الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا ثورة اليائسين

سوريا ثورة اليائسين

27.04.2014
عبدالله بن بخيت


الرياض
السبت 26/4/2014
    جلست قبل عدة أيام مع صديق فامتد بنا الحديث إلى أن وصلنا إلى موقف المطربة السورية أصالة من الثورة السورية. أعلنت أصالة موقفها المؤيد للثورة السورية من الأيام الأولى لاندلاعها. كان موقفاً غريباً من إنسان مرفه مستفيد من النظام أو على الأقل لم يتضرر منه. فنظام الأسد يكرم الفنانين والكتّاب وكل من يرى فيه فرصة لتعزيز نظامه. لكن أصالة اخترقت منظومة الفنانين وأعلنت موقفها. كان موقفاً شجاعاً بكل المقاييس. لم يطلب منها ولم تجبرها الظروف على حد علمي. بيد أن صديقي قال: إن أصالة ظنت أنها ستكون بطلة الثورة وستعود إلى سوريا محمولة على الأعناق. تأملت كثيراً في هذا الرأي القائم على فرضية الأنانية. يرى أن أصالة قامت بمغامرة شخصية كبرى أقرب إلى الروليت الروسي لتفوز بكل شيء أو تموت.
كثير منا سمع بالنظام الكوري الشمالي. هذا النظام لم يبقَ له شبيه في العالم سوى النظام السوري. الفرق بين النظامين يكمن في تأثيرات المحيط. تنتسب الجمهورية العربية السورية إلى المنظومة العربية الإسلامية التي تحيط بها ثقافياً وجغرافياً وتاريخياً. يتعين على كل من يحكم سوريا التكامل مرغماً مع هذا المحيط على كافة الأصعدة. فمهما وفر من دواعي العزلة لا يستطيع الإفلات من هذا المحيط. بخلاف كوريا الشمالية التي قدرت على بناء نظام قمعي شديد القسوة وفي نفس الوقت طورت علاقة عداء معقدة مع محيطها الوحيد كوريا الجنوبية ففاز حكامها بشعب معزول يسمح لهم بالتحكم فيه بالطريقة التي تخدم استمرارهم. فيما عدا تأثير المحيط، فالنظامان متشابهان في كل شيء. الفقر وحكم المخابرات وتسفيه المواهب والقدرات ونهب الثروة وتوريث السلطة دون شرعية تاريخية.
نشأ رأي صديقي الذي اتهم به أصالة بالبحث عن مجد شخصي من إيمانه بأن إسقاط النظام سيكون حدثاً تاريخياً سيحظى كل من ساهم في إسقاطه بصفحة من تاريخ سوريا لا تمحى. أسهمت نفس الفكرة (منعة النظام وصلابته) في اتخاذ بعض الفنانين السوريين مثل دريد اللحام موقفاً معارضاً لموقف أصالة. حسب وجهة نظري فكل الفنانين الذين اصطفوا مع النظام آمنوا بمنعة النظام واستعصاء إسقاطه إلى حد اليأس.
كلا الطرفين المؤيد للثورة او المؤيد للنظام انطلقا من نفس الفكرة وإن جاءت مواقفهما على طرفي نقيض. من يقرأ تاريخ سوريا منذ أن قفز الأسد الأب إلى هرم السلطة لم يعمل أي شيء في البلاد سوى أن يبقى في السلطة. فكل ما تشاهده من إضافة في البنية التحتية في البلاد هدفه في الحقيقة تعزيز قوة السلطة لا قدرات البلاد وتطورها. من الأمثلة الظاهرة على ذلك الخط السريع الممتد من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها. سارعت الحكومة السورية إلى بناء هذا الخط بعد تعثر قوات القمع الحكومية في الوصول إلى حماة لإخماد التوتر فيها في الوقت المناسب الأمر الذي أجبر الأسد على زيادة في غلة القتل كان يمكن أن يتفادها لو أن هذا الطريق موجودا حينها. كان هذا الخط سيساعد الحكومة على نقل قوة أكبر في وقت أقل. تنبه الأسد لهذه المشكلة اللوجستية فقرر أن يشيد كل حجرة في سوريا لتعزيز قبضته فأضحت كل مقدرات سوريا أدوات تحمى النظام. فالسوريون لم ينقسموا بين مؤيد للنظام ومعارض له وإنما انقسموا بين يائس من نجاح الثورة وبين يائس بلغ به اليأس مداه فصار على استعداد أن ينتحر لإزالة هذه السلطة.