الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا بين القرار الدولي والنفوذ الأمريكي

سوريا بين القرار الدولي والنفوذ الأمريكي

09.12.2013
د. محمد عثمان الثبيتي


المدينة
الاحد 8/12/2013
سوريا بين القرار الدولي والنفوذ الأمريكيلم يدر في خلد أي مُتابع أن تنحو الأمور في الشأن السوري لهذا الشكل غير الموضوعي ؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الدعم الأمريكي كان في بداية الثورة بل وإلى قبيل الضربة العسكرية التي صرَّح بها أوباما بُعيد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد العُزّل من شعبه ،منقطع النظير للثورة ضد النظام ، ولكن الفلسفة البرجماتية التي تحكم السياسة الأمريكية قالت قولتها في الوقت الذي كاد أوباما أن يتجاوز الحدود المسموح له بها ، فكما يعلم الجميع أن المصالح العليا لأمريكا هي المُقدمة على كل المصالح الأخرى ، فعندما سنحت الفرصة للتقارب الأمريكي الإيراني تخلَّصت أمريكا من دورها المحوري في إنهاء القضية السورية ، وسبَّقت مصلحتها لتحقيق صفقة نوعية مع النظام الإيراني على حساب كل القيم والمبادئ الهُلامية التي كانت ولا زالت تُنادي بها على كافة المنابر الدولية دون أن تُراعيها على أرض الواقع ، أو تلتفت لحلها – على اعتبار أنها تتمتع بنفوذ وقوة – تجعلها تتدخل في القرارات الداخلية للدول عن بعد ، وإن لزم الأمر فهي قادرة على التدخل المُباشر دون أخذ إذن من المكلوم في أمره – مجلس الأمن – أو المُداهن لمصلحته – الكونجرس الأمريكي - .
توالي عقد المؤتمرات دون وجود أثر لها على الواقع مؤشرٌ لا يقبل التشكيك في فشلها الذريع في الخروج بصيغة توافقية إجرائية بين المُجتمعين لحل الأزمة السورية ، وما جنيف 2 إلا واحدٌ من هذه المؤتمرات ذات الطابع التنظيري والكلام الفضفاض الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع ، وكالعادة بدأ بيانه الختامي بالعبارة الإنشائية الممجوجة " قلقون للغاية بشأن فشل حماية المدنيين في سوريا ، وتكثيف العنف ، وإمكانية أن يصبح الصراع أعمق في البلد، والبعد الإقليمي للمشكلة " وثنى " بالتأكد على التزام الدول الأعضاء في المجموعة بسيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا ، وبالعمل العاجل والمكثف لإنهاء العنف وانتهاكات حقوق الإنسان ، وإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية تؤدي إلى انتقال يلاقي طموحات الشعب السوري الشرعية وتمكّنه من تحديد مصيره باستقلالية وديمقراطية." مُضيفاً على ذلك بضرورة تشكيل جسم حكومي انتقالي يمكنه أن يخلق جواً حيادياً يمكن فيه للعملية الانتقالية أن تجري ، وهذا يعني أن الحكومة الانتقالية ستتمتع بكامل سلطتها التنفيذية ، ويمكن أن تتضمن أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى ، وينبغي أن تشكّل على أساس من التوافق المتبادل، مُختتماً هذا البيان "بأن الطبيعة غير المقبولة للأزمة وحجمها يتطلبان موقفاً مشتركاً وعملاً دولياً موحداً".
بقراءة لبنود البيان نجد أنه خالٍ من تجريم النظام السوري الذي مارس ولا يزال – تحت غطاء دولي للأسف – أبشع جرائم انتهاك لحقوق الإنسان يشهدها القرن الحادي والعشرون ، إذ كان من المفروض أن تكون لغة التجريم بديلة للغة القلق هي التي صُيغ بها أول بنود هذا البيان غير المنطقي ، لكي يُخففوا – على الأقل – من الضغط النفسي الذي يرزح تحته المكتوون بنار الحرب والتشرد على الأرض في سوريا ، وكيف يُنادي بإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية والسوريون أنفسهم يحكمهم مبدأ الخلاف وليس الاختلاف ؟ فالأرضية الخصبة لانطلاق هذه العملية غير متوافرة ؛ مما يعني أن مُنتجها سيكون خديجاً لا ملامح له تمنح الواقع أملاً في الخروج من عنق الزجاجة ، أما عن أهمية توافر موقف دولي للأزمة السورية فاعتقد أنها أخذت حقها من النقاش المُستفيض ، ولكن في اتجاه الاستغلال السييء الذي يُقدِّم المصلحة الذاتية على مصلحة شعب تنتهك حرماته صباح مساء ، وتُدمر ممتلكاته وتُصادر مُقدراته دون وجه حق سوى جنون العظمة وحُب الاستبداد ، وما موقف أمريكا الانهزامي في تنفيذ الضربة العسكرية إلا أكبر شاهد إثبات على هذا الاستغلال الذي يجب أن نضع تحته علامات استفهام كبيرة جداً.