الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: حدود القوة بين موسكو وواشنطن

سوريا: حدود القوة بين موسكو وواشنطن

20.10.2015
عائشة المري



الاتحاد
الاثنين 19/10/2015
تحت عنوان "الحرب على الإرهاب" انطلقت العمليات العسكرية الروسية في سوريا وأكد رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف بتاريخ 17 أكتوبر الجاري أن روسيا تدافع عن مصالحها القومية في سوريا لا عن أشخاص بعينهم، معتبراً أن بقاء بشار الأسد في السلطة ليس مسألة مبدئية بالنسبة إلى موسكو. فروسيا تدافع عن الدولة وليس الشخص، وترفض شخصنة الأزمة السورية في الأسد. ولكن لروسيا بالتأكيد مصالح قومية تقف خلف قرار بسط المظلة العسكرية الروسية على سوريا، فلماذا التدخل العسكري الآن؟ تساؤل لا يزال يطرح مع استمرار العمليات العسكرية الروسية، إذ لم يكن خافياً استمرار الدعم الروسي لنظام الأسد منذ بدء الأزمة السورية، سياسياً وعسكرياً، فلماذا تغيرت الاستراتيجية العسكرية الروسية من الدعم إلى التدخل؟
منذ البداية وعلى عكس الموقف الأميركي كان الموقف الروسي واضحاً تجاه الأزمة السورية، فدعمت موسكو بقاء النظام السوري ورفضت طرح حلول سياسية تستبعد الأسد كشرط للتفاوض، واستخدمت "الفيتو" في مجلس الأمن لرفض تكرار السيناريو الليبي في سوريا، واستمرت في رفض الحل العسكري للأزمة، ولكن بعد أربع سنوات على بدء الأزمة شهدت الساحة الميدانية في سوريا تراجعات عسكرية للنظام السوري، وروسيا بتدخلها العسكري تعلن عملياً أنها معنية بما يجري عسكرياً وسياسياً في سوريا، والتدخل العسكري يعني أن موسكو تسعى لتغيير موازين القوى على الأرض لتحقيق تأثير حاسم في سوريا، وأن الصراع لن يحسم عسكرياً ولكن سيفتح باب المفاوضات حول مصير سوريا، فروسيا تسعى جاهدة لأن تكون لها الكلمة الأولى في مستقبل سوريا، وأن تصبح طرفاً رئيسياً على طاولة المفاوضات، كطرف عسكري لا كطرف سياسي كما كانت، مما سيعني بالضرورة أن روسيا وليس الأطراف الإقليمية كإيران أو تركيا هي المعنية بالملف السوري.
قد يبدو أن التدخل الروسي يعزز الوجود الإيراني ولكن، في الحقيقة، التدخل يسحب البساط من تحت التدخل الإيراني في سوريا بعد أن كان القرار السوري رهينة القرار الإيراني والمليشيات الشيعية الإيرانية واللبنانية والعراقية، مما يعني للأطراف الاقليمية سحب أوراق اللعبة الطائفية التي كانت تلعبها إيران، لمصلحة روسيا كلاعب رئيس على الساحة السورية، مما قد يساهم في صياغة حل سياسي بعيد عن الاحتقان الطائفي في المنطقة، وإن كان يصب لمصلحة بقاء نظام الأسد لفترة انتقالية قد يطول أمدها بموافقة الأطراف الإقليمية التي كانت تعارض استمرار بقاء الأسد في السلطة كشرط للتفاوض على الملف السوري.
بينما الموقف الأميركي كان غير واضح إطلاقاً، فبعد المطالبات الأميركية برحيل الأسد ورفض بقائه في السلطة، مع دعم محدود للمعارضة، شهدت السنوات تغيرات وتذبذبات في الموقف الأميركي، وسرعان ما تغير خطاب إسقاط الأسد إلى بقائه، ومن دعم المعارضة سياسياً انتقل الدعم لتدريب المعارضة "المعتدلة" وتسليحها تسليحاً محدوداً، ومن ثم الصمت المتردد إزاء التدخل العسكري الروسي في سوريا، والتصريحات الغامضة المتناقضة للحكومة الأميركية التي تنبئ عن موقف اللاموقف أساساً من التدخل الروسي في سوريا واقعياً، وقد أدت السياسة الأميركية لتفاقم الأزمة السورية واستمرار لهيبها فبقيت هذه الأزمة غير قابلة للحل لا عسكرياً ولا سياسياً، وهو ما هيأ الساحة للتدخل العسكري الروسي.
ومع استمرار الضربات الجوية الروسية تبرز المقاربة الروسية للأزمة السورية بمحاولة إيجاد حل سياسي بمشاركة الأسد تضمن استمرارية هيكلة السلطة في سوريا، مع تقديم الأسد لتنازلات سياسية، ومع تعقيدات المشهد السوري يتوقع أن يكون الشهر القادم حاسماً على الصعيدين السياسي والعسكري.