي يتم تنفيذه؟ ولمصلحة من ستظهر دولة دينية في قلب الشرق الأوسط؟ وهل سيعترف بها أحد؟".
ولم يعد مقنعاً أن يقال: إن امتداد هذه الدولة إلى العراق يخدم النظام السوري أو يخدم المالكي أو إيران، فهؤلاء جميعاً سيكونون من الخاسرين حتى لو هادنوا دولة "داعش"، وحتى لو خاضوا حرباً مستقبلية مكلفة معها. وأما القول: إن الولايات المتحدة هي التي تدعم "داعش" فهو اتهام يحتاج إلى فهم أعمق، فالولايات المتحدة جربت ذلك حين أسست حركة الأفغان العرب لمساعدتها في طرد الروس من أفغانستان، وحين دعمت بشكل خفي حركة "طالبان" (وهذا ما أكدته بشكل صريح هيلاري كلينتون مؤخراً في تصريح منشور) ثم ما لبثت الولايات المتحدة أن حاربت "طالبان" بقوة، فهل يعقل أن تكرر خطيئتها وهي تعلم أن إعادة المارد إلى القمقم ليست بسهولة إخراجه؟ وقد يرفض رأيي بتبرئة الولايات المتحدة من دعم "داعش" من سيطلبون تفسيراً لصمت الولايات المتحدة الطويل الذي جعل سفيرها في سوريا يعلن عجزه عن الدفاع عن سياستها ويقدم استقالته، وهذا سيوقعني في حيرة تشبه حيرة الفلاسفة المؤمنين في مسألة المسيّر والمخير، فهل قويت "داعش" رغماً عن الغرب كله؟ وهل سيغامر العالم بإظهار دولة دينية سنية في أخطر مناطقه بين دولة إسرائيل اليهودية ودولة إيران الشيعية التي يمتد نفوذها إلى جنوب لبنان مروراً بسوريا؟ هل هو في صالح العالم ظهور دول دينية تتصارع في الشرق الأوسط على بوابة تركيا التي تنعكس عليها هذه الأزمات بشكل مباشر وهي عضو في "الناتو"؟ وهل تضحي الولايات المتحدة بصداقاتها التاريخية مع السعودية وبعض دول الخليج فتميل إلى إيران علانية وتدعم نفوذها الشيعي بهدف تحويل اهتمام المنطقة من الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع سني شيعي مفتعل؟
وفي جحيم التطورات المريعة في المنطقة تكبر معاناة السوريين المشردين، وتصبح قضيتهم ثانوية وهامشية، وتتوجه الأنظار اليوم إلى العراق، وتنضم إلى قوافل النازحين السوريين قوافل جديدة من النازحين من الموصل وغيرها من المدن التي غزتها "داعش"، وسيجد الأكراد والأتراك أنفسهم مضطرين للدخول في عمق الصراعات التي تهدد أمن المنطقة كلها، وسيكون الخطر المحتمل أكبر في لبنان والأردن. وأما سوريا فالخطر الأكبر فيها أن يطالها مشروع التقسيم الذي بت أخشى أن يكون توسع "داعش" بداية عملية له لرسم خريطة جديدة، يكون نصيب السنة فيها دولة الإرهاب التي يحاربها العالم كله، ونصيب الباقين دولة شيعية يقودها "حزب الله" السوري الذي سيحل محل حزب "البعث" في القيادة وستحل محل شعارات العروبة والرسالة الخالدة، والوحدة والحرية والاشتراكية رايات مذهبية سترجع بالشام إلى صراعات القرن السابع الميلادي!
ويبدو أن الأحداث المأساوية الراهنة تجاوزت أفكار مسارح العبث واللامعقول، وكثيراً ما أجدني أسائل نفسي: هل فقدت الأمة حكمتها؟ ومن ذا الذي يقود وعيها إلى هذه الهاوية؟ وكيف يمكن أن تخوض أمتنا صراعات طائفية ومذهبية بين سنة وشيعة، بين عرب وفرس وترك وكرد، والعالم يتحدث عن العولمة وعن القرية الكونية وعن قيم الديمقراطية والتعددية والتنوع الفكري والثقافي؟ أين العقلاء في العالم كله ولمَ يصمتون عن الانحراف الخطير في أهم مواقع العالم تأثراً وتأثيراً؟ وكيف تم القضاء على جوهر مطالب الشعب السوري؟ وهل تكون عقوبة الشعب السوري لأنه طلب الحرية والكرامة أن يقتل ويعتقل مئات الآلاف من أبنائه وأن تقسم سوريا ويشرد الملايين، وتدمر كل البنى التحتية، وتصير سوريا أرضاً خراباً؟
لقد بتنا نخشى أن يستمر الصمت الدولي وتستمر الحرب المجنونة، فلم تعد هناك مبادرات للحلول، ولم يقدم النظام أية مبادرات إيجابية من طرفه تعبر عن مراجعة وطنية، فحتى العفو الذي صدر مؤخراً تم تفريغه من مضمونه حين اشترط أن يسلم المحكومون أنفسهم لأجهزة الأمن.
واليوم تبحث غالبية الشعب السوري عن مخرج من المستنقع الآسن الذي رميت فيه سوريا، وعن حلول ممكنة مقبولة تنقذ ما تبقى أو ما يمكن إنقاذه، ولكن ما يحدث من تصعيد في المنطقة كلها يجعل الطريق معتمة بل هي تدخل في نفق أشد ظلماً وظلاماً.