الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا تبدأ رحلة الالف ميل نحو السلام

سوريا تبدأ رحلة الالف ميل نحو السلام

15.07.2017
عبد الحميد المجالي


الدستور
الخميس 13/7/2017
انخفض مستوى  العنف في سوريا منذ فترة ليست بالقصيرة . فلم نعد نرى او نتابع الحرب الوحشية ذاتها خلال السنوات الست الماضية التي ذهب ضحيتها مئات الاف المدنيين والعسكريين بالاضافة الى دمار المدن وموجات اللجوء . غير انه لايمكن المغامرة بالقول ان الرغبة بمواصلة الحرب  قد توقفت ، بعد هبوط حكمة مفاجئة على  الاطراف المعنية وخاصة النظام وحلفائه من الروس والايرانيين والميليشيات اللبنانية .
هناك تفسيرات مختلفة لانخفاض حدة العنف او الحرب واقتصارها على مجرد حرب مواقع لتحسين كل طرف وضعه العسكري ، تمهيدا للحلوس على طاولة المفاوضات ومن بين هذه التفسيرات :
اولا : احتمال شعور النظام وحلفائه بانهم حققوا النصر في هذه الحرب الطويلة وخاصة بعد الاستيلاء على حلب ، التي ادت حسب رؤيتهم الى كسر ظهر المعارضة.  وبالتالي فان استمرار الحرب بالحدة ذاتها امر لامبرر له ما دامت الاهداف السياسية ستتحقق دون خسارة مزيد من الدماء .
ثانيا : قناعة روسيا وهي الطرف الاقوى في المعادلة العسكرية والسياسية السورية ، انها حققت جميع اهدافها من التدخل العسكري في سوريا ،وهي اعادة بناء  قواعد نظام الاسد واستبعاد اي احتمال لاسقاطه عسكريا او حتى سياسيا في المدى المنظور،  اضافة الى اعتراف الكثير من دول العالم باهمية روسيا في المعادلة السوريه واعتبارها الدور الروسي كحقيقة واقعة لابد منها .
ثالثا : تغير سكان البيت الابيض طرح منذ بداية هذا التغيير عدة تساؤلات عما سيكون عليه موقف واشنطن الجديدة من الصراع في سوريا وفي غيرها ، خاصة وان الضبابية التي كانت تغطي موقف الادارة الامريكية الحديدة كانت حالكة بعض الشئ ، ومحيرة ، بل وتثير الكثير من الاحتمالات حتى بعد مرور نصف عام على تولي ترمب للرئاسة . فالتغيير في واشنطن كان يوجب التوقف لغايات الانتظار والترقب ، وتلك حكمة اضطرارية لجات اليها الاطراف ،لان واشنطن ليس ككل العواصم ، بل هي مركز اكبر قوة في العالم ،والتغيير فيها يعني تغييرا في مسار اتلعلاقات الدوليه . ولعل الضربة الامريكية بعد كيماوي خان شيخون ارسلت عدة رسائل اثبتت صحة انه يجب على الجميع انتظار ما سيخرج من واشنطن ، رغم الشعور بتقلب زعيمها وعدم انضباطيته السياسية ، وانسجامه مع القواعد المعتادة في السياسة الدولية .
كان بوتين يبدو عليه السرور بعد لقائه  ترمب في هامبورغ ، لانه شعر وربما تيقن ان الموقف الامريكي اصبح قريبا من الموقف الروسي في كثير من القضايا ، وخاصة القضية السورية .  ووصف موقف واشنطن بانه اصبح اكثر براغماتية .
والبرغماتية الامريكية في نظر بوتين ، كانت شواهدها المعلنة واضحة للعيان ، ومن اهمها  اعلان واشنطن انه يمكن للاسد ان يشارك في المرحلة الانتقالية في سوريا ، ولكن ليس على المدى البعيد،  وهو موقف يشبه في عمومياته موقف موسكو.  كما ان توقيع البلدين لاتفاق المنطقة الامنة في الجنوب السوري على ان تشرف على تنفيذه او تراقبه على الارض الشرطة العسكرية الروسيه ، يمثل اعترافا امريكيا صريحا بالدور العسكري الروسي حاضرا ومستقبلا على الارض  السورية،  رغم ما يقوله بعض المحللين من ان واشنطن تهدف الى توريط روسيا عسكريا ، خاصة وان الازمة السورية لاتزال تتصف بالسيولة ، ويمكن وصفها بانها كالرمال المتحركة التي لايمكن ضبط حركتها لافي الزمان ولا في المكان.
اتفاق الجنوب السوري فتح افاقا جديدة لتعاون القوتين الاعظم بشان الازمة السورية . وقال بوتين بنفسه انه اذا ما نجح هذا الاتفاق ، فانه يمهد لتسوية شاملة في سوريا بعد ان يعمم هذا الاتفاق على مناطق اخرى مهمة في الجغرافيا السورية ، رغم استمرار الحرب على داعش وطردها من مزيد من الاراضي السورية ، وهو ما يعيق الاندفاع نحوتسوية سياسية وشيكة للازمة السورية .
الامر المعيق الاخر هو ايران التي ترى انه من حقها المشاركة في تقرير مصير ومستقبل سوريا بعد ماقدمته للنظام خلال السنوات الماضية .  الا ان الرغبة الايرانية في قطف ثمار ما قامت به تواجه معارضة امريكية صريحة ، وانزعاج روسي ضمني. فاهداف ايران في سوريا مختلفة ومتناقضة مع الاهداف الروسية،  ومع ذلك سيكون الموقف الايراني احد المعيقات التي يجب التغلب عليها على المدى المتوسط على الاقل .
رغم كل ذلك فالاجواء السائدة لدى كل الاطراف بما فيها المعارضة ، ان هناك جدية في هذه المرحلة في التعاطي مع الملف السوري من قبل الجهات الدولية والاقليمية . وان املا يتولد شيئا فشيئا في امكانية وقف نهائي لنزيف الدم ، والبدء بعملية سياسية تغير الواقع السوري ، الذي كان قائما قبل الثورة . فالامم المتحدة بتاييد من الروس والامريكان ، تستعد لاعداد دستور جديد للدولة السورية، لايمكن ان يكون دستورا يكرس الاستبداد كالذي كان قائما ، وهو هدف رئيسي للشعب السوري قام بثورته من اجله ، اي من اجل سوريا ديمقراطية تحفظ حقوق الجميع دون تمييز .